قصة قصيرة

غدا سأموت فهل ينضمون الى قبري

 

سحر ابو ليل

"سيغضب ابي ويشعل علبة سجائره كلها امامي ويثور ويصرخ الى ما لانهاية، ستلومني امي وتخاصمني، سيحضر جدي عصاه ان كان لازال على قيد الحياة ويهيئ حفلة لضربي رغم اني حفيدته المدللة، وتلتهمني الجارة القريبة كوجبة فطور دسمة في احاديثها وتنحرني على سيوف نميمتها، وتنهض الجارة البعيدة من قيلولتها والتي لا اعرف اسمها حتى، كي تضيف بعض البهارات الحارة على طبختها الدسمة كي تبدأ بتصدير منتوجها الفاخر، وقد يحمل إمام البلد كتبه  ناسياً تمشيط لحيته لشدة غضبه ويهم بالقدوم الى بيتي كي يكتمل مسلسل التحريض الازلي علي، وليس هذا فحسب، بل جميعهم سينصبون انفسهم آلهة تأمر بقتلي .. وكل هذا لمَ ؟ لأنني اريد ان اكون انا، بفكري، علمي، لباسي، فني، ورأيي .."

 سألتُها :" إذن، انت خائفة، هل تخشين الموت؟"

قالت : " لا..لا، بل اخشى الظلم ..!"

-        " وما هو الظلم برأيكِ ؟"

قالت :

"أن لا افعل ما اشاء وقتما اشاء وكيفما اشاء، ان انهض في ساعة محددة وأنام في ساعة محددة، ان آكل ما لا احب، وألبس ما لا يعجبني، وأصادق اشخاصاً من طائفتي لا غير، ان اقول نعم على كل شيء ولا اجرؤ على نطق لا، ان اظل محتملةً وزر الخطيئة الاولى على جسدي ثمناً للحماقة، ان ادرس في جيل محدد واتزوج في عمر حددوه  مسبقاً، الظلم يا آنستي ان لا افكر ولا أشك حتى بوجود الاله نفسه ..ألم يبنِ ديكارت منهجاً فلسفياً كاملاً حول ذلك ؟

ألم يقل انك إن اردت ان تبحث عن الحقيقة فعليك ان تشك في كل شيء ؟ وتتوقف عن التقليد وتتحرر من القيود كي تميز بين الزائف والحقيقي ؟ وان تستعمل عقلك وحواسك ايضاً وتفكر وتتأمل ؟

الظلم يا آنستي هو ان لا اسأل المعلمة في الصف كيف ومتى ولماذا ؟ورجل الدين بأين هو اثباتك ؟ وكيف تكون متأكداً من معلوماتك ؟ ان اسجن كل عمري في بلدٍ ما دون التفكير بحمل حقيبتي واكتشاف العالم، الا يحق لنا اكتشاف كوكبنا الذي نعيش عليه؟

الظلم ان ابتعد مجبرةً عن كل ما اجده ممتعاً وجميلاً فقط لأنهم يريدون ذلك ..

-        قلت :

" إذن انت توافقينني على ان " الاشياء الحلوة تجهض لأن كل اجهاض هو نتيجة حمل خارج رحم المنطق " ؟

 -        نعم ..أجل، ولكن ما هو المنطق ؟ انظري حولك، هل يبدو لك أي شيء مما يجري حولك في العالم منطقياً ؟ بل يصح ان نسميه وهماً مفروضاً لا اكثر ولا اقل ..

-        إذن، عزيزتي حتى متى تظلين معذبة، وترددين بأن حياتك سجنٌ كبير تموتين داخله رويداً رويداً ؟ لماذا لا تحلقين ؟ لماذا تخشين التحليق حتى بمجرد حلم ؟ إن اجمل الطرق لاستيعاب الحياة هي في التمرد على موقعك الدائم وكرسيك الصغير حتى لو اضطررت للوقوف على رأسك وخسرت كل ما اعتقداه يوماً انه اعمدة حياتك وثوابتها !

 ثوري ..ثوري، ما فائدة البشر من حولك ان قيدوك وربطوك بسلاسلهم واسندوك مرغمةً  الى جدار وهمي لا وجود له الا في عقولهم المتحجرة ؟ ماذا تجنين إن ربحت العالم وخسرت نفسك وأناك ورغباتك الدفينة ؟ ما معنى ان تعيشي كل حياتك ظناً منك ان كل ما لقنوك اياه منذ الصغر  هو الصواب، وان كل ما تقولينه وتؤمنين به هو الخطأ ؟ هل الكم هو من يحدد لنا ما هي الحقيقة ؟ هل لأنها اكثرية يجب ان تسجدي لها ؟ لم َ لا تفتحين عينيك  ؟ لمَ  لا تفكري ؟ هل حقاً كل ما جاء في كتب التاريخ صحيح ؟ ام ان التاريخ كُتبَ دوماً بيد المنتصر، فصاغه كيفما شاء ؟

ماذا سيحصل لو فكرت بصوت مرتفع وأسمعت صوتك لكل العالم؟ ما الذي ستحصلين عليه ان ظللت صامتة سنيناً وطأطأت رأسك ؟ هل سيتغير العالم ؟

هل تنتظرين الميت كي يخرج من قبره ويعيد لك ترتيب الافكار والايام لك من جديد ؟

ما معنى ان يسجن المرء نفسه في قفص ارادي اسمه " إرادة الآخرين " ؟

لماذا تصرين على العيش تحت أشعة حمراء مزيفة؟ ألأنك كنت صفحة ورسموا عليك كل خربشاتهم وأوهامهم وتعقيداتهم، وأنت رضيت ان تكوني نصاً مهترئاً تافهاً لا معنى له، ولم يعد صالحاً حتى للتداول بين قطط الشوارع  فحتى هذه عندما تحس بالضجر او الاجبار تحاول التملص واللجوء الى مكان اخر وفسحة مريحة تستطيع التنفس بها دون ان يزعجها احد، فإذا ما كتب على الانسان البحث عن راحته و " هداة باله "  فإذن سيظل مسافراً من محطة الى اخرى كل العمر، ولا بأس ..لا بأس  بذلك، لكن ان يظل واقفاً مكانه، فهذا ما لا يقبله عقل او قلب !

 لا تمضغ رأيك او تدفن حزنك داخل روحك كل العمر، فلتغنِ بصوتٍ عال حتى لو نشاز، ولتفرش فرشة على الرصيف لتشعري بديناميكية الحياة البسيطة، حتى متى ستظلين صنماً وتسمحين للآخرين بزج انفهم الافطس بكل شيء بحياتك، واسألي نفسك :

"اذا رضيتُ ان اعيش بحسب قوانين الأعراف وقواعد المسموح و الممنوع ورأي الناس، هل يا ترى عندما اموت غداً سينضمون الى قبري؟"

بصراحة ؟!

هذا الحوار دار بيني وبين نفسي .."فاعذروني إن نزفتُ بروقاً / يكتب الحر رأيه بالأظافر "!

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com