|
قصة قصيرة
الصعود الى الهاوية: ترديات ابو مصعب الزرقاوي .. الحلقة الثالثة
ميادة العسكري لا استطيع ان انسى منظر ابو مصعب الزرقاوي وهو يذبح الاميركي بيرغ ولا منظر الاشلاء العراقية الممزقة في جميلة والصدرية وغيرها كثير. معظمكم لم يرها ولولا الصور التي تردنا في الاعلام من غير عدسة مفلترة لما رايتها، كنت اقف مدهوشة وصوتي يصرخ مكتوما في حنجرتي: هل مسبب كل هذا الالم ينطق فعلا بالشهادتين؟؟ وعندما رأيت اهله في حي معصوم في الزرقاء ونافذة غرفته المطلة على المقبرة انتابني شعور رهيب بالغربة، اذ كيف يمكن لادمي ان ينصب نفسه على العالم اله؟ كيف بقتل فلذات الاكباد البريئة التي جبلت على الخير وعلى كلمة لا اله الا الله، مهما كان الدين او الانتماء الطائفي. بداية النهاية في مجمع مغلق في قاعدة بلد الجوية، وقفت مجموعة من اعضاء مكتب التحقيق الاميركي حول عدد من الجثث، القيت على الارض مكشوفة، وكان الغرض رؤيتها من قبل اعضاء المجموعة. كانت المجموعة مكونة من شباب، لا يتجاوز عمر اغلبهم السابعة والعشرين من العمر، وكان بعضهم من العسكريين والبعض الاخر من المتعاقدين المدنيين، اسوأ واشرس المرتزقة قاطبة. وكان الاسم الذي يطلق عليهم هو "الغيترز" وهو اختصار لكلمة انتيروغيترز – اي محققين- وقد كانو جميعا من وحدة الاستخبارات العسكرية لقوة المهمات 145 وهي من الوحدات السرية لقوات دلتا وفقمات البحرية (السيل) من الذين يطاردون ويصطادون الارهابيين على القوائم الامريكية التي تصدر كمثل ايام رعاة البقر حيث تحت الصورة اسم المطلوب حيا او ميتا والمكافاة على راسه. ولكني هنا لن اعلق اكثر ولن اقول سوى، ان المقتول مجرم، لا أسى عليه. لسنوات عدة، كان هدف هذه المجموعة الوحيد هو النيل من ابو مصعب الزرقاوي والامساك به، نعم ... حيا او ميتاً . وكانت وحدات المحققين قد وجدت اثار يمكن لوحدة المهمات ان تقتفيها. هذه الاثار كانت عبارة عن مجهود لالاف ساعات العمل المضني، والذي تضمن البحث والتحقيق والتهديد والاطراء والتفكير والاستغلال وكل انواع الاساليب المستخدمة للحصول على المعلومات، بغض النظر عن كونها قانونية ام لا. فما هو القانوني في حرب العراق؟ لا شيء بالتاكيد. كل هذا العمل اشار اليه الميجور جنرال وليام كالدويل الرابع في مؤتمره الصحفي في اليوم التالي عندما قال : حصلنا على معلومات استخبارية بطرق قاتلة من مصادر محلية ومن ضمن شبكة الزرقاوي نفسها ، لقد كانت العمليه عبارة عن استغلال متأن وبطيء لكل الخيوط والفرص التي اكتشفت، من شخص الى شخص، ومن شخص الى وحدة عمل وهكذا.." اترون، حتى كالدويل نفسه ومعه الكولونيل هوكينز الذي جلست معه ساعات بعدها، قالوا ان اسلوب البحث كان مضن وصعب وبعيد عن كل ما هو مقبول او غير مقبول في عالم التحقيق. لماذا؟ لان المسالة متعلقة بقاتل محترف ولديه رعية تسير ورائه مصدقة انه الحل والحلال .. والنتيجة قتل وتذبيح لشعب جريح. وكما قال كالدويل، كل تلك الخيوط والمعلومات كانت تجند وتربط سوية وتحل وتنشر من اجل الاجابة على سؤال واحد وواحد فقط: اين الزرقاوي في هذه اللحظة والتو؟ وجاءت الاجابة في 7 حزيران 2006 وهكذا تمدد الزرقاوي على الارض ، واستحال لون جلده الى لون رمادي، وقد نفخه الموت البشع الذي حصده بعد ان قام هو نفسه بدور عزرائيل العراق ، ولكن من غير وجه حق البتة. اما مستشاره الروحي الشيخ عبد الرحمن فقد تمدد ميتا الى جواره. قتل الرجلان مع امراتين وطفلين ايضا عندما أغارت طائرة اف 16 امريكية على الدار التي كانوا يقطنون فيها وسط بستان نخيل في قرية هبهب، بعد ان القت الطائرة الحربية قنبلتين زنة 500 باون لكل واحدة منهما، اي حوالي ال 500 كيلو غراما بمجموعيها. وكانت جثة الرجلين محاطتين بقطعتين من القماش اسفل الخصر، اما فيما عدا ذلك فقد كانتا عاريتين تماما. وكان متوقع ان يتصل الرئيس الامريكي بوش في اية لحظة لغرض تهنئة الفريق. وكانت فرحة الفريق كبيرة بالتخلص من عدو، الا انها فرحة لم تكتمل البتة بسبب منظر الاطفال الميتين. كان منظرهم صعب، والنظر اليهم كان يصعب حتى على قلوب الحجر التي استقرت في صدورهم جميعا. كيف تم التوصل الى ابو مصعب الزرقاوي؟ من هي المجموعة الاستخبارية التي حددت مكانه؟ من هم العراقيين الذين تم التحقيق معهم من اجل الوصول الى الزرقاوي وكيف تم استدراجهم لدلو ما بدلوهم؟ تم تعيين معظم المحققين المسؤولين بشكل مباشر في هذه العملية الخطيرة عام 2005 . كانوا مجموعة من الشباب من الرجال والنساء الذين تكونت لديهم خبرة قيّمة في إجراء عمليات الاستجواب واستنطاق العدو، اي نحن العراقيين وغيرنا من العرب وغيرهم حيث صرنا جميعا الى قدر حساء كبير اختلطت فيه امور كثيرة، حتى بات الناظر اليها من بعيد يصاب بالدوار من تشعب تفاصيل الصورة. كان بعض المحققين يمارس هذا العمل بشكل رسمي، بينما تم استقدام عدد كبير منهم من وحدات شرطة الجيش الامريكي. كان بعضهم محاربين متمرسين في أفغانستان والعراق من الذين اثبتوا جدارة غير إعتيادية جعلت قيادة العمليات الخاصة: Special Operations Command تسعى لتوظيف قدراتهم وتجاربهم. وعمل بعضهم لدى مقاولين خاصين كوحدة اتصالات الال ثري ، بينما كان البعض الاخر عبارة عن مستخدمين مدنيين يعملون لدى وكالة استخبارات الدفاع الامريكية Defense Intelligence Agency ونتيجة لذلك امتلكوا خبرة في فرض القانون المدني او القانون الجنائي، وتطوعوا لأداء مثل هذا العمل للجهات العسكرية. كان القسم الاخر منهم محامين، وبعضهم لديه شهادات عليا. وهناك عدد منهم يسمون أنفسهم (العاطلون الأحتياط) ذلك لأنهم وافقوا على القيام برحلات عمل الى أرجاء مختلفة من العالم لمدة ستة أشهر، يمكن ان تمتد الى سنة، وبعدها يأخذون عطلة طويلة ومثيرة، قبل القبول بوظيفة جديدة. كان أحد هؤلاء يمارس هواية سباق السيارات في عطلاته الواقعة بين مثل هذه الوظائف، بينما كان اخر يمارس هواية التزلج على الماء، ويقضي عطلاته الواقعة بين مثل هذه الوظائف في اجمل السواحل والشواطئ في العالم، بينما حصل شاب اخر على شهادة في القانون أثناء عمله في شرطة المدينة في ارلنكتون في