قصة قصيرة

صباح الخير أيها الملل

 

 احمد العتبي / إعلامي رابطة الإبداع الثقافي / بغداد

 عضو المفوضية العامة لمؤسسات المجتمع المدني العراقية

 عضو قنديل للإعلام والنشر والتوزيع / السليمانية

استيقظت لأجده متكورا عند قدمي , غاطا في نوم عميق . على سريري نام وأخذ الشرشف مني ليتقي نسمات باردة دخلت الغرفة من نافذتها المفتوحة التي أبى إغلاقها برغم تأكيدي على ذلك مساء الأمس ... ثم أن هناك شيئا آخر أثار دهشتي واستيائي , فقد ترك كرسيه المقابل لسريري حيث كان يسهر ليله جالسا محدقا بي , ليبدأ شخيره في ساعات الفجر الأولى , وجاء ليشاركني فراشي !

انــه زائر قديم ومشكلة ألمت بي ..

مد قدمه نحوي فاصطدمت بجبهتي ليصبح معاكسا لي تماما . سألته وسأني :

هل صحوت ؟ ( نطقناها سويا ) ! أجبت بنعم فسمعته رد بها أيــضا .

صباح الخير أيها الملل .. صباح الخير .

جلسنا على الطاولة نتناول إفطارنا في الواحدة بعد انتصاف النهار !

كان يقلد كل حركة أقوم بها وكل كلمة ينطقها لساني , يرتدي ملابسي , ويستعمل فرشاة أسناني , ومشطي ومنشفتي , ملابسي الداخلية وكل شيء !

هكذا كان , ضيفا ثقيلا يأتي فجأة , بلا موعد مسبق أو اتصال هاتفي .. حينما يلازمني أعتاد الرتابة وأكره حياتي , شيئا فشيئا نبدو كعقارب الساعة نسابق بعضنا في دورات لانهائية ونسير في نسق معين لا نفارقه .. حينما يلازمني أكرهه وأكره حياتي وأفكر بالتخلص منه بشتى الوسائل , ربما اضطررت يوما ما لقتله !

 كنا نجمع أوراق شجر التين المتساقطة في الحديقة .. أسبوع كامل مضى ونحن نجمعها بعد الفطور ثم نحرقها ونأخذ حماما بعد ذلك ..

الشيء الوحيد الذي لا يشاركني فيه هو الحمام , فقد كنا نقترع لنرى من الذي يستخدمه أولا . كان يتأخر في الحمام ساعة أو يزيد مما جعلني أختلس النظر إليه من ثقب المفتاح , انه يجلس ويغمر بالماء ثم يدليهما نحو الأسفل ليشاهد قطرات الماء وهي تتساقط نحو الأرض ويتمعن بهذا المنظر طول الوقت !

وعند الخامسة عصرا يقرأ كتبه التي تشبه أناجيل الفقراء المصورة في العصور الوسطى , يتأمل بها وتدمع عيناه .. يبكي أحيانا .

ملل .. ملل .. لقد ضقت ذرعا به , حطم لي أعصابي . ليتركني وشأني , سأمزق كتبه وأقتلع أشجار التين وأقفل باب الحمام .. سأنام على الأرض وأقضي حاجتي خارجا !

عند الغروب خلع قميصي الرمادي الداكن وبنطالي الأسود وارتدى ملابسه التي قدم بها , ودون أن ينطق بكلمة وقف أمام المرآة لمس شعر حاجبيه , فازدادا كثافة , جر شفته السفلى بسبابة وإبهام اليمين لتزداد غلظة , لم يعد حليق الوجه .. ما عاد يشبهني , صار رجلا آخر .. إنها نهايته , نهاية الملل . سيرحل اليوم لكنه سيعود في وقت لاحق . 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com