|
قصة قصيرة ثقب في الباب كريم خلف جبر من ثقبٍ ضيّقٍ يتوسطُ بابَ بيتنا بارتفاع يناسب وقوفي خلفه اعدت النظر من خلاله قبيل خروجي الدار، ثقب ٌ لم يكن في النية أبدا أن اصنعه بيدي ولم يكن كذلك من ابتكار التنجار الذي رسم ملامحه وإنما حدث بسبب إطلاق العيارات النارية التي أباحت سماء مدينتنا على امتداد عشرات السنين ، نظرت هذه المرة لاستطلع مايدور في الشارع كي أكون على قدر من الحيطة والحذر مما قديحدث أحيانا ما ليس في الحسبان ولم انوِ هذه المرة للخروج في عمل ما وإنما لمجرد الوقوف في لحظة انتابني فيها حتى سأمت من السأم ، هذه اللحظة التي وسعت زماني كله وعدّت سني عمري الذي إضاعته الحروب وأنهكته ركلات الزمن المر سنوات تواصلت متَّشحه بسواد حزني الابدي ، نظرت فإذا بشخصين ملثمين يقتادون ثالثا مكتوف الأيدي يمسكهُ احدهما بقوة أما الآخر فلم استطع التعرف عليه بسبب اللثام الذي وضعه على وجه بطريقة متقنه، كان يتحدث بنقّال حديث وبصوت عال لم يخشَ أبدا من في الشارع الذي خلا بوجودهما سمعته يقول إن صاحبكم في حوزتنا وعليكم دفع الديّة البالغة دفترا واحدا من الدولارات مقابل الحفاظ على سلامته وسوف لن يكون لكم خيارا آخر غير هذا، مضت دقائق سريعة مشحونة بالترقب والقلق لأرى في الجانب الآخر ثلاثة آخرين يطلقون النار باتجاههم مما اضطرهم ان يلوذوا بعتبة دار البيت المقابل لنا وهم يسحلون رهينتهم بكل قسوة واحتقار وكان احدهم يصوب بندقيته بجميع الاتجاهات ليرد بنارها على مداهميهم ، وفي هذه اللحظه و بالاتجاه المعاكس من الشارع ارتجل ثلاثة آخرون ليمطروا الاثنين مع رهينتهم بوابل من الرصاص المتلاحق بلا انقطاع لا تستطيع من خلاله التعرف على عدد البنادق المستخدمة 0وأخيرا التقى الجميع ليقتلوا احد الاثنين ويحتجزوا الآخر ولكن بعد فوات الأوان إذ فارق الحياة ذلك المحتجز الذي لم انسه أبدا بعد ان قطعوا اوداجه بقطعه صغيرة من صفائح الحديد الرقيقة،تابعتهم بنظراتي المشفقه على من مات من الطرفين اما الشخص الذي بقى فقد احتجزه الثلاثة المنتصرون ليخرج احدهم جواله ويتحدث بصوت قائلا بان صاحبهم تم القضاء عليه أما الآخر فوقع بأيدينا ونستطيع أن نفكَّّ أسره لكم مقابل دفترين من الدولارات0 رأيت هذا المشهد كله وصورته لكم كما رايته بلا رتوش او اضافات الا ان النقّالات التي رايتها والبنادق كذلك كانت مصنوعة من الفلين الأبيض ومصبوغة باللون الأسود والبني الغامق كما هو معروف في صناعة هذه الآلات الحربية أما الأشخاص فهم أطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم ثمانية سنين أما السيناريو والحوار المعد لهذا المشهد فوراءه واقع كتب لهم هذه الحكايات وانطبعت صور هذا الواقع باذهانهم وعقولهم التي سترسم لهم طريقا ربما سيكون ابشع مما شاهدته في هذه اللحظة0 أخرجوها بإخراج متقن يثير المشاهد ويستوقف اكبر العقول مما اضطرني للرجوع إلى غرفتي التي تحاصرني كل يوم بأفكار تعشش في دماغي وتثيرني لانتزاع هذه الروح التي تستعر بحسرات يكاد لهبها أن يحرق وسادة نومي0تذكرت يومي الفائت قبل هذا عندماحضرت فيه تدريبا لمعلمي روضة الأطفال ودور رعاية الأيتام ليتراءى أمام عيني منهاج هذه الدورة التي أقامتها منظمة اليونيسيف في الطفولة المبكرة وكيف كانت قائدة التدريب المكلفة بإلقاء المحاضرات تجهد نفسها لإفهام المتدربين بواقع عالم الطفولة وكيفية انتشالهم من واقع الحروب وما خلفته إلى عالم رحب يسوده الحب والوئام معتمده على نظريات عالميه خلقت طفلا سويا خاليا من العقد النفسية محبا للحرية والسلام، استطاعت هذه القائدة التدريبية أن تفتح لهم حقيبة تحتوي على العاب تعليمية ليس من بين هذه الألعاب بندقية ولا عبوة ناسفه بل تحتوي على دمى والعاب تنسجم مع فطرة الطفل التي فطرها الله عيه، وبين هذين المشهدين المتناقضين انتابني حزن لم استطع تبديده لأجد نفسي أغط في نوم عميق صحوتُ بعده على حلم كان مشهده يشبه تماما ما رايته من ثقب الباب.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |