قصة قصيرة

الى بغداد حبيبتي

 

د.محسن الصفار

نظر أبو أحمد الى شمس الغروب وهي تنزل رويداً رويدا معطيةً السماء لوناً أحمر جميلاً ونظر الى ولده احمد الذي كان يسير الى جانبه ورآه شابا زين الشباب متعلما ومثقفا ومتدينا و يفخر اي اب بأن يكون له إبناً مثله قال له:

- إشتقت لك يا ولدي كم يصعب علّي فراقك اين كنت وكيف حالك؟

- ولكننا لم نفترق منذ فترة طويلة يا أبي

- عندما تصبح أباً ستعرف أن الأب يشتاق لأولاده حتى وهم الى جواره فكيف إذا إبتعدوا عنه

- وأنا كذلك إشتقت لك يا أبي وكنت اعد الأيام حتى نجتمع معاً وكل يوم اقول غدا

- إلحمد لله ياولدي يا فرحة يومي وغدي

- كيف ترى المكان هنا يا أبي هل أعجبك؟

- أكيد يا ولدي.

- هل تود أن نقوم بجولة في المدينة كي تتعرف بها عن قرب؟

- ولم لا؟ أي شي المهم أن أكون معك.

- أترى يا أبي هذا النهر ما أنظفه واجمل امواجه أترى الحدائق الغنّاء على ضفافه؟

- أرى يا ولدي, وأتحسر على دجلة الخير الذي أصبحت ضفافه كالشباك من القصب والبردي وأصبحت تطفو فيه الجثث بدلاً من أن تسبح به الأسماك.

- أترى يا أبي كيف الأطفال يلهون وبأمان يلعبون وأهلهم برؤيتهم مسرورن؟

- أرى يا ولدي واحسرتاه على أطفال العراق كبروا على الهم وعاشوا مع الغم من حرب الى حرب ويقتلون كل يوم بلا ذنب نسوا اللعب واللهو وجافت عيونهم الغفو.

- اترى يا ابي تلك  الكنيسة واجراسها وكم سعداء رهبانها ؟عامرة بالمصلين و يلوحون لاخوتهم المسلمين؟

-  ياحسرتي بغداد كنائسها فجرت ومن روادها افرغت

- أترى يا أبي تلك المساجد المتجاورة وكم هي بالمصلين عامرة؟

- نعم يا ولدي أرى وكم يسرني ما أرى

- ذاك مسجد سني وهذا مسجد شيعي أنظر الى المصلين يخرجون فرحين من كلا المسجدين ويسلمون على بعضهم متحابين ومتآخين؟

- أرى يا ولدي واحسرتاه على مساجد العراق إنتهكت حرمتها وضاعت هيبتها وأصبحت أرى جنود الاحتلال يدخلون بيوت الله بقصد الإذلال ومساجد الله تحرق وتهجر ومراقد الأئمة بالديناميت تفجّر

-  أترى يا أبي الشوارع كم هي نظيفة والأشجار على جوانبها كم هي لطيفة؟

- أرى يا ولدي واحسرتاه على شوارع بغداد فقد أضحت مليئة بالحفر ولا يجرؤ على وطئها بشر وبدل الأشجار على جنبيها وضعوا  اكياس الرمل عليها

- أترى يا أبي الناس كم هم سعداء كلهم أخوة وليس بينهم عداء؟

- أرى يا ولدي ويا حسرتي على بلدي أصبح الأخ يقتل أخيه والولد يسرق أبيه وحل الحقد والعداء محل الحب والإخاء

- أترى يا أبي الأمن والرخاء لا نقص في ماء ولا إنقطاع كهرباء؟

- أرى يا ولدي واحسرتاه على بلدي صار الكل زعيماً وهو صوص ومسك فيه الأمن اللصوص

- أترى يا أبي هذه المدينة وقت الغروب في دعة وسكينة؟

- أرى يا ولدي وأذكر بغداد أجمل مدينة وكم هي اليوم خائفة وحزينة

- هل أعجبك ما رأيت يا أبي؟

- والله إن ما رأيت  اشبه بالحلم هذه مدينة تفخر بها الأمم ولكن قل لي يا ولدي ما إسم هذه المدينة؟

- هذه بغداد مدينتنا ياابي هي كذلك إن أنتم للحق أحببتم وللباطل كرهتم هذه بغداد إن غيرتم أنفسكم وتركتم اهوائكم وفتنتكم.

- أويعقل هذا؟

- ولم لا يا أبي  بغداد كانت من يومها للعلم مناراً وللعلماء داراً وعاش أبنائها اخوة أهل عز وكرم ونخوة

- أعرف يا ولدي ولكن هل للعودة الى تلك الأيام من سبيل؟

- ليس لكم عن الإخّوة بديل ولا ترضوا لنفسكم بالعيش الذليل

- هل لي أن أبقى معك هنا إني قد أحببت بغداد هذه فهي عز الطلب وكل المنى؟

- لا يا أبي فعليك في بغداد واجب ولأجل أن تكون بغدادكم كهذه تحارب إرجع الى بيتنا والى أختي وأمنا كن لهم خير دليل وعن فقدي خير بديل

- يا ويلاه أوفقدتك يا ولدي يا فلذة قلبي وكبدي؟ ااضع وجهك تحت التراب وقد منيت نفسي ان ادعوا لعرسك الاصحاب والاحباب ؟ اينعم في بلدي الاغراب وانت يانور عيني تتركني ابحث عنك كمن يركض خلف السراب  ؟ اين ومتى قتلك من هم للشيطان  اتباع واصحاب ؟

- قد أصيبت سيارتنا بإنفجار وإنقلع سقف السيارة وطار أما أنا فبإذن الله شهيد أما أنت فما زال لك من الحياة العمر المديد

- لا أريد فراقك يا ولدي

- لا فراق إن شاء الله فهذا قدرنا وكل يرجع الى ربه ويلقاه

 وقف الطبيب بجانب سرير أبو أحمد في المستشفى بعد أن توقف قلبه وإستعد لإعلان ساعة الوفاة وفجأة نظر إلى ابو احمد الذي رقد بلا حراك في حالة الاغماء شهرا كاملا فرأى دمعة تنزل على خديه فصرخ سبحان الله قد عاد الميت الى الحياة فتح أبو أحمد عينيه ورأى زوجته وإبنته والجميع حواليه وقال له الطبيب:

-  مرحباً يا أبو أحمد قد عدت الى الحياة بعد أن حسبناك من الأموات

 إبتسم أبو أحمد وقال:

- لكم من إبني أحمد السلام سنطرد من بغداد كل اللئام وسنربي أبنائنا بسلام ووئام وستكون بغداد كما رأيتها في الأحلام لاطائفية ولا خلاف ديننا واحد هو الاسلام .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com