قصة قصيرة

امراة من زمن الخلود

نوئيل عيسى

noeeleesa@yahoo.com

بدا المطر ينهمر على حين غفلة عندما اسرع تقوده قدماه نحو عوجة قريبة لامخرج لها وراي بوابة كبيرة لاحدى الدور احتمى بها .

نظر حوله مليا بوابة اطارها من المرمر الابيض المزخرف الثمين والباب من خشب الجوز الجيد

بدا مندهشا من هيئة الدار الخارجية التي تنبئ ان صاحبها ذو شان لان مثل هذه البوابات المصنوعة من خشب الجوز والمطلية بلون بني وبهذا الحجم طولا وعرضا هي نوع من انواع الرفاهية ليس غير .

تلمس خشب الباب وتمنى لو ان هذه الدار له . لملم بصاقه والقاه بعيدا محدثا صوتا كريها بفمه .. ثم اخذ يشد معطفه على نفسه عندما احس بالبرد يغزو جسده الهزيل تمتم .

- لو تناولت شيئا من الطعام لشعرت بالدف

اتكا على بوابة الدار لاعنا الساعة التي قادته قدماه الى هذا المكان وفي مثل هذا الوقت من النهار . خاصة وانه للتو خرج من عمله كان يهم الوصول الى سيد بكر.قبل ان يستقل سيارة اجرة الى الجانب الاخر من المدينة فقد اعتاد كل اسبوع ان يؤم هذا المكان ليتناول شئ من كبابه اللذيذ المشهور مع كاسة من شراب الزبيب والبصل والكرفس الا انه تلكا لقضاء حاجة ملحة راودته اثناء الطريق وهاهو المطر سبقه وحشره في هذا المكان اللعين .والا كان الان وفي هذه اللحظة جالسا على مقعد خلف احدى الطاولات يتناول طعامه الفاخر المفضل لديه وهو كباب سيد بكر الشهير .والذي لامثيل في كل الكينونة .

اخرج كيس تبغ واخذ يصنع له لفافة عندما فتح باب الدار وقذف من خلفه صرة ما الى عرض الطريق وهي عادة درج عليها اهل الموصل بان يربطوا الفضلات ويلقونها بهذه الطريقة لياخذها عمال التنظيف في صباح اليوم التالي واغلق الباب بعصبية اخرجته من لجة افكارة وانسته للحظة كباب سيد بكر الا انه عاد لاعنا

- اولاد كلب ... لاذوق لهم يعتقدون انهم فوق البشر دس لفافة التبغ بين شفتيه واشعلها بعود ثقاب يتيم مرطب بالكاد اشتعل وقبل ان بنطفئ سحب نفسا عميقا من لفافة التبغ ساحبا نار العود اليها بقوة لتحترق ثم القى العود جانبا وعدل من هيئته ونصب قامته اعتزازا بما منحته اياه تلك اللفافة من طعم لذيذ .ونفث دخانها الكثيف الذي خرج من بين شفتيه بشكل عشوائي محدثا دوائر صغيرة مفتوحة من احدى جوانبها تتبدد بسرعة مع ملامستها الهواء -مليون مرة افعلها دون جدوى اريدها دوائر منتظمة مثلما فعلها بطل فيلم مزرعة الرز اللعين ضحك من نفسه -انت غبي يارجل هذه الامور لاتقع الا بعد طول تمرين خمن كم الساعة الان لايدري بدا الظلام يغلف بعبائته المكان واخذ يحسب

- خرجت في الرابعة .. سرت بضعة دقائق عبر عوجات باب الطوب اخرى قضيت حاجتي بها عند احد المنعطفات.

