قصة قصيرة

احمد الحداد

لؤي قاسم عباس

loaay_kassim@yahoo.com

الحدادة مهنة عرفت منذ العصور القديمة وقد ارتبط ممتهنوها بالقوة والبأس الشديد لما تحتاجه من قوة عضلية وجسمية وذهنية إضافة إلى القدرة على التحمل والصبر.

 الحداد يقضي نهاره ما بين لهيب النار وشظايا الحديد المتطاير وقد تصلبت يداه بفعل مطرقته التي تفلُّ الحديد وفتلت عضلاته من جراء حمل الأثقال التي ينوء الرجال بحملها واخشوشن جسمه بتأثير عنصري النار والحديد ( فلا يفل الحديد الا الحديد) فيستطيع أي إنسان أن يعرفه بمجرد مصافحته وإذا عانقك فانه يسبب لك الاختناق ...

قد لا يستطيع الكثير منا أن يمارس هذه المهنة بسبب تلك المواصفات التي تحتاجها ، فهي تحتاج الى بنية جسمية سليمة وقدرة على التركيز ...

و يتصور البعض أن الحداد احمد حسين لطيف له نفس الصفات الجسمية والبدنية لأقرانه الذين يمتهنون المهنة ذاتها.

 نعم هو رجل بكل ما لهذه الكلمة من معنى الا إن القدر وحده وبسبب عدم وجود الوعي الصحي وبسبب انتشار مرض شلل الأطفال حول احمد الى إنسان معاق بذلك المرض اللعين فأصاب أطرافه السفلى بالشلل التام وأقعده فلم يستطيع ان يمارس حياته بصورة طبيعية ، لكن إرادته كانت أقوى من مرضه وعزيمته اشد من الشلل الذي أصابه .

انه ليس غريباً ان نرى من أصيب بمثل هذا المرض وقد امتهنوا مهناً تجارية تعتمد على البيع والشراء والتي لا تتطلب الكثير من الحركة او قد يمارسون مهنة مكتبية لكن الغريب أن نرى احمد يعمل حداداً ...

حين رأيته لأول مرة لم اصدق نفسي حين نظرتُ إليه وقد حمل شباكاً حديدياً لا يقوى الكثير منا على تحريكه من مكانه بينما قام احمد برفعه وتثبيته في المكان المقرر له ، وأصابني الذهول حين رأيته يتسلق السلالم أسرع من أي شخص آخر ليقوم بنصب الأطر الحديدية حول سطح بناية شاهقة الارتفاع ...

احمد من مواليد 1972 وقد امتهن الحدادة منذ صباه وصار صاحب محل حدادة في منطقة المخيم في محافظة كربلاء منذ عام 1990 الا انه رغم وجود معاونين آخرين له الا انه يحب ان يباشر أعماله بنفسه فهو دقيقٌ بعمله ومتقن له ويملك روحاً اقل وصفٍ لها بأنها عظيمة فهو يأبى أن يأخذ أكثر من اجره ويرفض أن يسجل اسمه في قائمة المعاقين لاستلام المعونة المخصصة له من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ...

إني أتساءل أيهما أعظم منزلة عند الله هل هذا الكاد على عياله رغم ما المَّ به أم أولئك الذين يعيثون فساداً في الأرض فيقتلون وينهبون بسم الله ؟ !.

 ومن هو أكثر احتراماً لدى المجتمع أهذا الذي يبني ويعمر الحياة اما ذلك الذي راحت يداه تفسد في كل مكان من ارض الوطن ؟ !.

 و ايهما يستحق ان يفخر بنفسه ؟

اسئلة قد عرفت أجوبتها وأتمنى أن يتمعن الجميع للوصول الى ذلك الجواب ...

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com