قصة قصيرة

بغــــــداد ودجله وفيهما سعد وطلال

 

 هاله حكمت محمود

لدجله في بغداد حكايات كثيرة منها الجميل ومنها المؤلم ,حكايتنا اليوم عن أثنين من أبناء دجله الصوبين كرخا ورصافه .

كانت خديجه واقفه خلف شباك غرفتها ترقب خيوط الشمس الاولى محاوله تحمل الالم منتظره مولودها الثاني متامله ان يكون غلاما يحقق لها الهيبه والنفوذ في منزلها القريب من دجله الكرخ, فيما كانت نادرة بنفس حال خديجه تماما مع فارق بسيط انها رزقت غلامين قبل هذا الحمل وساكنه جانب دجله الرصافه .

 خيوط الشمس الذهبيه الجميله أشرقت ذلك اليوم حامله للبيتين فرحه كبيرة ومع رحيلها كان سعد وطلال قد حلا ضيفين عزيزين على الاسرتين .

 سعد شب مدللا متمتعا بنفوذ كبير في اسرته ذلك ان خديجه لم تنجب بعده سوى الأناث فيما أنجبت نادرة العديد من الذكور بعد طلال, فصار طلال صديق الشارع القريب من دجله الرصافه وشب وهي يمظي معضم وقته على ضفه النهر الجميل المنساب بهدوء ومانحا طلال كل المهارات من سباحه وصيد حتى أصبح مثيرا لاعجاب الاصدقاء والاقران وكل من يقف مراقبا السباح الماهر الذي يقطع المسافه بين الضفتين سباحه ذهابا وأيابا. ومع أنتصاف النهار وأشتداد الجوع يحلو الصيد ولم يكن دجله الخير الصديق يبخل على طلال بشيء من اطاييب السمك ويفوز ابن دجله السباح الماهر وأقرانه بصيد تناله أيديهم الماهرة بفنون الصيد وعندها تبدا رحله العودة للمنزل القريب لشي السمك حيث يتحلق الجميع حول السنه اللهب المتصاعد من الحطب المشتعل والمستوقد ببراعه لطهي السمك ومن ثم اعداد السلطات بخبرة تنامت مع عمر طلال .

أنهى سعد دراسته الثانويه متفوقا ودخل الجامعه فيما أستعاض طلال بالزواج عن الدراسه من جارته الجميله والتي كان يختلس النظر اليها في الذهاب والأياب ورغم معارضه الاهل لهذا الزواج وذلك لصغر سن الحبيبين الا ان طلال اتم الزواج دون موافقه أحد وغادر منزل والدة مغضوبا عليه ليدخل الحياة بزوجه وصنارة صيد .

وتمر السنون هادئه جميله على سعد محققه له كل ما يتمنى لولا أن القدر أراد قول شيء ,خبر حل كالصاعقه على رؤوس العائله , أحيل والد سعد على التقاعد ،ربما يبدوا الامر سهلا وبسيطا للكثيرين ولكن بالنسبه لابو سعد كان بمثايه كارثه فهو كان يأمل ان ينهي أحد اولادة الدراسه ليساعدة في تحمل اعباءالاسرة الكبيرة , وكذلك ليظمن له الوظيفه في نفس الدائرة التي يعمل فيها حتى يظمن بقاءهم في المنزل الذي تعود ملكيته للدائرة التى يعمل فيها الوالد , بات لازما الان مغادرة المنزل والبحث عن سكن بديل وعبثا ذهبت جميع الجهود المبذوله لأسترحام المسؤوليين كي يمهلوا الاسرة مدة أطول للبقاء في السكن حتى أيجاد سكن قريب و ملائم للاسرة التى أعتادت العيش الهانئ البسيط أو حتى على الاقل أنتهاء السنه الدراسيه وحلول العطله الصيفيه .

لم تجد خديجه مخرجا من هذة الورطه الافي منزل والدها الذي عرض أستقبال العائله مؤقتا في منزله متشاركه مع بقيه أخواتها منزلا رغم سعته اكتض بثلاث عوائل وصاروا أربعه بحلول خديجه وعائلتها ضيفه عليهم وصار سعدا جارا لطلال واصبح يقضي معظم الوقت في منزل خاله أبو طلال للقراءة ذلك ان منزل الجد كان مزدحما ولا وجود لمكان يدرس فيه ولا مانع من الذهاب الى النهر بين الفينه والاخرى للهو .

