قصة قصيرة

في بيتنا مصباح علاء الدين

لؤي قاسم عباس

loaay_kassim@yahoo.com

بعد أربعة عشر عاماً رزقني الله بولد ٍيكون لي عونٌ وسند ...

جاء الى الدنيا في اليوم الذي سطى فيه الأربعون حرامياً على متاحفنا الجميلة وسرقوا حضارتنا وتأريخنا المدون فوق تلك الرقم الطينية لذلك فقد افسد اللصوص فرحتي والتهم حزني كل سروري في ذلك اليوم ...

كنتُ قد أعددتُ لولدي اسماء عديدة منها ما (عُبِّدَ وحُمَّد) لكن شغفي وولهي تلك بتلك الرقم الطينية التي صارت اثرٌ بعد عين حملني على أن اسمي ذلك المولود الجديد ( رقيم ) لعلي استطيع ان أردَّ رقيماً طينياً واحداً الى حضارة وادي الرافدين .

حرصت منذ ولادته على ان اربيه في بيئة تعشق حضارة العراق وتاريخة المجيد فكنت اقص عليه القصص من تراثنا الجميل وكنت أتصرف ببعض تلك الحكايات بما يتلائم ومتطلبات روح العصر ، فلقد صار علي بابا قائداً للشرطة وقد اعاد المال العام الذي قاموا اللصوص بسرقته وتجميعه بالمغارة .

اما سندباد فقد أبدلت اسم عصفورته ( ياسمنة ) الى ( اباء ) – ابنة خالة رقيم - التي يعشقها عشقاً عذرياً على طريقة القيسين ( قيس بن ذريح وقيس بن الملوح ) .وتعلق ولدي بحكايات البنات ( اباء والذئب) اعني (ليلى والذئب) و(قطر الندى) ففي كل يوم كنت أعيد تلك الحكايات حتى أدمنتُ تلاوتها وكأنها ( أدعية ما قبل النوم )...

اما توم وجيري فقد شغفنا بها معاً واستظهرنا حركات جيري على ظاهر القلب فصرنا نعرف ما كان وما سيكون وحفظنا كل مقالب جيري بالقط المسكين توم حتى صرنا نبكي احيانا ودموعنا تنهمر من أعيننا على ذلك المصير الذي حل بتوم ونلوم القدر الذي سلم حيوان ينتمي الى سلالة النمور_ حسب ما يقول دارون - الى ذلك الفأر المفترس وكأن دموعنا تقول ( ارحموا عزيز قومٍ ذل )... فأحياناً يدخل جيري حلبة الصراع مع توم بزي راعي البقر من ولاية تكساس الامركية فيجعل من ذلك القط المسكين هدفاً سهلاً لمرمى ضرباته الموجعة . وتكون النكبة اشد حين يستنجد الفار جيري بابناء عشيرته يستقوي بهم على عدوه اللدود توم فتارة يستعين بابن عمه بطل بالكراتيه يستطيع بضربة واحدة ان يبعثر اشلاء توم الذي لم ينفعه طلب النجدة من شلة القطط المتسكعة ... وتارة اخرى يستضيف جيري احد اقربائه وهو عازف جيتار يصنع اوتاره من شارب توم المسكين الذي لاحول له ولا قوة حيث يصبح توم اول قط بلا شاربين... ومرة اخرى يدخل بيت جيري بدون سابق انذار احد اقرباءه بزي الساحر الذي يعبث بقدرات جيري ويحول بقوته البراسيكولوجية الى كائن عديم القدرة فيرفعه الى الاعلى باشارة من اصبعة ويسقطه الارض بنظرة من عينيه ......واشد المعارك ضراوة تلك التي قادها جيري يرافقه فأران - من سلالة الهنود الحمر- ضد جيري المسكين حيث ينتهي الصراع بتفجير بيت توم بعبوة ناسفة وكأنهما قد تلقوا تدريباتهما في تنظيم القاعدة ...