- اولاد حمير يكتبون على الجدران ( البول للكلاب )ابوهم الكلب اين يذهب المستطرق لقضاء حاجته لعنة الله عليهم؟ وبعض الوقت قضاه للوصول الى هنا مدخل سوق النجارين من الداخل وامامه مسافه تقوده الى الشارع العام مخرجه بجوار نادي ضباط الصف ومن هناك الى سيد بكر -لنقل الان الساعة الرابعة والنصف لااهمية لازال الوقت مبكر كان المطر قد خفت وطاته فتحول الى رذاذ خفيف ناعم -يقولون الاغبياء ان مثل هذا المطر يقتل الزروع بصق مرة اخرة وهم بالسير وعلى حين غرة فتح باب الدار وظهرت تحته فتاة حسناء ( تفك المصلوب ) هكذا يقولون اهل الموصل احس برجفة تسري في كل كيانة وهزة تكاد ترفعه من الارض لتقذف به الى اليم ...ابتعد هابطا على اسفلت الشارع الا ان الفتاة ذات الثلاثين ربيعا تمسكه من تلابيبه وهي تقول له -ماذا دهاك لماذا ترتعب الا تحتاج الى الدف وسط هذا الجو من المطر والبرد القارس لم يستطيع لملمة شجاعته فقد بات كمن حملته عاصفة عاتية فكاد يفقد رشده وقد جف لعابه واحس بلسانه يلتصق بسقف فمه لهول المفاجاة فما كان منه الا ان يومئ لها ان نعم .فضحكت المراة منتشية فجرته الى الداخل واغلقت الباب بكل ماوتيت من قوة محدثة صوتا كانه انفجار قذيفة .

اتكا الرجل على الجدار يريد لملمة شئ من شجاعته التي اضمحلت على حين غفلة فاحس انه مثل ريشة في مهب الريح وسمعها تدعوه

- لندخل ... هيا هنا المكان بارد

سار خلفها دون وعي منه وهي تمسك بيده بكل قوة لايدري الى اين تريد اخذه الا انه بلا حول ولاقوة بات . هكذا شعر فانقاد لها صاغرا .

فتح الباب على مصراعيه بعد ساعة ونيف ووقف الرجل وهو في منتصف العقد النالث من عمره على عتبته منتصبا متباهيا بنفسه يحمل تحت ابطه صرة قماش .زرر معطفه والتفت الى الوراء فراى الباب مغلقة خلفه ابتسم وهو يشعر بكل الرضى الذي لم يشعر بمثله في اسعد اوقات حياته وهي على العموم قليلة لاتذكر .

سار الهنيهة مخترقا سوق النجارين باتجاه شارع نينوى عند مخرجه قرب نادي ضباط الصف وكاد ان يدخل الشارع دون وعي منه الا ان احد المارة امسكه من تلابيبه وسحبه

- الى اين يارجل ؟

هز الرجل راسه واخرج يده من جيب معطفه والقى نظرة على مافيها وهمس

- دينارين . اللعنة اجرة عمل ثمانية ايام متوالية دس المبلغ في جيبه وهمس لنفسه

- اللعنة لم تجرؤ على النطق بها كبريائها منعتها كاي انثى معتزة بانوثتها وبدون ان يدري فتح باب احدى المركبات الواقفة امامه ودس نفسه داخلها وكله سعادة ورضى لاحدود لهما . همس للسائق

- الى الشرفية

وارخى جسده على المقعد وهو يؤنب نفسه

- الايكفي مافعلته معك ايها الحمار لتعبر لك عن حبها ماذا تريد اكثر ؟ اغمض عينيه وهو يردد مع نفسه

- انا انتظرك كل اسبوع . وكل خميس منه . وفي نفس الساعة !

ولم يشعر الا وصوت السائق يساله

-لقد وصلنا يارجل .

ترجل من السيارة دون ان يدفع الاجرة ..ناداه السائق ...هز الرجل راسه متاسفا ...دفع الاجرة وهو يحدث السائق

- اليس جميلا ان يعود بنا التاريخ الى العهد العباسي

- ليت كل مانتمناه يتحقق ولو لبرهة ننتشل بها انفسنا من ضيم التقاليد والاعراف البالية التعسة واطلق العنان لسيارته اعقبها صوت زعيق العجلات وهي تحتك باسفلت الشارع وكانها تهتف -اللعنة على مانحن فيه من بؤس اجتماعي.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com