قصة قصيرة

مباهج انضباط الحارثية

(ثلاث قصص قصيرة)

سامي العامري / كولونيا- المانيا

alamiri60@yahoo.de

(1)

 الغزال

يُحكى أنَّ صيّاداً اصطحبَ رفيقاً لهُ في رحلةِ صيدٍ ولمّا عجزا عن العثور على حيوانٍ يقتنصانهُ قرّرا التسَلُّل الى أحد مراعي الغزلان العائدة الى أحد الملوك، فأطلقَ مَن كانت في حوزتِهِ البندقيةُ رصاصةً أصابتْ غزالاً فهتَفُ رفيقُهُ مُستبشِراً : لقد أصبناه !

فردَّ صاحب البندقية : لا تقُلْ : ( أصبناه ) بل انا الذي أصِبْتُهُ .

ولمّا هَمَّ بحملِ الغزال إذا بحُرّاس المرعى يهرعون وقد سمعوا صوتَ إطلاق الرصاصة فصرخ صاحب البندقية برفيقهِ : لِنَهْربْ، ساعِدْني في حمل الغزال، إنهم يتعقَّبوننا .

فردَّ عليه رفيقُهُ : لا تَقُلْ : إنهم ( يتعقَّبوننا ) وإنما هم يتعقَّبونك !

ولمّا سطا صدام على الكويت قال مزهوّاً : أخيراً أصبح العراق يمتلك ثلث كميات النفط في العالم . لاحِظْ ( العراق ) وعندما زحفتْ قوات أمريكا والحلفاء باتجاه العراق صرخَ القائد المنصور مُناشِداً العرب والمسلمين داعياً إيّاهم لخوض حربٍ مُقدَّسة ! 

(2)

الدجاجة

ثلاثة صبيان من عائلة فقيرة ووسطٍ فقير, كانوا أحياناً عندما يجوعون يذهبون الى قُنِّ الدجاجة في حديقة الدار فيسرقون منها بيضتها اليومية فتثور الدجاجةُ ولا تهدأُ إلاّ بعد أن يضعوا لها بَصَلةً بيضاء بدلاً من بيضتها الحقيقية فَتَهْدأُ الدجاجة وتحتضنُها !

وهذا الإكتشاف العجيب توصّلَ اليه أكبرُ الصبيان سنَّاً

أمّا وقد تقدَّم اليوم في السنِّ وعاشاً دهراً خارج الوسط الذي نشأَ فيه فقد شرع يتأمَّلَ أوهامَ ذلك الوسط، أسبابَ بؤسهِ وتعاستهِ فقال لنفسه :

لم تكن تلك الدجاجةُ المسكينةُ وحدَها التي تفعل ذلك

بل الجميعُ كانوا وما زالوا نائمين على بَصَلة ! 

(3)

مباهج انضباط الحارثية

معسكر الحارثية والذي كان مخصصاً لتدريب الإنضباط العسكري او من المفترض أنه أُسِّسَ لهذا الغرض، تحول في فترة الحرب العراقية الإيرانية الى معتقل كريهٍ لا يُطاق ورمزٍ لإذلال الجنود الرافضين المشاركة بالحرب حيث شراسة منتسبي الإنضباط والضرب المُبرِّح بالعصيِّ والسباب السوقي المُقَزِّز ناهيك عن تكديس الأعداد الكبيرة من الجنود داخل سراديب ضيِّقة قذرة لا يضمن فيها أحدٌ سلامتَهُ من الأمراض المُعدية إلاّ القمل !

وتستمر هذه الحال أحياناً لمدة اسبوعٍ ويجري بعدها تسفير الجنود الى جبهات الحرب

وطبعاً التسفير يكون فقط للجنود الذين التحقوا ( نادماً ) أمّا غيرهم فالرصاص بانتظارهم . هناك في تلك السراديب الخانقة حيث يُرمى بالصمّون اليابس كالأحجار على رؤوس الجنود وحيث لا إمكانية للنوم أكثر الأحيان إلاّ جلوساً وما من أفرشة ولا أغطية وكان التبرُّز يتمَُ على مرأى الجميع، والطريف أنهم كانوا يطلقون على هذه السراديب اسمَ قاعات !

هناك بعد بضعة أيامٍ لاح ضابط برتبةِ رائدٍ من الباب الرئيسي لأحد السراديب وهو يضع منديلاً على أنفهِ ويحيط بهِ ثلَّةٌ من جنود الإنضباط المسلَّحين ليصيح بالجنود المعتقلين طالباً منهم التجمُّع في الساحة الأمامية،

خرجوا أفواجاً متدافعةً راغبين بنتفةٍ من هواء نقيٍّ وأصطفّوا متهالكين وعلى الجهة المقابلة لهم صفوفٌ من الجنود أيضاً خرجوا من سرداب آخر، وكان هذا في شتاءٍ حزين.

كان الضابط يكيل الشتائم على الجنود بنظراته المتورّمة حقداً قبل أن يكيلها عليهم بلسانهِ، صاح بالجميع : يا أولاد الـ ... ستبقون عدة أيام أخرى في قاعاتكم وبعدها سيتمُّ تسفيركم، ما أريد كلمة واحدة .

هنا أطلَّ برأسهِ أحدُ الجنود المعتقلين، صاح ببراءة : ولكنْ الجوُّ بارد جدّاً سيدي .

فردَّ الضابط ببديهيةٍ وهو ينظر الى جميع المعتقلين : بسيطة، سنضعكم في قاعةٍ واحدة . فكان لهُ ما أراد !

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com