كل شئ يجري مع ولدي على ما يرام الا حكاية علاء الدين ومصباحه السحري فقد احتجت الى وسيلة إيضاح لشرح كيفية خروج المارد العملاق من ذلك المصباح واستعنت بمصباح قديم هو كل ما ورثته عن ابي بوصية كتبها الي قال فيها ( هذا ماورثه ابوك عن ابيه عن جده فاحرص على ان تورثه لابنك من بعدك ليؤرثهُ الى حفيدك من بعده ) لقد غلب علي الظن بان ذلك المصباح هو نفسه مصباح علاء الدين مما دفعني الى ان ابحث في كتب الأنساب لعلي أجدُ ما يصل نسبي بسلالة علاء الدين . الا انني لم اجد ما يصل نسبي بنسب علاء الدين ، وليس هناك أي صلة بين اجدادي و حكايات الف ليلة وليلة . لذا لم اعرف سر تمسك ابائي بذلك المصباح وسر تعلقهم فيه وحرصهم على ان يرثه السلف عن الخلف ، لم يكن هناك سببُ وجيه عدا كونهم كانوا على ثقةً بأن التيار الكهربائي سيقطع عن العراق وسيحتاجه الابناء جيلاً بعد جيل .

لقد قمت بـ( دعك ) المصباح عدة مرات ومن كل جوانبه عسى ان يخرج المارد لكنه على ما يبدوا يرقد في سباتٍ عميق . وحين يئست منه سلمته لولدي وإنا على قيد الحياة متنازلاً عن حقوق الملكية ( المدنية والشرعية ) فيه . وكان الولد على سر أبيه فهو يجلس ساعات يدعك ويمسح ويتوسل ان يخرج المارد من قمقمه فإذا ما طال جلوسهُ وملَّ من توسله علا بكائه ونحيبه واخذ يتذمر لأني خدعته وأعطيته فانوس ( عاطل ) ليس فيه أي مارد . لقد أنيت لحال ولدي وبكيت لمأساته وتمنيت لو لم أكن قد قصصتُ عليه حكاية علاء الدين ومصباحه السحري ...

فكرتُ ساعات وساعات لعلي اجدُ ما يخرجني من هذا المأزق الذي وضعت نفسي فيه وطرأت فكرة في ذهني لما لا أكون أنا ذلك المارد فاستجيب لطلبات ولدي وأحقق أحلامه !. فسألته عن أمنياته فأجابني :- أريد قطار .

هذا امرٌ هين ...فهل أنت مستعد لأن ترى ( عمو جني) إذا ما خرج من الفانوس قال:- نعم أنا أحب عمو جني كثيراً ...

أسرعت الى شراء قطار لعلي أسدَّ رمق ولدي لهذه اللعبة التي طالما تمنى ان يخرج المارد ليطلبها منه وتنكرت بزي مارد جميل وتربصت بولدي وما ان دعك جانب الفانوس حتى برزتُ إليه وبيدي القطار ، فأسرع إليّ واخذ القطار مني ورمى الفانوس بوجهي ولاذ بالفرار لاجئاً الى حضن أمه ... انتهت هذه الجولة بإصابتي ببعض الجراح من جراء قذف ذلك الفانوس في وجهي ... عاود رقيم معركته مرة أخرى وعاد يتوسل بالمارد ان يخرج إليه وباءت كل محاولاتي بالفشل حين اردتُ أن أقنعه بان المارد يخرج مرة واحدة في العمر ، وحين سألته عن رغبته هذه المرة قال :- أريد قطار حقيقي يأتي إلى هنا يمر من بيتنا ... حين عرفت أمنيتهُ حمدت الله بان ذلك الفانوس عاطل وليس فيه أي جني ، فلو خرج المارد ذات يوم وقام تنفيذ امنيات رقيم لتحولنا جميعاً إلى ركام ... الم اقل لكم أنَّ الولد هو عون وسند.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com