قصة قصيرة

مذكرات الجندي المرقم 195635

 

يحيى السماوي / استراليا

yahia.alsamawy@gmail.com

يزعم مظلوم أنّ له خبرة جيدة فيما يتعلق باستدعاءات الجنود والمراتب الى الاستخبارات العسكرية ... وبحسب خبرته المزعومة تلك، يرى مظلوم انه إذا قامت الوحدة العسكرية بتسليم منسوبها كتابا مغلقا " سري للغاية " بدون "مأمور " يرافقه، فذلك يعني أن المسألة لا تستوجب الخوف والقلق .. وكل ما سيجري، هو، تحقيق روتيني، وربما التقاط صورة جديدة له ليزداد عدد صفحات " إضبارته " التي افتتِحت في مسقط رأسه، ولن تُغلق قبل دخوله القبر .. أما إذا سُلِم الكتاب " السري للغاية " الى " مأمور يرافقه من الوحدة العسكرية الى رئاسة الاستخبارات في بغداد، فالمسألة لن تخلو من " طقم متكامل من الصفع والرفس والنطح والكلام البذيئ " لكن هذا" الطقم " لن يقود الى الموت، ولا الى عاهة مستديمة ... فالمو ت، او العاهة المستديمة

ستحصل إذا أرسلت رئاسة الاستخبارات العسكرية " مأمورا " منها ليصطحب الشخص المحدد مخفورا تطبق على يديه الجامعة الحديدية " كلبجة "

لذا لم يقرأ مظلوم الفاتحة على روحه، حين عرف أن الذي سيصطحبه الى " المخبز " هو جندي من جنود وحدته " وكان طيبا حقا لدرجة انه سمح لمظلوم بمهاتفة زوجته، ومن ثم السماح له بزيارة بيت شقيقته في اليرموك ببغداد ليتناولا معا طعام الغداء " ....

  السائق الحاج " كاظم وزير " لم يكتف بإيصال مظلوم الى باب بيته فحسب، إنما وحاول جاهدا اقناع مظلوم بعدم دفع الأجرة :

 ـ استاذ أبو شيماء، أرجوك لا تطلع فلوس ... ارجوك ... يفيدنك للطبيب ... بعدين انت استاذ ابني " رفعت " .. وأبوك حجي عباس صديقي بالروح وحده

درجع فلوسك الله يخليك

ـ لا والله ما يصير ... لازم تاخذ ...آني حلفت ... انت هم صاحب عائلة وعلى باب الله

ـ صدّكني آني جنت ناوي أرجع فارغ ...اليوم ماكو عبريّة ... يعني لو انت ما جاي وياي، كنت آني ارجع بوحدي

ـ ما قصّرت ... جزاك الله خير حجي .. هذي الاجرة وآني الممنون

ـ بكيفك استاذ ... بس ارجوك ارجوك ارجوك لا تحجي ولا تسولف باللي صار ... تره هذوله سرسرية وما عندهم ضمير...كفيلك الله كاهم هتلية وجايفين .. الشريف بيهم خايس ... ليش هو منو اللي خبّلْ اخوي فاضل ؟ انت ابن السماوة وتعرف زين ...اخوي فاضل من أحسن المعلمين ... اخذوه شرطة الأمن شهر واحد ... أخذوه ليره ذهب ... وطلعوه مخبل ... دير بالك وليدي ... سلم لي على عيالك ...

 

 **

 

 استقبلته زوجته وثمة بقايا دموع بين الاجفان

ـ الحمد لله ... صلوات على محمد وال محمد ...." وهي ترفع يديها صوب السماء " الهي انطيتني مرادي ... ليلة الجمعة اذبحلك الخروف ... وكل راتبي هذا الشهرلميثم التمار ... بعد عيني ميثم التمار ...

ـ ام شيماء صيري عاقلة .. شنو اذبح خروف... شنو كل راتبك لميثم التمار ... ؟

ـ انت ما عليك ... آني نذرت والله انطاني مرادي ... لازم اوفي النذر ..

الحمد لله ... طلعت بيوم واحد ... كل مرّه تبقى ايام واسابيع ... والله يا ابو شيماء من الصبح ليهسّه وآني اصلي وأدعيلك ...خلصت كل أدعية الصحيفة السجّادية ... وقريت دعاء الشدّة والفَرَجْ خمسمرات ... والله انطاني مرادي ... الحمد لله والشكر ..الله فرجها بيوم واحد ...الحمد لل

ـ بابا يا يوم واحد ؟ البسط اللي كانوا يبسطوني لمدة اسبوع، بسطونياه بيوم واحد ... واذا ما ترضين، أخذوا زيادة أكثر من عشرين راجدي وطحلة ...

ـ الله لا ينطيهم ...إلهي أريدك تاخذ لي حوبتي منهم بحق النبي وال النبي ...

