قصة قصيرة

مـاشطـة بنـت فــرعون

 

د.عباس العبودي

امرأة صالحة كانت تعيش هي وزوجها.. في ظل ملك فرعون وجها مقرب منه.. وهي خادمة ومربية لبنات فرعون، منّ الله عليهما بالإيمان.. فلم يلبث فرعون أن علم بإيمان زوجها فقتله، ولكن بقيت الزوجة تعمل في بيت فرعون تمشط بنات فرعون.. وتنفق على أولادها الخمسة.. تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها..  

فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوماً.. إذ وقع المشط من يدها..فقالت: بسم الله، فقالت ابنة فرعون: الله.. أبي؟ فصاحت الماشطة بابنة فرعون: كلا.. بل الله.. ربي.. وربُّك.. وربُّ أبيك، فتعجبت البنت أن يُعبد غير أبيها..ثم أخبرت أباها بذلك.. فعجب أن يوجد في قصره من يعبد غيره

فدعا بها.. وقال لها: من ربك ؟

قالت : ربي وربك الله فأمرها بالرجوع عن دينها.. وحبسها.. وضربها.. فلم ترجع عن دينها.. فأمر فرعون بقدر من نحاس فمُلئت بالزيت.. ثم أُحمي.. حتى غلاوأوقفها أمام القدر.. فلما رأت العذاب.. أيقنت أنما هي نفس واحدة تخرج وتلقى الله تعالى.. فعلم فرعون أن أحب الناس أولادها الخمسة.. الأيتام الذين تكدح لهم.. وتطعمهم.. فأراد أن يزيد في عذابها فأحضر الأطفال الخمسة.. تدور أعينهم.. ولا يدرون إلى أين يساقون.

فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون.. فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي.. وأخذت أصغرهم وضمته إلى صدرها.. وألقمته ثديها، فلما رأى فرعون هذا المنظر..أمر بأكبرهم.. فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي.. والغلام يصيح بأمه ويستغيث.. ويسترحم الجنود.. ويتوسل إلى فرعون.. ويحاول الفكاك والهرب وينادي إخوته الصغار.. ويضرب الجنود بيديه الصغيرتين.. وهم يصفعونه ويدفعونه.. وأمه تنظر إليه.. وتودّعه.  

فما هي إلا لحظات.. حتى ألقي الصغير في الزيت.. والأم تبكي وتنظر.. وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة.. حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل.. وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت.. نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر بالله.. فأبت عليه ذلك.. فغضب فرعون.. وأمر بولدها الثاني، فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث.. فألقي في الزيت.. وهي تنظر إليه.. حتى طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه.. والأم ثابتة على دينها..موقنة بلقاء ربها، ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إلى القدر المغلي ثم حمل وغيب في الزيت.. وفعل به ما فعل بأخويه، والأم ثابتة على دينها.. فأمر فرعون أن يطرح الرابع في الزيت.  

فأقبل الجنود إليه.. وكان صغيراً قد تعلق بثوب أمه.. فلما جذبه الجنود.. بكى وانطرح على قدمي أمه.. ودموعه تجري على رجليها.. وهي تحاول أن تحمله مع أخيه.. تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها.. فحالوا بينه وبينها.. وحملوه من يديه الصغيرتين.. وهو يبكي ويستغيث.. ويتوسل بكلمات غير مفهومة.. وهم لا يرحمونه.. وما هي إلا لحظات حتى غرق في الزيت المغلي.  

وغاب الجسد  وانقطع الصوت وشمت الأم رائحة اللحم.. وعلت عظامه الصغيرة بيضاء فوق الزيت يفور بها، تنظر الأم إلى عظامه.. وقد رحل عنها إلى دار أخرى وهي تبكي.. وتتقطع لفراقه، طالما ضمته إلى صدرها.. وأرضعته من ثديها، طالما سهرت لسهره.. وبكت لبكائه، كم ليلة بات في حجرها.. ولعب بشعرها كم قربت منه ألعابه.. وألبسته ثيابه  جاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك.. فالتفتوا إليها.. وتدافعوا عليها.. وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها.. وكان قد التقم ثديها.. فلما انتزع منها.. صرخ الصغير.. وبكت المسكينة.. فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها.. أنطق الصبي في مهده وقال لها:يا أماه اصبري فإنكِ على الحق ثم انقطع صوته عنها.. وغيِّب في القدر مع إخوته.. ألقي في الزيت.. وفي فمه بقايا من حليبها، وفي يده شعرة من شعرها، وعلى أثوابه بقية من دمعها، وذهب الأولاد الخمسة.. وهاهي عظامهم يلوح بها القدر..ولحمهم يفور به الزيت تنظر المسكينة.. إلى هذه العظام الصغيرةعظام من؟

إنهم أولادها.. الذين طالما ملئوا عليها البيت ضحكاً وسرورا. إنهم فلذات كبدها.. وعصارة قلبها.. الذين لما فارقوها.. كأن قلبها أخرج من صدرها.. طالما ركضوا إليها.. وارتموا بين يديها.. وضمتهم إلى صدرها.. وألبستهم ثيابهم بيدها.. ومسحت دموعهم بأصابعها، ثم هاهم يُنتزعون من بين يديها.. ويُقتلون أمام ناظريها تركوها وحيدة وتولوا عنها.. و عن قريب ستكون معهم، كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين هذا العذاب.. بكلمة كفر تسمعها لفرعون.. لكنها علمت بيقين تام أن ما عند الله خير وأبقى وانه هو يسمع ويرى وان البقاء بهذه الدنيا بذل وهوان في ضل الحكام الظالمين اشد عليها من فقدانها لاولادها .

