قصة قصيرة

مؤامرة بين اروقة دولة


حميد الشاكر

كان جالسا في مكتبه وهو ابن الخمسين عاما التي لم تعرف طعم الاستقرار والراحة ابدا عندما دق جرس الهاتف النقال الخاص الذي يحمله في جيبه وبين اضلعه في الحقيقة ليخبره احد المقربين منه جدا بحمايته الشخصية بأن: حادثة تفجير ارهابية حصلت في الساعة الثامنة صباحا في وسط العاصمة، والقي القبض على احد مرافقيه الشخصيين كمتورط في تدبير الانفجار!!!.

ذهل (عبد المحسن الباكور) وكيل وزارة الاقتصاد والتنمية في دولة عراقستان لسماع هذا النبأ الذي نزل على راسه كصاعقة من السماء وهو المسؤول الكبير جدا في هذه الدولة،والذي يستعد بالفعل نفسيا وسياسيا وفكريا .. ليكون الوزير القادم في الحكومة الجديدة التي سوف تتشكل بعد اشهر قليلة، ولم يكد يستعيد وعيه بعد الصدمة وصمت طال لنصف دقيقة حتى سمع صاحب الهاتف من حمايته الشخصية وهو ينادي الحماية: الو سيدي انت وياي؟!.

فاجاب عبد المحسن الباكور: نعم ابني عيد عليّ ما كَلته توك !!.

الحماية: اي سيدي اليوم الصبح صار تفجير ارهابي في العاصمة، وبعد ساعات قليلة اكتشفت وزارة الداخلية والامن ان احد المنفذين لهذا الانفجار هو من ضمن مرافقيك الشخصيين وبالتحديد الضابط رعد سالم، ويقال ان هناك ثلاثة اخرين معه لانعلم اسمائهم ايضا القي القبض عليهم بنفس الاشتباه، فحبيت اخليك بالصورة.

وكيل الوزارة عبد المحسن: اوبعد شصار؟.

الحماية: ماكو شيئ سيدي فقط هذا الذي عرفنا الى الان!.

وكيل الوزارة: اذا استجد عندك شي خابرني فورا فهمت!.

الحماية: صار سيدي .

أقفل عبد المحسن الباكور وكيل وزارة الاقتصاد والتنمية تلفونه اليدوي، ليتكئ على كرسي في مكتبه وليزحف قليلا الى الخلف مسترخيا، وليخرج من درج مكتبه فيما بعد اقراص لضغط الدم ليتناول قرص منها ثم يشعل عود ثقابة بسيجاره الاجنبي وبعد ذالك يرفع راسه نحو السقف متأملا مفكرا متحدثا مع نفسه:

الباكور: ملازم رعد يشترك بعملية تفجير ارهابية معقولة؟. ليش؟. شنو السبب مالي؟. او انه مدفوع من جهة معينة لتشويه سمعتي مثلا؟.. ايصير هذا الي اعرفه صارلي اسنين يطلع ارهابي؟.

ثم ما الذي يقوله الاعلام والناس الان؟. هل سوف يقول ان نائب الوزير من المشاركين بمسلسل الارهاب الي يضرب ابهل بلد؟......

منو المستفيد من كل هذه العملية؟. الارهابيين؟. او خصومي السياسيين الذين لايريدون عبد المحسن الباكور يصبح وزيرا بدلا عنهم؟. او ان هناك جهات خارجية دفعت لهذا الرعد حتى يقدم على مثل هذا العمل الشنيع؟.

يمكن ملازم رعد دفعته جهة تريد النيل من وكيل الوزارة؟.. او ان هذا الجبان يعمل لصالحه الشخصي ثم كشف لتقع المشكلة على راسي؟ . هل الارهابيين امهددينا؟. شنو القصة والله حيرة !!.

ثم كيف تسنى لوزارة الامن والداخلية وبهذه السرعة وعلى غير العادة ان تكتشف جريمة ارهابية بهذه الضخامة والمعروف ان مثل هذه الاعمال بحاجة الى وقت طويل حتى تكشف خيوطها الاولى؟.

هل يعني هذا ان لوزارة الداخلية والامن لاسيما ان فيها وزير حزبي وسياسي مو راحة بالنسبة الي يد ودخل بالعملية كلهه ولهذا فبرك عملية القاء القبض هذي؟.

والله ما ادري هذي الدولة بعدها مو راكدة وكلشي بيهه ممكن !!.

في هذه الاجواء من الاسألة والشكوك ووكيل وزارة الاقتصاد والتنمية متأملا في سقف مكتبه ليأخذ فسحة من الوقت للتفكير الهادئ، وقبل ان يخرج عبد المحسن الباكور من عزلته التأملية الفكرية، واذا بجرس الهاتف يرن بقوة مرة ثانية افزعت بشكل مخيف وكيل الوزير المستغرق بتساؤلاته ليفيق فورا ويرد على تلفونه اليدوي بدون ان ينظر برقم التلفون القادم كعادته في الاحتراز ليصرخ:

الوكيل: الو

الحماية: نعم سيدي هذا انا !.

