قصة قصيرة

عنتر والعصفور
 

قصة سحر حمزة

كان يا ما كان، في كل موسم ربيع، ومع كل طير دجاج، وحمام،, كانت العصفورة الصغيرة تنتظر تفتح الأزهار في فصل الربيع، كي تبني عشها فوق شجرة الكينيا المرتفعة الباسقة،تخالها ستعانق السماء من إمتدادها أعالي المكان،,بدأت تنتظر ظهور العشب الأخضر فوق الأرض الذي كسته الطبيعة ببساطها الجميل،, وحين كان المطر يتساقط في جناحيها كلما حاولت التحليق،,تسرع مختبئة في جذع شجرة البلوط،, لكنه كان غير آمن لأن إنخفاضه يجعلها تقع في شرك القطط الجائعة،, وبعد طول إنتظار، توقف المطر،,ورسمت العصفورة في مخيلتها العش الذي تحلم به،,،,ورأت في شجرة الكينا المكان المناسب ، وجمعت القش بعناية ليكون بيتاً آمناً لها في المكان الذي اختارته بعناية فائقة ؛ ليكون آمناً ،لتضع فيها بيوضها،,كي تفقص بآوانها بامان وإستقرار,,,وحين أصبح بيتها المتواضع جاهزاً ، وقد زّينته بأوراق الشجر الناعمة الخضراء ، ، وضعت بيضها في بحذر وغطته بأوراق الشجر ، بعيداً عن الأعين والنظر،,ومثل كل أم بدات ترقب موعد خروجه للحياة،,أنتظرت العصفورة الحدث الأهم في حياتها،بخروج فراخها إلى النور بعد أن أصبح البيض مكتمل النمو وتحول بقدرة الخالق إلى كتاكيت صغيرة ، وبعد مرور فترة ليست طويلة،, كسرت البيض وخرجت منه أربعة كتاكيت صغيرة جميلة ، ضعيفة ، مغمضة العينين تُحرّك مناقيرها الصغيرة باحثة عن الغذاء،,فرحت العصفورة كثيراً وصارت تصفق بجناحيها،, تغدو وتطير وترقص،,طقوس فرح لا يعرفها إلا من صادق الطيور وعايشهم،,ومثل أي أم تريد أن تمليء جوف الأفواه الفارغة الجائعة،,بدأت العصفورة تبحث عن الطعام لإطفالها،,تذهب لحقول القمح والذرة،,تحضر وتطحنه وتضعه في حوصلتها بعد أن تطحنه بعناية ، ليكون سهل الهضم ، طرياً ، وناعماً يلائم الكتاكيت ، وظلت العصفورة أياماً عديدة نشطة فرحة مستمرة في أداء وظيفتها الأهم على وجه الأرض،,وبعد فترة لاحظت العصفورة نمو الريش على جسم كتاكيتها،,وبدأت تحاول الخروج من العش،,تخرج تارة محاولة التحليق،,والعصفورة تعيدها إليه كي يكتمل نموه،وتصبح تعتمد على نفسها ، وصارت الكتاكيت تصدر أصواتاً عذبة رقيقة،,مثل جسمها الضعيف الطري،, وأصبحت حين تجوع،,يعلو صوتها،, ،، ولكل صوت من الأصوات التي تصدرها سبب،,فحين تشعر بالخطر تصدر صوتاً مختلفاً ،وحين تزقزق تعبر عن الفرح،وحين تشعر بالجوع تعبر بصوت تميزه العصفورة،فتسرع بإطعامها وهكذا،,وكانت لزقزقة العصافير الصغيرة عذوبة متميزة ، تطرب سامعها ، حيث صارت تجذب الحيوانات المختلفة بصوتها الجميل .

