قصة قصيرة

بعد 12 عاما .. عاد اليها ابنها .. ولكن؟!

زهراء سعدي

بدأت اعتقالات الجيش العراقي العشوائية في ازقة مدينة الحلة الصغيرة فعتقلوا كل من يروه في الشوارع من نساء .. اطفال .. شيوخ .. شباب .. اشتركوا او لم يشتركوا في الثورة الشعبانية ضد نظام صدام عام 1991م.

وعندما انطلقت اصوات اطلاقات الرصاص من افواه بنادق الجيش العراقي، دوى صوت ام زيد ومعه لطمة على وجهها:

_ ولدي زيد .. اريد ولدي.

فهرولت الى الباب تريد الخروج من المنزل فأمسكت بها ابنتها البالغة من العمر خمسة عشر عاماً  وهي تردد:

_ ماما ارجوك لاتتركيني.

فجلست ارضا بجانب الباب واحتضنت ابنتها زينب الباكية خشية على اخيها الشاب البالغ من العمر ستة عشر عاماً صاحب الوجه الصبوح والعينين العسليتين والشعر البني فقالت لأمها:

_ ماما ثقي ان اخي زيد سيعود!

_ قلت له يا زيد لاتخرج اخشى ان يصيبك مكروه لا اريد خسرانك كما خسرت ابيك في حرب مع ايران.

واستمرت النيران في قلب ام زيد يومان حيرة على ولدها الذي ضاع اثره.

تحسنت الاوضاع شيئاً ما وبدأت قوات الامن بالانسحاب من الشوراع فخرجت العوائل تبحث عن اولادها الذين خرجوا ولم يعودوا.

فخرجت ام زيد تبحث عن وحيدها المختفي متوجهة نحو منزل جارها الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع السلطة الحاكمة انذاك لتسأله عن فلذة كبدها فأجابها:

_ يا أم زيد انا رأيت زيد راكباً في سيارات الجيش ويداه مكبلتان الى الخلف وفي عنقه حبل يسحب منه.

هدأت النار في قلب ام زيد واطمئنت بعض الشيء فولدها مازال حياً.

كانت ام زيد معلمة وراتبها المعيشي لا يكاد يسد رمقها.

وعندما اصبحت زينب مُدرّسة وكثر خطابها فكانت ام زيد ترفض تزويجها قائلة:

_ لا .. والف لا .. زينب لاتتزوج حتى يطلق سراح اخيها ويزفها هو بنفسه

فتنهال عليها عبارات اللوم:

_ لماذا يا أم زيد؟ الا تخشين ان تبقى فتاتك وحيدة ذات يوم!

وفي المقابل كانت ام زيد تبحث عن زوجة لولدها الغائب.

حتى جاء عام 2003 وسقط نظام صدام في 9/4/ 2003

فكانت فرحت ام زيد لا تقدر وزغاريد قلبها لاتتوقف فهي سترى وحيدها بعد مضي 12 عام فخرجت الى الشارع وتتبادل التهاني وتوزع الحلوى على الجيران .. بقيت ام زيد تنتظر ولم يأتها فلذة كبدها وبعدها سمعت بنبأ المقابر الجماعية وماتحمل من الوف مؤلفة .. لم تستوعب ام زيد فكرة ان يموت ابنها ويتركها مع اخته وخطيبته التي تنتظره للزواج فاوصت ابناء المحلة ان يبحثوا عنه في المقابر الجماعية مع من يبحثون عنه.

وذات نهار طرق باب دار ام زيد طرقة قوية احست لحظتها ان هذه الطرقة تحمل شيئاً مرعباً .. محزن انكمش قلبها احست أن زيد هو القادم.

ففتحت الباب زينب وسرعان ماصرخت:

_ اماه .. اماه!

فهرولت الام نحو الباب وفوجدت مجموعة من الشباب يقفون في باب الدار فقال لها احدهم:

_ خالة هل هذا بيت زيد؟!

_ نعم ياولدي

_ خالة لقد وجدنا ابنك زيد ومعه البطاقة الشخصية ومنها تعرفنا على العنوان .. فنرجو منك ياخالة ان توقعي على ابلاغك بنبأ زيد.. وارجو منك الحضور معنا لاستلام عظام ابنك!؟

تحولت ام زيد الى تمثال رخامي فقالت زينب وهي تنتفض:

_ هل استطيع ان اوقع واستلم مكان امي فأنا اخته الصغرى؟

 _ نعم تستطيعين.

نظرت زينب الى امها ودموعها تسيل حزنا على فقيدهما .. فوجدت امها تقف في مكانها لا تحرك ساكناً .. فوضعت يدها على كتف امها لتحدثها، فتهاوى جسد الأم ارضا بعد ان رفضت روحها البقاء في هذه الحياة.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com