الوكيل: شكو اخبار جديدة؟.

الحماية: سيادتك يمكن ما فاتح التلفزيون الان وزير الداخلية والامن يجلس لمؤتمر صحفي ليشرح فيه ملابسات التفجير الارهابي وكيفية القاء القبض على المنفذين، ارجو ان اتشوفه لان الموقف خطير جدا !!.

وكيل الوزارة: نعم ابني سافتح التلفزيون الان اكو شي بعد؟.

الحماية: لاسيدي بس يمكن اكو لعبة بالموضوع !!.

وكيل الوزارة: زين اذا استجد شي اخر اتصل بيه فهمت مع السلامة !!.

من الريمونت كنترول فتح عبد المحسن الباكور التلفزيون ليجده على قناة عراقستان الرسمية ووزير الداخلية والامن يشرح ملابسات حادث التفجير الارهابية لهذا اليوم ليعلن الاتي:

وزير الداخلية والامن: حدث اليوم في الساعة الثامنة صباحا حادث تفجير ارهابي جبان في العاصمة العراقستانية اودى بحياة مئة عراقستاني على الاقل وجرح مئتين اخرين من نساء واطفال وشيوخ، وتم بعون الله سبحانه بعد مرور مدة صاروخية القبض على بعض الجناة الارهابيين وبينهم ضابط برتبة ملازم يدعى رعد سلام وهم ينتمون لجهة سياسية نافذة في هذا البلد واي معلومات اخرى سنوافيكم بها تباعا، وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدل على قوة استخباراتنا الداخلية ويقضتها الشديدة لحماية مواطنينا وسرعة العمل من اجل القاء القبض على المجرمين وشكرا جزيلا !.

ثم قام وزير الداخلية والامن الوطني لعراقستان، بعد ان لملم جميع الاوراق التي كانت بحوزته وهو يودع شاشة تلفزيون قناة عراقستان الرسمية وجميع الصحفيين بلا ادنى كلمة زيادة ليعود البث التلفزيوني العادي الى الاعلانات التجارية لشامبو دوف الاكثر احتراما لشعر المرأة العصرية ......!.

اقفل وكيل الوزارة عبد المحسن الباكور التلفاز وهو في حالة تقريبا لاشك فيها ان هناك مؤامرة كبرى تحاك ضده في اروقة هذه الدولة المتعددة الازقة والزوايا والمنحنيات، ومن ثم لتعاود الاسألة الى رأسه بشراسة من جديد لتطرح سؤالا واحدا لاغير وهو: هل هذا معقول من وزارة الداخلية، وحتى قبل اي تحقيق تنسب الجريمة الى جهات نافذة في الدولة؟.

لاشك لديّ ان في الموضوع اصابع تريد نسبة هذه الجريمة لي شخصيا، والا مامعنى هذه العجلة في المبادرة للاعلان؟.

ولماذا حتى قبل ان ترفع وزارة الداخلية التلفون على مكتبي ليتم فقط السؤال او الاستفسار يتم اعلان الخبر وكأنه الفتح المبين؟؟؟.

تناول وكيل الوزير عبد المحسن الباكور سماعة التلفون الارضي الرسمي بسلكه الطويل وليتصل مباشرة من مكتبه الى مكتب رئيس الجمهورية، ومن ثم ليطالبه بحق التحقيق في الحادثة شخصيا ليقف هو على الموضوع وملابساته بالكامل، وما ان دق جرس تلفون رئاسة الجمهورية حتى رفع السماعة سكرتير رئيس جمهورية عراقستان:

سكرتارية الرئاسة: الو نعم سكرتارية رئاسة جمهورية عراقستان معكم تفضلو .

نائب الوزير: نعم مساء الخير واسف للازعاج معك وكيل وزارة الاقتصاد والتنمية عبد المحسن الباكور بعد التطورات الخطيرة اليوم لابد لي من التحدث مباشرة مع الرئيس، فاذا ممكن ايصالي بسيادته؟.

سكرتارية الرئاسة: بكل سرور لحظة واحدة .

رئيس الجمهورية: اهلا ابو علي معك الرئيس .

وكيل الوزارة: اهلا سيادة الرئيس، طبعا حضرتك اطلعت على اخر التطورات وماحصل في قضية التفجير الارهابي اليوم والقاء القبض كما وردني على احد مرافقيي الشخصيين الملازم رعد، وبعد ذالك تصريح وزير الداخلية والامن؟.

رئيس الجمهورية: نعم وردني قبل قليل تقرير عن الملابسات الاولية للموضوع !.

