قصة قصيرة

مدينة الأحلام

لؤي قاسم عباس

loaay_kassim@yahoo.com

تسللت ُ في يقظتي عبر بوابة الوهم إلى مدينة الأحلام ...

مضيت أتجول في شوارعها وأجوب أزقتها وأتصفح وجوه ساكنيها وقد علقوا في موضع صدورهم لوحة بيضاء تظهر نوازعهم وخلجات صدورهم وما يعتريها من شرور وآثام ، وعلقوا في موضع جباههم لوحة زجاجية كأنها شاشة التلفاز تظهر ما يدور في رؤوسهم من أفكار بيضاء كانت ام حمراء او سوداء ...

رأيت ُ احدهم يبكي ويصرخ ويلطم وجهه ويحفر بأصابع يديه خده ، دفعني الفضول لان استرق السمع فأصغيت لصوته وهو يجهد نفسه في البكاء وهو يقول :- ربي اغفر لي ذنبي ، فأنت تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور  فلقد خانتني عيناي فوقعت دون إرادتي في إناء غيري ...

ضحكت في سري من ذلك الذنب الصغير الذي استوجب كل هذا النحيب وتأنيب الضمير... ومضيت اتبع اثر الرجل حتى وصل أهله فودعهم واخبرهم بذنبه فقد عزم على ان يذهب بنفسه إلى سجن المدينة ليعتقل نفسه حتى تثيب روحه إلى رشدها فيمحو ربه تلك النقطة السوداء الصغيرة في لوحة قلبه البيضاء ، دنوت من الرجل وأنا أحدق في لوحته لعلي أرى ذلك السواد الذي سبب له عذاب الضمير المؤلم ، حتى استعد ليعاقب نفسه من اجل ان يريح ضميره الحي ، لكنني لم أر غير لوحة ناصعة البياض ربما كانت صغيرة جدا حتى إنها لا ترى بالعين المجردة او ربما إن عيناي قد تعودت النظر إلى السواد قاتم في داخل النفوس حتى انها صارت لا تعير الى نقطة سوداء اوعدة نقاط أي اهمية .

اعجتني هذه المدينة التي تخلو من الذنوب والاثام فاسرعت الى دائرة الكشف عن العقول والقلوب فسجلت عقلي وقلبي  لديهم حيث ووضعوا شاشة التلفاز في موضع جبهتي فخرجت اشارات وموجات حمراء وسوداء حتى ملآتْ المكان وحين وضعوا لوحة بيضاء في موضع قلبي تغيرت اللوحة الى لون اسود قاتم وكان خيط ٌ رفيع ابيض قد امتد في خانة الغيرة والحسد قد توسط هذا السواد فسررت جداً لرؤيته فمضيت اتباهى بذلك الخيط الرفيع الابيض الممتد وسط زحمة من السواد وكنت اتمنى ان يرى سكان تلك المدينة ذلك الخيط الابيض لكنهم تشاغلوا بعصم انفسهم من النظر الى ذنوب غيرهم فلم ينتبه احد الى ذلك الخيط الابيض الذي اصابني بالزهو والكبرياء ، وحين كنت اجوب شوارع المدينة كنت انظر لتلك اللوحات وفي نفسي حسد وغيرة اتجاه كل واحدٍ منهم لان لوحاتهم انصع بياضٍ من لوحتي وحين نظرةٌ الى لوحتي وأذا بها قد تحولت الى لوحة ٍ سوداء بالكامل ، حينها فررت من تلك المدينة وأنا أتلمس موضع الخروج عبر بوابة الحقيقة .

 انتبهت من يقظتي وأنا اردد... انا إنسان ... انا انسان ...

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com