قصة قصيرة

الغرباء وملكة الصعاليك

سامي العامري / كولونيا- المانيا

alamiri60@yahoo.de

قالت العدالة: أريد مَن يمثِّلُني لا مَن يمثِّلُ بي!

ولكن واأسفاه لا أحد.

ورغم ذلك رأيتُ في أحد الأيام تمثيلاً معيَّناً لها قد تتعزّى به العدالة وقد يفيد!

حصل هذا في تربة عذراء، أساسُها من الشرق ولكنها تقع على حدوده ولا تقع!

فما أن مشينا مسيرةَ ثلاثة أيام بلياليها ونهاراتها حتى عثرنا على أسدٍ واقعٍ في شَرَكٍ، كان مثلنا مُنهَكاً ويتضوَّر جوعاً، إقتربنا منه دون حذرٍ قال: سقطتُ في هذا الشرك من غير أن يأتي أحدٌ ليقيِّدني ويأخذني معه ولعلَّ مَن فعل بي هذا هو نفسه سقط في شركٍ أيضاً فهذه أرضٌ ملعونة تحكمها ملكة جبارة ولكنّها قد تَرقُّ اذا رأتكم وربما عاملتْكم كضيوفٍ فأنتم من أرضٍ بعيدة ثُمّ إنكم تملكون أشكالاً غير مألوفة، أنتم بيضُ الوجوه وشُقْر الجدائل وهذا غريبٌ عليهم في هذا البلد باستثناء هذا الرجل، وأشار اليَّ، فهنا متوفِّرٌ منهُ الكثير!

صاح الإنكليزي بحماسٍ: سنطلق سراحك وتدُلَّنا على مكان الملكة وإنْ كنتَ كاذباً قتلناك!

قال الأسد: إطلاق سراحي وحدَهُ لا يكفي فانا أدلُّكم على المجد والجاه، وهذه الصحراء قفرٌ لا حيوان فيها إلاّ فيما ندر وانا منهك، أريد أن يُطلَق سراحي وأزدرد واحداً منكم!

كان الإنكليزي ضخماً صَلِداً فرغم الإنهاك فكَّ قيود الأسد وقطع حبلاً من حبال الشرك ثمَّ كبَّل الفرنسيَّ المرعوبَ وألقى به الى الأسد!

كان الفرنسي كثير التذمّر والشكوى طيلة الرحلة الشاقة.

انا كنتُ رابحاً في هذه الجولة فحتى الأسد لم يفكِّر باتِّخاذي طعاماً لهُ!

أمّا الألماني فقد كان ذا ذاكرة عجيبة فهو لا ينسى الطُرُق والشِّعاب التي سلكناها لذالك أُبقي عليه. وبعد أن شبع الأسد وأخذ قيلولة ثمَّ نهضَ، سرنا خلفهُ مُتعَبين، استطعنا الوصول بصعوبة الى حيث توقف الأسد وأشار الى البوابة الموصِلة الى قصر الملكة ثمّ تسلّل راجعاً وهناك أكرَمَنا الناسُ، أعطونا الطعام، في الحقيقة لم يعطوني أنا ولكن صاحبي الألماني رَقَّ لحالي فناولني خبزاً ولحماً من صحنهِ، وبعدها أوصلونا الى عرش الملكة وهُم يهلِّلون.

حكينا لها كاملَ قصتنا وبأننا كنّا في طريقنا الى الشرق حينما ركبنا السفينة التي غرقتْ.

كانت الملكة حادة الذكاء أستقبلتنا في البدء بدبلوماسية ثم تَلَتْ إملاءاتها علينا:

نريد مِن بينكم رجلاً لنشنقهُ، العدل يطلب ذلك والعدل يطلب مني كذلك أن أجعلكم أنتم تختارون من بينكم الرجل المناسب أمّا هذا، وأشارتْ اليَّ، فلا شأن لنا به!

ثمَّ إنَّ هذه القضية ستصبح لها أبعادٌ سياسية إعلامية تفيدكم وتفيد مملكتنا إذاً القضية أصبحتْ بينكما أيها الإنكليزي، أنت والألماني فتفاهما مع بعضكما أمّا لماذا رأينا أن نشنق واحداً منكما فلأنَّ أسداً مارقاً هربَ من سلطاني فأرسلتُ وراءَه ولكن دون جدوى فأجمعنا على أنْ مَن أطعَمَهُ أو آواهُ سينال جزاءه العادل، والناس أطعموكم ظنَّاً منهم أنكم قد أرجعتموه الى رشدهِ فتابَ اليَّ وأصبح اليفاً مطيعاً.

هنا سأل الرجل الألماني بِحَيرةٍ: أتريدين القول بأنك الزبَّاء التي قرأتُ عنها ؟!

قالتْ الملكةُ: كلا، فالزباء عاشت قبل التأريخ وانا ابنة هذا العصر وربما من حسن حظكم أنْ ألقتْ بكم الأمواج الى ساحلنا فلو ألقتْ بكم على سواحل العرب اليوم لما رأيتم مَن يحاوركم او قد يقتلونكم ثم يحاورونكم! ثمّ إنّ كلَّ واحدٍ منهم يفهم العدالة وفقَ هواه أيْ أنها عدالةٌ سوريالية تجريبية!

هنا علَّقَ أحدُ مستشاريها قائلاً: نعم مولاتي، إنهم في هذه النقطة فقط حداثيون!

وأضافت الملكة مواصلةً الحديث مع الرجل الألماني:

ثم لا تنسَ أني مهما قسوتُ أبقى إمرأة، صحيحٌ أنني من الشرق وقد كنتُ متمرِّدةً فيما مضى وكان معي قوم من الصعاليك ولكن حين نجح تمرُّدنا وإقتطعنا مساحة واسعة لنا نقيم عليها مملكتنا هم الذين إنتخبوني ملكةًَ عليهم نظراً لحزمي وحكمتي فرجالي هنا يختلفون ؟ هنا صاح الرجل الإنكليزي: إننا نستعين بحكمتك يا صاحبة الجلالة فاقضي بيننا، قال هذا ثم بكى بكاءاً مُرَّاً فََرَقَّ قلبُ الملكة فقالت لهُ: يا حفيد تشرشل العظيم، لقد هَزمْتُ في فترة حكمي أعداءاً كُثْراً ولكن لم تهزمْني سوى الدموع!

وأرى للعدالة الآن لوناً آخر أكثر إنسانية، إنْ أقنعتَ صاحبكَ او قلتَ لهُ أيَّ كلام يبعث الشجاعة في نفسهِ كي يصعد الى المشنقة سأجعلك أحد قُوّادي.

هنا ذهب الإنكليزي فَرِحاً الى صاحبه فقال له وهو يحاول إقناعهُ:

إصعدْ أيها الحبيب فانتم الألمان تحبون المراتب العليا دائماً، دائماً فوق، وإعلامكم لم يكفَّ عن التصريح ليلَ نهار: المانيا فوق الجميع، المانيا فوق الجميع! (*)

********************

(*) أدخلتُ اسم الملكة الزبّاء في هذه القصة لأنَّ مَن يمثِّل السياسة الألمانية حالياً إمرأة وأمّا عن نهاية القصة فالإنكليز لا يكفّون وخاصةًَ بعد الحرب العالمية الثانية عن إطلاق النكات اللاذعة حول الألمان، والألمان يفعلون العكس أيضاً.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com