لم تستطيع خديجه تحمل الزحمه الشديدة في منزل الجد ذلك أنها كانت معتاده على العيش الرغيد في منزلها الواسع بحدائقه الجميله الهادئه والتي كان يحلو لها دائما شرب شاي العصر في الحديقه الاماميه حيث كان أبو سعد يعتني كثيرا بتلك الحديقه المزدانه بانواع الاشجار والزهور فغادرت منزل الجد بمساعدة أحدى بناتها بعد عثورهما على منزل صغير جدا وبعيد لكن زهيد الثمن .سعد رفض مغادرة منزل خاله أبو طلال القريب جدا من الجامعه فهو غير قادر على تحمل عبء التعب اليومي في الذهاب من المنزل الجديد الى الجامعه والعودة مسافه ساعتين بالباص يوميا فأثر البقاء في منزل خاله الذي يبعد مسيرة عشرة دقائق سيرا على الاقدام عن الجامعه وطبعا لم يكن أحد يستطيع جعل سعد يغادر وهو الذكر الوحيد في العائله .

أنتهت السنه الدراسيه على خير ونال سعد شهادته الجامعيه وأصبح المهندس سعد فيما صار طلال عاملا بأجور يوميه يتنقل بين هذا العمل وذاك ورزق بطفله .

لم يستطيع القدر الوقوف ساكنا فتحرك مرة أخرى قارعا طبول الحرب وبات لازما حمل السلاح للدفاع عن الوطن لكل القادرين على ذلك وبما أن سعد الأبن الوحيد الذكر للعائله وحاملا لشهادة جامعيه عليا كان نصيبه وحدة هندسيه قريبه من منزله بعيدة عن الخطوط الاماميه للمعارك , فيما كان نصيب طلال وحدة بحريه وكونه سباحا ماهرة صار في وحدة الضفادع البشريه لزرع الألغام في خطوط العدو الأماميه .

 أنهى سعد الخدمه العسكريه بعد أربع سنوات كونه مهندسا مدنيا والدوله في حاجه ماسه لجهودة في أعادة الأعمار, فيما أكمل طلال سنوات الحرب الثمانيه ولم يغادر الا بعد أن وضعت الحرب أوزارها مع جرحين أصيب بهما في أثناء أداء الواجب المقدس.

 رجع طلال الحياة المدنيه حاملا جروحه ودون عمل وكان لازما عليه البحث عن عمل مجددا فلم يجد أمامه سوى أبن عمته سعد فقصده طالبا المساعدة وكان الامر ميسورا على سعد كونه موظف في أحدى الوزارات وله أصدقاء ومعارف كثر وحل طلال عاملا في أحدى الشركات الخاصه المملوكه لأحد أصدقاء المهندس سعد, لكن أداء طلال لم يكن جيدا في العمل فغادره الى أخر وأخر لينتهي به الحال حارس عمارة مع بسطه سكائر صغيرة في الشارع ولم يكن موفقا كثيرا مع زوجته الاولى فطلقها ليتزوج بأخرى وانجب العديد من الاولاد والبنات من الأثنتين .

 سعد تزوج أخت طلال وانجب ولد وبنت واكمل ولده الدراسه الثانويه ووهبته الحياة فرصه أكمال الدراسه الجامعيه بمنحه دراسيه سعت اليها أحدى عماته الكثيرات بينما لم يسعف الحظ اي من أولاد طلال لأكمال الدراسه ومايزال مصير أحدهم مجهولا بعد أختطافه على يد مليشيا مسلحه مجهوله الهويه.

 سعد اليوم مديرا لاحد دوائر الدوله ومتزوج من أمرأتين أحداهما أخت طلال .

 طلال تراة اليوم واقفا امام باب العمارة التي يعمل حارسا لها مع بسطته المتواضعه وكرسيه الذي يجلس عليه كلما شعر بالتعب وشاردا الذهن معضم الوقت ينظر بعين تترقرق فيها بقايا دموع لا تريد ان تنهمر منتظرا عوده ولدة المخطوف .

 يبلغ كلا من سعد وطلال الثانيه والخمسين من عمرهم المديد ويكبر أحدهم الاخر سويعات بسيطه من الزمن . 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com