ـ بسيطة بسيطة ... بس ماكو لا ذبح خروف، ولا راتب الشهر لميثم التمار ... اللي يسمعك يتصور الحكومة عيّنتْني وزير التربية والتعليم ... شلون خبال ... كل راتب الشهر لميثم التمار ...ميثم التماّر على عيني وراسي ... هو هسّه بالجنة ... اللي بالجنة يحتاج فلوس ؟ ها .... يحتاج ؟ ما تحجين ؟ شيسوّي بالفلوس ؟ يدفعهن بخشيش حتى ما يروح جيش شعبي ؟ إذا لميثم التمار تنذرين خروف وراتب شهر ... شنو يكون النذر لو للعباس ؟ تنذرين البيت ؟ الحمد لله البيت للإيجار مو ملكنا ...

ـ هاي اشبيك أكلتني حاصل فاصل ... الخروف من أبوي ...والرا

ـ أعرف أعرف ... ميثم التمار يعرف ظروفنا ... والله سبحانه مسامح وكريم

وما يرضى بالتبذير ... عندي حل ... نذبح دجاجة ... دجاجة آني آكلها ... على الأقل أقوّي جسمي للبسطة القادمة

 **

  " أم شيماء " ـ والحق يقال ـ إمرأة مفرطة الطيبة ... كانت إحدى طالبات مظلوم حين كان مدرسا في اعدادية السماوة...تحب الشعر وتحترم كل الشعراء ما عدا أولئك الذين أساؤوا لشرف الشعر بقصائدهم التي تمجّد " طحيور " و" قادسيته " ... هي، وإن كانت حريصة على قراءة صحيفة " طريق الشعب " ومجلة " الثقافة الجديدة " إلا أنها لا يمكن أن تنام قبل قراءة دستة كاملة من أدعية " الصحيفة السجادية " ... وأما ليلة الجمعة، فلا مناص من قراءة " دعاء كميل " أيا كانت مشاغلها ... تتمتع بصبر مذهل، وتؤمن إيمانا مطلقا

بالذي " مكتوب على الجبين وما تشوفه العين " ... فمثلا، في صباح اليوم الثاني من زواجهما، خرج مظلوم لاستئجار سيارة تقلهما الى البصرة لقضاء شهر العسل ...فإذا به يعود منتصف الليل متورم الوجه ـ رغم أن مفوض الأمن المدعو " علي ناصرية ـ ويبدو أنه كان بانتظاره مقابل البيت " أقسم له أن ضابط أمن البلدة لديه استفسار بسيط لن يستغرق أكثر من دقائق معدودة ...فاكتفت برفع يديها الى السماء مطلقة آهة وحشرجة، ومن ثم، لتقول : لا تهتم حبيبي ... هذي إرادة الله ... الله يريد يختبر عباده ... كول الحمد لله حتى تنحسب إلك حسنة ...

 **

  لم يكن " علي ناصرية " غير شرطي سكير نبذته مدينته وعشيرته، فانتقل الى السماوة،ليغدو بعد سنوات قليلة " عضو فرقة " في حزب " طحيور " مكافأة لما يتمتع به من قسوة في التعذيب ...له وجه لا يحتاج الى أكثر من عملية تجميل بسيطة ليصبح قردا، لكنه يحتاج دورة تثقيفية لمدة عشرين عاما ليصبح حمارا ... هو الذي ابتكر طريقة التبول في فم

الضحية ... طريقة لا تتطلب كثير عناء ... فقط : تكتيف يدَيْ الضحية الى الخلف، وإغلاق منخريه لحمله على التنفس من فمه، وحينها يجد البول طريقه نحو الفم ... ومع أن " علي ناصرية " لم يتبول في فم مظلوم، إلا أن مظلوم، في الإنتفاضة الشعبية، أرسل أكثر من مجموعة قتالية للقبض على " علي ناصرية " و " ناجي حميد سراج " طالبا منهم عدم المساس بحياتيهما ... بل انه قال لهم سأقتل منْ يقتل هذين المجرمين .... فهما حصّتي وحدي .. " مظلوم كان هو الذي يحقق مع القتلة والمجرمين الذين وقعوا بأيدي المنتفضين " وقد يأتي على حكاية ـ ....... ـ الذي طلب منه مظلوم قضم نعل ٍ اسفنجي، فامتثل لولا أنّ مظلوم عفا عنه، بعد ان اعترف بأنه نفسه الذي ضربه بالنعل في مقر فرع المثنى لحزب طحيور ...

 ما يأسف له مظلوم، ان " علي ناصرية " قد جيئ به في الرمق الاخير، فنفق بعد دقائق وكانت ثيابه مبللة ببوله ... وأما " ناجي حميد سراج " فإنّ أهالي ضحاياه قد فرشوا بجسده الشارع قبل دفنه في حاوية القمامة أمام مدرسة الرشيد الابتدائية للبنين " حتى وهو ميت ممزق، جاءت امرأة ورفست بقايا رأسه " .

 يقول مظلوم : إن ناجي حميد سراج هو السبب في فصلي من التدريس، ولولاه لما ارتديت الخوذة والبدلة الخاكية طيلة سنوات قادسة طحيور ...وأما علي ناصرية، فهو الذي جعلني أمضي نصف فترة شهر العسل في بيتي لا أقوى على المشي من سريري الى حجرة المكتبة .

 كل هذا وأنا الان جندي يُراد مني أن أقاتل دفاعا عن قاتلي ّّ...!

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com