وفي أحد الأيام كان القط الجشع,,عنتر "الشره يبحث عن وليمة ، ينظر من حوله لعله يجد شيئاً لذيذاً يتناوله ،كان قريباً من غابة الطيور،,حيث شجرة الكينا والعصافير،,فجأة لفت انتباهه صوت زقزقة العصافير الصغيرة ، فتوقف عن السير ، وركز إهتمامه في البحث عن مصدر الصوت،,حتى أستدل عليه،,وبدا يرقص،ويقفز،,ويغني،,ويتلوى بالارض يسيل لعابه،,ويتلوى ذيله،,ها،يا لفرحتي،ويا لسعدي في هذا اليوم،,كتاكيت،,حبايبي الحلوين،,أنتم وليمتي الكبرى الطازجة،,شخصت عيناه إلى أعلى الشجرة التي يقف تحتها ، وتصور السعادة الكبيرة التي ستغمره بعد تناولهم ، فسال لعابه ،،,وفكر وفكر وتخيل،,كما سيكون ممتناً للحظة السعيدة التي مكنته من سماع صوتهم العذب،,وقررأن يتسلق الشجرة،, ليستطلع الأمر,,كم عددهم،,كم يوم سيجد وجبة دائمة له،,وبدا يقفز من غصن لغصن بين فروع شجرة الكينا الكبيرة الباسقة ، وبعد جهد كبير ، وصل إلى العش ،,,كانت العصفورة ترقبه،,وكانت مثل الحارس القوي تخبيء أطفالها الصغار،,وعيونها لا تغفل عن عنتر الشره,,وحين وصل القط عنتر،وجد العصفورة،, تقف بعنفوان ، تراقب،,وتزقزق بصوت عالي كانه تطلب نجدة من صقر،او نسر جارح ليخلصها من القط،,سمعت صوتها الغربان،,وحلقت بكثرة فوق شجرة الكينيا،, ، فأيقن القط عنتر أنه لن يستطيع الأقتراب منها بسهولة,,فقد جمعت له كافة الطيور من كل مكان،,وهو يكره الغربان،,يتشائم منها،,مثل الإنسان،,فعاد أدراجه بحذر،,ولكنه لم يغادر المكان،,في لحظة فكر في أصدقائه من القطط كي يساعدوه في طرد الغربان،وأصطياد العصفورة واولادها الكتاكيت،,يتقاسموها،, لكنه تراجع،,,، فقرر رسم خطة يخدع بها العصفورة ، ويحتال عليها،,يوهمها أنه غادر المكان،,ويختبيء في مكان ما بعيد،,وحين تغادر لإحضار الطعام،,يباغت الكتاكيت الصغار،,في هذه اللحظات كانت العصفورة يقظة،,تفكر، وبعد تفكير مطوّل،,وطول إنتظار،,أصاب القط عنتر الملل،,فالعصفورة ما زالت هناك،,قرر أن يحاورها،,يقترب منها،,ثم يباغتها،,,جاء وديعاً،,غائراً،,بدأ يلطفها،,وقال :ان الغربان نذير شؤوم عليك وعلى أطفالك ابعيدهم،, واضاف قائلاً لها : إن أطفالك بحاجة إلى غذاء,,وأنت لم تطعيمهم،,كيف سيكبروا ،,,هناك في المنطقة المجاورة توجد حقول للقمح,و الشعير ، هنا لا يوجد ما تحتاجيه لهم،,ولا أي نوع من الأزهار التي عهدتك تحبينها ،,,نظرت خلفها فرأت الكتاكيت تصرخ من الجوع،,, فأطرقت العصفورة بحزن قائلة : معك حق أيها القط"عنتر" فأنا أبذل جهداً كبيراً في إطعامهم ، وأُحاول بشتى الطرق البحث عن أماكن قريبة أجد فيها طعاماً يلائمهم ،,,لكني اخشى عليهم،من الصيادين،,والقطط أمثالك،, فقال لها القط : يا عصفورتي الحلوة،,لقد شبعت من فراخ الدجاج في الجوار,,وكانت هناك حبوب من القمح ، والشعير ، والكرسنة ،وهناك الماء الوفير،,والطعام كثير،, لقد رأيتها بعيني حين نزلت إلى الجدول ، وأخذت حمّامي الأسبوعي في مياههِ العذبة الباردة ،,,أذهبي،سأحرس صغارك،,لن اتسلق الشجرة،,سابقى وفياً لك يا عصفورتي الحلوة،, كانت العصفورة في شتات بين تصديق كلام القط ، أو البقاء مع عصافيرها الصغيرة,,أو تتركهم يموتون جوعاً،,وإن