نظر اليها فرعون وهي صابرة محتسبة امرها لله وهي على يقين بانتصار ارادة الايمان في مواجهة طغبانت الشر والظلم والجور ,وانها راحلة الى الله وقد صنعت موقفا سيخلده الله سبحانه وسيكون درسا لكل الاحرار وعبرة لكل الطغاة .ثم.. لمّا لم يبق إلا هي.. أقبلوا إليها كالكلاب الضارية.. ودفعوها إلى القدر.. فلما حملوها ليقذفوها في الزيت.. نظرت إلى عظام أولادها.. فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة.. فالتفتت إلى فرعون وقالت: لي إليك حاجة فصاح بها وقال: ما حاجتك ؟ 

فقالت: أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد

ثم أغمضت عينيها.. وألقيت في القدر.. واحترق جسدها.. وطفت عظامها رحمها الله تعالى وحشرها مع الشهداء والصيديقين-صبراآل ياسر إن موعدكم الجنة هذه هو الموعد الحقيقي لمن باع الدنيا بثمن الاخرة وقد صنع موقفا فلم يمت ذليلا راكعا للظالمين من اجل حفنة من متاع الدنيا الزائلة .

لله درّها.ما أعظم ثباتها.. وأكثر ثوابها..  

وقدر روي عن رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء شيئاً من نعيمها.. فحدّث به أصحابه وقال لهم فيما روي: لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، قلت: ما هذه الرائحة؟ فقيل لي: هذه ماشطة بنت فرعون وأولادُها 

الله أكبــر تعبت قليلاً.في دنياها فخلدها المولى سبحانه وهي في درجة العليين مع الشهداء والصادقين مضت هذه المرأة المؤمنة إلى خالقها.. وجاورت ربها 

فقدر روي عن رسول الله (ص) لو أن  امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها

أيها الاحبة:

إن ما واجهه الشعب العراقي الصابر الصامد في زمن الطغيان والارهاب البعثوهابي ليس باقل مما وردناه في القصة ,وان الانتصار الذي منُّ الله علينا به بالخلاص من الطغيان لابد ان يدفعنا لحفظ هذه النعمة الكبيرة من الزوال ومن يريد الله تعالى واخرته فلابد ان ينتصر على هواه وانانيته كما يقول امير المؤمنين (ع)  -ميدانكم الاول انفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر وإن عجزتم عنها كنم على غيرها اعجز فجربوا معها الكفاح اولا

نعم ايها الاحبة :

لقد حفت الجنة بالمكاره كما حفت النار بالشهوات –فامر الله صعب مستصعب لايتحمله الا نبي او وصي نبي او عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان –فليس كل من صلى وصام وقرء القرآن بمؤمن وانما المؤمن الحقيقي هو من وجد الله حاضرا بكل وجوده في سره وعلانيته في اخلاقه وسلوكه ومنطقه-في معاملته مع نفسه مع اسرته مع الناس-في حفظ الامانة وردها الى أهلها-في احترام المواثيق والعهود-في الصدق والوفاء ,اي انه يعيش والناس منه في راحة ونفسه منه في عناء فاتعب نفسه في دنياه من اجل راحة ابدية  في الاخرة.

 

ايها الاحبة  :

فلنتعب انفسنا اليوم ونعض على الجراح ونتازل عن كل انانياتنا السياسية وتغييب اهؤائنا الدنيوية ولنعيش من اجل حفظ اخوتنا الانسانية ومبادئنا المباركة التي قدمنا كل شئ من اجلها –لا ان نبيعها بثمن بخس اسمه الموقع الدنيوي ونضع كل تاريخنا وجهادنا وتضحياتنا تحت اقدامنا .إن الذي ملكه الطغاة على طول التاريخ من اموال وقصور من خلال ارهابهم وظلمهم وطغيانه لم يدم لهم طويلاا فتركوه ولم يبقى الا اثر وهو درسا لنا جميعا لمن يريد ان يتعض حتى لايصاب بغفلتهم وطغيانهم.

فلنتعب انفسنا من اجل بناء العراق الجديد بالمحبة والاخوة والتفاني لان العراق امل كل المستضعفين بالعالم.وهذا وعد الله وليس من لبنات افكارنا وسيقود العراق العالم إنشاء الله . ومن يريد ان يكون بموقع التصدي فلابد من الصبر والعزيمة والارادة والتضحية وتطهير نفسه من نجاسسة الهوى والانا وهذا وعد الله لعباده في الدنيا(( استعينوا باالله واصبروا ان الارض لله يوزرثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين))

وفي الاخرة : ((سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار))

أما الطغاة والظالمين والذين يبيعون ضمائرهم ووجدانهم وانسانيتهم من اجل حفنة متاع زائل (( فلهم في الدنيا خزي وفي الآِخرة عذاب اليم)) وكذلك يقال لهم (( اَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ))

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com