تكساس، وعمل آخر كمحقق في مكتب النائب العام في مونتغومري في آلاباما. الجميع قرر ووافق على الأنخراط في هذا السلك الخطر والمهم في آن. تم إرسال المجندين الى مدرسة التحقيق التابعة للجيش في فورت هاوجوكا في جنوبي ولاية أريزونا لبضعة أسابيع لتلّقي تدريبا مكثفاً. وتم عرض فلم تطبيقي بواسطة برنامج الباور بوينت عن ثقافة العراق وتاريخه. فهم الجميع منذ البداية ان هذه المهمة تعني العمل مع "جهات خاصة جدا"- النخبة العسكرية والجنود السريين الذين يتعاملون فقط مع القضايا ذات الأولوية العليا- لكنهم لم يتاكدوا من ذلك تماما إلا بعد إنتهاء التدريب، حين تم نقلهم جوا من أريزونا الى فورت براغ في شمال كارولينا – حيث المقر العام لقيادة العمليات الخاصة. وفي حصن او مخيم براغ لا يتحدث احد بشكل مباشر عن قوات المهمات رقم 145 اذ هناك دائما جو من الكتمان يغلف الموضوع، الا انه كان جليا بأن هذه القوة بالذات ستكون المجال الذي سيعملون فيه . وتم إبلاغهم:"في المكان والمجال الذي ستعملون فيه ليس هناك شيء إسمه رتبة، بل سيركز كل فرد على المهمة دون أن يحصل أحد على أي إمتياز أو تقييم لما يتحقق". ثم تم إجراء مقابلة أخيرة قبل إرسال الفريق إلى العراق ، لأستبعاد أي عنصر غير مؤهل نفسيا وعاطفيا لهذه المهمة. وخلال المقابلة كان المتقدم المتحمس يتعرض لأختبار قاس للأهانة حيث يقول له المسؤول: " لا شك انك تمزح! انت لا تمتلك أي خبرة تؤهلك للقيام بمهمة من هذا النوع". وقد تم إستبعاد أي من المتقدمين الذين ظهر عليهم الغضب أو الأنفعال أو ألأنزعاج, وأعيدوا الى منازلهم. أما الذين وقع ألأختيار عليهم لمواصلة العمل في هذه المهمة ، فقد أخبرهم المسؤولون أن يختار كل منهم اسما مستعارا يعرف به في "مسرح العمليات". حينذاك فقط تم إعلامهم أن الهدف هو القبض على ابو مصعب الزرقاوي. الفريق قاعدة بلد الجوية عبارة عن مساحة من الأرض المفروشة بالكونكريت والحصى المسحوق والرمال التي تمتد على مساحة 15 كيلومتر مربع تحت الشمس المحرقة على مسافة ساعة بالسيارة شمال بغداد. وهي من اكبر القواعد العسكرية في العراق وأكثرها نشاطا وعملا، وتشتمل على العديد من المطاعم والمقاهي مثل : كرين بينز كوفي شوب Green beans coffee shop, وبيتزا هات Pizza Hut وبرغر كنك Berger King المفتوحة على مدار الساعة، وتبقى رائحة العراق في ارجاء المكان، حبيبة قريبة لمن تلوع قلبه ببعد العراق والغربة. تعرف القاعدة ايضا باسم اناكوندا Anaconda , او باسم مورتاريتافيل Mortaretaville, وذلك بسبب كثرة عدد الهجمات بقذائف المورتر التي يتعرض لها 25000 موظف يتواجدون هناك. معظم المتواجدون في القاعدة لم يضعوا اقدامهم خلف الحواجز الكونكريتية العالية المنصوبة في الجهة الشمالية والمعروفة للجميع باسم المجمع حيث يسكن حوالي 1000 شخص من البريطانيين والاميركان من ذوي المناصب الخاصة. اما نخبة قوات وحدة العمليات فتشتمل على القوات التالية: - مقاتلو الدلتا Delta Operators - سيل اي رجال من قوة الفقمة البحرية Seal - اعضاء من السرية الخاصة للتكتيكات – القوة المحمولة جواً رقم 24 - جنود يتم اختيارهم من فوج الجيش الجوال رقم 75 . يقوم طاقم من طائرات الهليكوبتر وطيارين من الفوج 160 في الجيش – فوج العمليات الجوية الخاصة بتامين المواصلات. الايقاع هنا سريع – مثله مثل ايقاع الحياة في انشط بقعة عربية كدبي- حيث تؤدي الوحدة معدل مهمة واحدة كل يوم بوجود 4 قوات ضاربة تتمركز في ارجاء العراق.