وكيل الوزارة: نعم هل هناك اي مانع من قبل سيادتكم ان اكون طرفا في التحقيق بهذه الحادثة لاسيما انه حادث يمس كياني الاعتباري والوظيفي والحزبي شخصيا وباعتبار ان المقبوض عليه من مرافقيي الشخصيين وما ينعكس من هذا على سمعتي الجماهيرية والحكومية وغير ذالك؟.

رئيس الجمهورية:يا ابو علي انت لدينا فوق الشبهات وطبعا من حقك ان تكون على اطلاع تام على ملابسات القضية، ولكن هل سيكون في تدخلك شخصيا في التحقيق اي احتكاك يزعج من وزارة الداخلية لاسيما ان التحقيق تدري انته من اختصاص هذه الجهة، يعني كيف سنقول لوزارة الداخلية والامن وكيف سنتدخل وتحت اي بند؟.

يعني ابصريح العبارة ابو علي انته عندك شك بسير التحقيق في وزارة الداخلية والامن؟. تشعر ان هناك شيئ خطأ مثلا؟.

عبد المحسن الباكور: سيادة الرئيس تدري انته احنه دولة مقبلة على انتخابات وهي لم تزل في طور الانشاء والبناء وانا من المرشحين لمنصب الوزير، وموضوع ان يتورط احد مرافقيي الشخصيين بالحادث الارهابي، وفي نفس اليوم تعلن وزارة الداخلية والامن على لسان وزيرها ان هناك جهات نافذة سياسيا تقف وراء هذا العمل الارهابي حتى قبل ان تجري تحقيق معمق وهادئ ودقيق ...، كل هذا يدلل على ان هناك شيئ خطأ في الحسبة، وانا اشعر ان وزارة الداخلية منحازة بهذه القضية وغير حيادية لاسيما بعد اعلانها السريع واتهامي شخصيا وان بصيغة غير مباشرة، وهذا ما يدفعني ياسيادة الرئيس ليس فقط بمطالبتي بالاشراف على سير التحقيق مع الملازم رعد المتورط بالحادثة، بل وكذالك ان اكون انا الجهة المسؤولة في هذا التحقيق؟.

رئيس الجمهورية: ياابو علي هسة اني عرفت ان لديك شكوك في حيادية وزير الداخلية باعتبار ان لديه حزب منافس لحزبكم في الانتخابات المقبلة، ولكن ليش اتريد اتكون الجهة المحققة الوحيدة مع المتهمين بعملية التفجير الارهابية؟.

عبد المحسن الباكور: سيدي الرئيس بعد اللي سمعته من وزير الداخلية وتجاوزه للمهنية في هذا الحادث، الخشية الان ان تضيع حقيقة:مَن وراء الملازم رعد من جهات ربما خارجية لدفعه للقيام بهذا العمل؟، ولالصاق التهمة لحزبنا لاغراض انتخابية دعائية من قبل حزب وزير الداخلية، ثم ان هناك ماهو اخطر وهو انني اشعر ان هناك ضغوطات او اغراءات سوف تمارس ضد هذا الضابط والعصابة المجرمة التي القي القبض عليها معه في توجيه التهمة مباشرة لكياننا الحزبي من اجل اسقاطنا نهائيا امام الشعب، ولهذا ياسيادة الرئيس واجبك الحكومي الوقوف معنا في هذه المعركة للتوازن في اجهزة الدولة والوصول الى الحقيقة لاغير، وبعد ذالك انا بنفسي سوف اطلع سيادتك بالادلة والوثائق على حقيقة كل شيئ؟.

رئيس الجمهورية: يا ابو علي والله ما اتفضلت بيه موبعيد في دولة كالتي نحن بها، ولك الحق في وجهت نظرك هذه، وانا سوف اتصل الان بوزير الداخلية لاطلعه على كل هذه الحيثيات التي ذكرتها واعطيه امر مباشر ان يسلمكم شخصيا هذه العصابة المجرمة على ان يكون ارجاعهم الى الداخلية بعد معرفة الحقيقة منهم واطلاع الداخلية والراي العام الشعبي العراقستاني في بلدنا على هذه الحقائق وبالوثائق ...صار معلوم؟.

عبد المحسن الباكور: نعم سيدي وانا الان ذاهب لوزارة الداخلية لاستلام الجناة والمجرمين .

اغلق الهاتف وكيل الوزارة عبد المحسن الباكور وتوجه الى باب مكتبه ليفتحه ويصرخ بحمايته الشخصية: بسرعة حضروا السيارات لوزارة الداخلية .

وباسرع من البرق توقفت عشر شاحنات مدججة بالسلاح وسيارة سوداء من الحجم العائلي لتنطلق في شوارع العاصمة لتصل الى سجن الداخلية لاستلام المتهمين مع الملازم رعد، وما ان دخل وكيل الوزارة الى بوابة السجن صرخ بالمتهمين:

عبد المحسن: امامي بالخطوة السريعة حماية خذوهم !.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com