قصة قصيرة

الحسد ضروري أحيانا

سنية عبد عون رشو الشمري

صورة أولى

احتضنت طفلها الرابع وهي تقف متأوهة ضجرة في طابور دائرة التقاعد ، يزعجها ضوء الشمس الذي تخلل زجاج النافذة التي تقابلها صفرة مشوبة بالتعب حيث ارتسمت على وجهها المدور الذي نمّ عن مسحة جمالية ربما كانت خلابة ..

تتراكم الألوان الغامقة لكل ما ترتديه وعدم اكتراثها بترتيبها مما أظهرها اكبر من عمرها .. همست في اذن الصغير الذي لم يهدأ منذ حضورها المبكر بل ارتفع صراخه حتى تمنى الواقفون لو يصمت او يهدأ قليلا.

واصلت تهزه وتربت عليه ثم لتنفلت كلماتها المسموعة : نم يا صغيري. أحسد أباك على راحته الأبدية.. نم ولا تفكر بشيء ، فلا من أحد يفكر فيك.

 

صورة ثانية

طائران حلقا في الفضاء. اخذ كل منهما يدور حول الآخر لاعبا بحركات لا مثيل لها روعة وجمالا .. يشدو أحدهما فيجيبه الآخر بشدو ٍ أروع. شدوهما يوقظ في النفس تراكم حزن السنين الآ أنها أصوات خلابة تبعث على الحياة لكل من كان يراقبهما في تلك اللحظة.

نقر احدهما الآخر ثم توقفا عن اللعب والشدو. فجأة أخذ كل منهما يدور حول صاحبه محاولا افتراسه حتى تناثر ريشهما في الفضاء!

عاد أحدهما إلى الأرض في حين ارتفع الثاني إلى عنان السماء. ندم الأول ورافقته حسرة ملأت له صدره حاسدا صاحبه على راحته حيث انه سيقابل خالقه ليشكو له ظلم الأرض.

 

صورة ثالثة

الزمن ثلاث ساعات ، قرأتها وهي في غاية الإرباك تشعر بإعياء ورغبة في التقيؤ.

القاعة الأمتحانية في حالة صمت مطبق وهدوء تام.تمالكت نفسها وتابعت الإجابة. رمقتها مدرستها بنظرات متواصلة على أنها لم تقترب منها.

أجابت بعض الأسئلة ثم تثاءبت ببطء وحذفت ما كتبته.

جالت بنظرها إلى جدران الغرفة وانتبهت إلى منظر يمثل احد الحصون البابلية. همست مع نفسها: " كم احسد أولئك الذين بنوا تلك الحضارة وتلك الصروح الشامخة .. والآن نجد من يفجر تلك المدن ويحرقها!

يا لها من مفارقة تجعل المرء يضحك ملء شدقيه فينزف قلبه دما. ثم استدركت أحداث الأمس ودوي الانفجار ليلا حين تحول زجاج دارها إلى حطام وسط انقطاع التيار الكهربائي.

فكرت متسائلة عن مصير الفانوس الذي كان أمامها على الطاولة. كيف لا يدعها الآخرون تواصل قراءتها وهم يتخاطفون الفانوس.

تثاءبت ثانية ، حاولت أن تنسى. ارتعشت كلتا يديها حين فاجأ الجميع رنين الجرس يعلن انتهاء وقت الامتحان.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com