وتنشط عمليات الاستخبارات التي تعمل على توجيه قوات وحدة العمليات على مدار الساعة، 7 ايام في الاسبوع، فيما يصطلحون عليه ب 24×7، ومهمتها الكشف عن مراكز القاعدة في العراق وعن غيرها من الجماعات المتمردة في الداخل، حيث تقوم بمحاصرة كل شخص يتم القبض عليه بالاسئلة والاستجواب للحصول على تفاصيل حول تسلسل القيادة. ولذا يتم تسليم المشتبه بهم من الذين يتم القبض عليهم الى هذا القسم وهم معصوبوا العيون في اردية سجن زرقاء اللون. هناك عدد من البنايات الصغيرة في داخل المجمع تم هدمها اضافة الى بنايتين كبيرتين متبقيتين من زمن القوة الجوية لنظام صدام التي كانت في بلد – احداهما حظيرة طائرات كبيرة سقفها على شكل قبة، والثانية بناية ذات سقف مستو بنفس حجم البناية الاولى. كلتاهما طليت باللون البني الفاتح ليتوافق مع منظر الصحراء. تضم البناية ذات السقف المستوي زنازين الاعتقال ذات الجدران الصخرية، وتحتوي على لوح من الكونكريت للنوم ووسادة وبطانية. يوضع كل من المعتقلين في زنزانة منفردة. وتقسم الحظيرة الى 10 غرف للاستجواب فصلت عن بعضها البعض بجدران من الخشب. تحتوي كل غرفة على عدد من الكراسي البلاستيكية ومنضدة صغيرة.وقد نصبت في كل غرفة كاميرا فيديو بحيث يستطيع المسؤول الاعلى مراقبة ومتابعة الاستجواب في غرفة منفصلة امام عدد من شاشات التلفزيون. كانت عمليات الأستجواب تتم على دفعتين خلال البحث عن الزرقاوي: دفعة صباحية وأخرى ليلية، بحضور مترجمين يقومون بترجمة ما يدور في الجلسة. ويرتدي هؤلاء ملابس مدنية أثناء قيامهم بالاستجواب، ويسمح لهم بتطويل شعرهم ولحاهم، فالأفضل ألا يعرف المعتقلون أي شيء عن رتبهم ودورهم في الجيش. لم يكن هناك أي وقت فراغ لدى هذا الفريق . فعندما كانوا لا يستجوبون المعتقلين، كانوا يكتبون التقارير أو يتناقشون بينهم أو مع رؤسائهم، أو يقومون بشحذ أفكارهم أو تناول الطعام او النوم في " أسرّتهم" التي هي عبارة عن صناديق معدنية أحضرها المقاولون الى المكان بالطائرة. كان تناول الكحول ممنوع تماما. أما المركز الترفيهي فيحتوي على (جم) اي قاعة رياضة و جهاز تلفزيون على قناة القوات المسلحة، إضافة الى مقهى انترنيت صغير. وعلى كل حال فإن القادة في الفريق لم يكونوا يشجعون الفريق على الترفيه والتسلية. تم الأعلان عن هذه المهمة وتوصيف العمل بشكل تصعب مقاومته بالنسبة لاي مغامر، حيث جاء في وصف العمل اي ما يسمونه بالانكليزية "الجوب دسكربشن" عبارات مثل: " أولوية عليا" و "مهمة بالغة السرية" و"جهة عسكرية لا يفصح عنها".
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |