قصة قصيرة

"أقدام مفطرة"

 

عماد خليل بِله

 

يحدث في عراق النكوص الحضاري اعادة صياغة ثقافة المرأة... بمناسبة يوم المرأة العالمي

انهت الملاية قراءتها المعتادة بنغمة حزينة، واطلقت  النساء الحاضرات عاليا ( اليبوووووو) التقليدي بختام الجلسة، وكفكفت بعضهن دمعات زينت وجناتهن جرت محبة باستذكار واقعة الطف وما حل بال النبي من ظلم بشع، ثم بدأت الهمهمات والسوالف الجانبية بانتظار الشاي والكعك لكن الملاية التي عرفتها الجالسات لسنوات خلت لم يكن من عادتها تجاوز الحديث الروائي عن المناسبة لم تتركهن يلهون ذلك اليوم، ولم تشارك بسالفة، فقد تبدل طبعها منذ ان اصبحت عضوة في الحزب الذي يسيطر على السلطة في المحافظة . نادت الملاية : " اخوات، لنتحدث بشيء من الدين" . صمتت النسوة ونظرن اليها باستغراب وتسائل دام لحظات قطعه صوت شكرية وهي تعلن" ليس هناك انفع من تفهم امور الدين" و " اي والله .. تفضلي ملتنا" نطقت غالبية النسوة. مدت الملاية ساقيها المغطاة بجواريب سميكة سوداء اللون بحركة ملفتة دفعت احداى الحاضرات للتساؤل " خير ام زيد يبدو مبين المفاصل كََابة ... كلنا بهالوجع صحبة". ابتسمت الملاية وقالت: كما تعرفن، فللشيطان وسائل لا يمكن عدها لايقاع الانس، وخاصة بنات حواء في حبائل الخطيئة، والذنب الاكبر في الحرام  تتحمله النساء مصدر البلاء.

حل صمت مُستفَز وتساؤل على الشفاه ينتظر الانطلاق لمعرفة سبب الحديث . لم تصبر بدرية فقاطعت الملاية " ملة شنو الخبر بروح الوالدين. هل سمعت شيء عن واحدة منا( وهي تشير بكلتا يديها على جميع المتواجدات في الغرفة ).  "لاشيء انا اتحدث عن واجباتنا الشرعية." كان جواب الملاية.

تنفست بدرية والاخريات الصعداء فقد غطتهن الطمأنينة وتعالت كلماتهن " كملي ملتنا بروح الحسين".

فاكملت: يقول الشرع ان على المرأة ان لا تثير شهوة الرجال، ولذلك عليها ان ترتدي ملابس مناسبة حتى تحافظ على نفسها. جسم المرأة عوْرَة وسبب اثارة شهوة الرجل، والرجال لا يصدق واحدهم ان تمر امرأة امامه حتى تفحصها واشتهاها.

صاحت النسوة بكلمات تنم عن دهشة اختلطت ضحكات، وسُمِعَ اكثر من صوت يقول" ماشاء الله، شوفي زين ملة، اشو كل وحدة منا مسترة من فوك لجوهه بثوب طويل وربطة وعباية" . فقط صوت منفرد  اضاف " لا.. الملة ما تحجي علينه، هي قصدهه ذيج النسوان امهات الكَصيِر لو بنطرون لزك" . والله يا ام علاوي بين لكفتيها مو على عادتك" علقت أمرة وهي تقهقه.

قالت ام البيت وقد خشيت ان تطول الجلسة : يا جماعة خلو ام زيد تفهمنا، خلونهه نستفيد .

سكتت النسوة وواصلت الملاية حديثها : لتنظر كل واحدة الى جسدها وترى ما نسيت منه مكشوفا؟ قالت ذلك واخذت تحرك ساقيها. فقالت واحدة : اشبيج تهزين رجليج، اخاف تحجين على رجلينه. ابتسمت الملاية وهي تهز راسها بالايجاب وقالت : اقدامكن ... اخذت كل واحدة تنظر الى قدميها واقدام الاخريات، وتتبادل الابتسامات والاشارات المستفهمة! كانت قلة من المستمعات ترتدي جوارب خفيفة، بينما معظمهن عارية الاقدام ...  على المرأة ان تلبس جوارب سميكة مثل هذه " واشارت الملاية الى جواربها"  حين تخرج من البيت او تقابل رجلا غريبا كي لا ترتكب خطيئة، فالمرأة حين تسير في الشارع وغالبا ما يكون في رجلها نعل وتكون قدميها مكشوفة، تذهب نظرات الرجال المتلصصة مباشرة الى تلك القدم العارية،فيشتهيها الرجل ويقع الحرام .

جمل لا متناسقة تطايرت في فضاء الغرفة المزدحم منها: عمت عيونهم حته القدم المطينة تثيرهم.... يمعودة كولي غيرهه همه بياحال، اكثرهم راكضين ورا العيشة الكشرة..... لج اشلون ذوق طلعو ثاري ولا ذوله اللي لبسوا الصخول لبسان. لم تصدق فضيلة التي تزوج زوجها للمرة الثانية منذ شهرين فأعلنت " والعباس يم زيد اذا حجيج صدك الج الحلاوة، لان اني رايحة من اليوم وغاد احط  اقدامي كدام وجه رجلي كلما يجي عله البيت بلجي انشوف هاي الاثارة اللي تكلين عليهه"..  " كولينه فضيلة  شيصير وياج حته اذا اكو فايدة انسوي مثلج " رددت بعض النسوة. وحل هرج خليط  من ضحك وتعليق عبرعن مفاجأة تناول هذا الموضوع حتى صدحت ضحكة ام منتظر المميزة بترددها العالي، فسكتت متبادلات الكلام ونظرن اليها فاذا هي ترفع قدم عارية في الهواء باعلى مايمكنها باتجاه الملاية وتضعها ارضا لترفع بدلا منها  القدم العارية الاخرى، كررت ذلك وزادت الضحكات صخبا، فاسرعت واحدة بالقول " هم زين لابسة لباس بجامة جوه الدشداشة"، وعقبت ثانية  " وج احجي ليش هالحركات والعياقة".

هنا اوقفت ام منتظر حركة قدميها، وابقتهما مكشوفتين واضحتي التفاصيل لتشاهد كل ناظرة صورة حسب زاوية موقع جلوسها، ثم وجهت  كلامها نحو الملاية بنغمة ساخرة: رحمة على والديج ملة، متكوليلي يا قدم، يارياجيل، باوعي هي هاي اقدام تثير الشهوة . زفرت بحسرة ورددت "ياريت" وعادت تواصل كلامها "  .. اشو كل نسوان العراق رجليهن مفطرة مثلي واخس و كل فطر لبالك شك بكاع يابسة". اخذت اقدام تتموضع امام الجالسات وظهرت امام الملاية عشرات الاقدام العارية، بعضها يتحرك صعودا ونزولا في الهواء، وبعضها اكتفى بالتعري، وبانت في كل قدم شقوق مختلفة في عددها حجمها في كل رجل، ظنت الملاية وهي تنظر شاردة نحو الفطور وحافاتها اليابسة ان افواها صغيرة بشفاه جففها العطش ترمي اسئلة غير مفهومة، فلزمت السكوت وهي تستمع بدون تركيز الى مستمعاتها وكل منهن  راحت تصف لمن بجانبها الشقوق في اقدامها، وتتذمر بذكر انواع المراهم التي استخدمتها دون جدوى، وتركت ليلى المعلمة عادتها بالتمسك بالصمت وشاركت بقول " بالله شايفات كل فطر تكعد بيه دودة" . فصفقت مجموعة نساء و ايدت الكلام اخريات،  وصاحت الملاية " جيبوا الجاي والكعك، ميفيد وياجن الحجي"


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com