قصة قصيرة

اعمى .. في ميتته الرابعه

 

مصطفى عبد الحسين الزهيري

حينما تقع عليه عيناك يتبادر الى ذهنك من الوهلة الاولى بانه اعمى، وهو فعلا اعمى لكن قوة بصيرته وحدة ذكائه وفطنته تجعلانه يرى ما لا تستطيع ان تراه ، ففي احد الايام من السنة الكبيسة كنى نتمشى انا وهو على رصيف شاطئ نهر الفرات، بعد ان فرغت السماء من انسياب امطارها التي عصرتها على الشوارع والمباني والاشجار لتضفي مشهدا رائعا من السحر والجمال يمتزج مع انوار الشوارع التي لم تشتعل في اي يوم من الايام وفيما انا هائما بهذا السحر تفاجئت به يصرخ في وجهي .. هل تسمع ما اسمع فقلت لا ( ما اسمع ) فقال ( هاي شبيك ما تسمع صوت بلبل يغرد ) من اي اتجاه يصدر صوته برايك ؟ فاجبته وما ادراني ؟ فقال ( احنا هسة واقفين بين بستان الحاج عبود وبستان زامل المناع وصوت هذا البلبل يجي من ناحية بستان حجي عبود ) قالها وكانه يعرف البلبل حق المعرفة .. فدهشت من قدرة هذا الرجل العجيبة في تمييز الاشياء والاغرب من ذلك قدرته على تمييز الاصوات فلو سمع صوتك لمرة واحدة فانه يحفظه ولا ينساه ابد ، وكان يعشق سماع الموسيقى وخصوصا صوت المرحوم ( داخل حسن ) حتى انه كان يقلده بطريقة غنائه وكان من الملمين بالشعر وخاصة الشعر الشعبي فهو من كتابه ويحذو في كتاباته حذو الشاعر ابو معيش وثامر الحمودة فما اجمل اللحظات التي يعتلي فيها المنصة لكي يجود بشعره لحظات مؤثرة وهو يرتدي السدارة والجاكيت الاحمر والرباط الابيض مع نظارته السوداء العريضة وحذائه الابيض اللماع ، الله الله وكانه مشهد لاحد الفرسان الخالدين او (رشدي اباضة) في احد افلامه بالاسود والابيض..

ذهب الشباب وما له من عودة         واتى المشيب فاين منه المشردو

هذه الابيات كثيرا كان ما يرددها على مسامعي ، وكثيرا ما سالته عن تعلقه بها فلم يعطني جوابا مقنعا .. لكني استنتج واضع احتمالين الاحتمال الاول من فرعين اما انه ينعى شبابه وسنين عمره وقد احس بالكبر وتقدم السن او انه ينعى حبيبته التي قتلها اهلها بسببه حينما اعلن عن حبه لها امام العشيرة ..  ( 55 ) عاما ومازلت اتذكرذلك اليوم حين سمعت بميتته الرابعه ، لان ميتته الاولى والثانية والثالثة كانت كذبه كلنا نظنه فيها انه قد مات لكن حينما ناخذه الى المستشفى ويعاينه الطبيب يظهر انه في غيبوبه .. لكني هذه المرة ايقنت بانه قد مات من خلال العبارة التي وجدها على راحة يده والتي كتبها قبل ان يفارق الحياة بـ(66 ) ساعة فقط والتي حاول ( المغسلجي ) اخفائها لكنها كانت واضحة للعيان والتي تقول : لا يصيبك من مناطحة الجبال سوى وجع الراس لا تنظر للاعلى فسوف تسقط على راسك للاسفل عش مدى الدهر حر ومت وانت حر الاحتلال يبقى ونحن نمضي وقد تبين في النهاية انه قد غرق في شاطئ نهر الفرات بعمق متر واحد من الماء.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com