تركتهم فمن يحميهم، من نظرات القط المريبة،,وما بين هذا وذاك ومع قناعتها بأنهم سيموتوا جوعاً إذا لم تجازف ، وتبحث عن طعام لأطفالها ، لاحظ القط الخبيث ترددها ، فأدار ظهره موهماً إياها بمغادرة المكان ، فاطمأنت العصفورة ، وقررت الذهاب إلى حيث جدول الماء،,بحثاً عن الطعام ، وغادرت العش محذرة صغارها من الظهور،,وغطت العش بالأوراق،وتركتهم،,يلعبون ، ويزقزقون ألحاناً تعبيرية مختلفة ، في هذه الأثناء كان القط يراقب العصفورة وهي تغادر المكان ، عيونها راحلة نحو صغارها،وقلبها حزين خوفاً عليهم،,لكنها مضت في سبيلها،,أستودعتهم الخالق الذي قدر مجيئهم للحياة،,وهو كفيل بحمايتهم،,في هذه الأثناء ، صعد القط الخبيث مشتاقاً للحم الكتاكيت،,، يلهث بشراهة مقززة، وحين وصل العش،وقد خلى من كل أسباب الحماية،,إلا من العصافير الصغيرة،,بدأ يموء ويموء بفرح وصار ينظر إلى العصافير الصغيرة بنهم ، يداعب جسمها بيديه ، قائلاً : هل أبدأ بك ؟ لا أنت ألذ ، لا ، لا، انت ممتلئ ولذيذ,,ها أنت أطيب،,ممم ما أزكى را ئحتك،,كم أنا سعيد،,أنا فرحان،,سابدأ بتناول طعامي اللذيذ،,يالفرحتي يا لسعدي،,,.وصار يحمل كل واحد على حدة ، يقذفه بين يديه ، ويعيده إلى مكانه ، بدأت الصغار تصرخ بخوف ، ترتجف ، تستغيث لعل أحد يسمعها ، وينقذها من براثن هذا الوحش ،،,لكن لم يأت أحد،,صرخت العصافير الصغيرة،,بصرخات ضعيف هلع،,يتوسل كي ينقذه أحد،,وفي هذه الأثناء،,, جاء الفرج من الله،,,ما هي إلا لحظات،, انقض على القط عنتر،,طير كبير أسود اللون ،،,صرخ عنتر يا ويلي أنه النسر الغاضب،,آه،,,آه،,ماذا فعلت أين سأهرب،,هجم عليه ، بدأ ينقر رأس القط عنتر بمنقاره،, ، ويضربه بجناحيه بقوة ، حتى فقد القط توازنه ، وسقط من أعلى الشجرة على الأرض فكسرت أطرافه وصار يتألم ويصرخ ، لقد نال جزاءه وندم على خداعه للعصفورة ،و هرب زاحفاً نحو الأعشاب التي تكسو الأرض محاولاً إيجاد شيئاً يساعده على الوقوف ليهرب قبل أن ينقض عليه النسر مرة أخرى،,بعد لحظات،,ظهرت العصفورة،,وقد سمعت مواءه وعويله،, نظرت إليه العصفورة بغضب حين أصبحت بالقرب منه وقالت : مع أنك حاولت خداعي والإنفراد بأطفالي،, إلا أنني تركتهم لعناية الله ، وكنت أعلم في داخلي أن ذهابي إلى مكان الجدول محفوفاً بالمخاطر ، إلا أنني وجدت الطعام الذي سكفيني وصغاري ، وها قد نلت جزاءَك ؛ لولا ذلك الطير الغريب ، لكانت صغاري في أمعائك التي لا تمتلئ ، واعلم أيها القط عنتر ، أننا عرضة للخداع ، والكذب ، ولكنك لا تعلم أن كل واحد يجزى بعمله ، وحسب نيته ، وها أنت أكبر مثالاً على ذلك ، ولعلك تعلمت درساً ينفعك فيما تبقى من عمرك ، ولولا هذا العشب الذي احتضنك لكنت مع الاموات ، فقال لها القط : لقد أدركت خطأي ، وأعدك أن لا أكرره ، سامحيني أيتها العصفورة ، فنظرت إليه دون أن تجيب ، وطارت نحو عشها تحتضن صغارها ، وتحنو عليهم،,وقد غمرتهم بحبها الكبير وعطفها،,وقدمت لهم ما تيسر لها من الطعام،,وكبروا وعاشوا بسلام،,وقد تعلموا كيف يعتمدون على أنفسهم،,ويحذرون من حولهم مهما حاولوا خداعهم
 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com