قصة قصيرة

المغزل


موسى غافل الشطري

تنفش الزوجة صوفها متمهلة صابرة. وتغزل بصمت. والزوج ـ رغم عوق ذراعه ـ يعمد إلى الطوي.يلف الخيط ويفرطه من مغزله.وينغمر في تأنيه، لكي يسرح بعيدا، إلى تلك الأيام.وتلك الهموم. وهذي الهموم.

يطوي الغزل، ويريح ساقه السالمة من خدرها. يغور في الأعوام التي انقضت.

كيف نجا ؟ لقد عجز الموت أن يطويه كما فعل مع أخيه. هل يحسده؟

لم يمض على عرس أخيه، سوى أيام معدودة، فغادر عاجلا وإلى الأبد. تاركًا خلفه زوجة نائحة، دون انقطاع.بحداثة سنّ. وبراءة ريفٍ.وعواطف طفولة جياشة..ذات مشاعر مرهفة. كانت صادقة ببكائها. وحيرتها صادقة. وكلماتها ذات المفردات الشحيحة، تؤجج آلام النسوة المعزيات.فيسكبن دموعهن وقوفا وقعودا، مع نواحها.وتنهد ريفيّتها الطاغية بثقل أوجاعها على الأفئدة.

يأمر كبيرهم.. أن يسرعوا لكي يغادر النعش فيقول:

ـ عجّلوا يا أولادي،.. كلما عجّلتم يثيبكم الله.

أفرى البكاء كبد الزوجة الشابة.والنسوة يسكبن دموعهن مع دموعها فيطغي النواح ويسفح في الفناء.

يتقابلن متحلّقات، متربعات، يتلقّفن الحزن من قلب إلى قلب، تصدح الأصوات، عبر حزمة من العويل.ويندفع مهووسا، في لحظات الرحيل. يدلف الفتية على عجل، السيارة تنتظر قبالة الباب. يعتلي احدهم قمرتها. يتناوش مقدمة النعش،يسحبه.. تستقر المقدمة في الأمام. يشد الحبل طيّا، إلى مقدمة السيارة، والزوجة مشدودة بأيدي رفيقاتها.

يشغل أبناء القرية مقاعدهم، ويلوّح الآخرون مودعين.. حينها.. كان هوفي الجبهة الشمالية، وأخوه في الجنوب. لم يخبره أحد بالمصاب. إذ لم يهتدوا لوحدته العسكرية، بسبب تقدمها إلى العمق.

زوجة أخيه لم تعد قادرة على البقاء طويلا. أعادها ذووها إلى الريف. مضت أشهر الحداد ويزيد.تلح عائلتها لكي تتزوج. رفضت مرارا. وأخيرا.. امتثلت واختارت برضاء تام رجلا مسنا.

ترى.. لوأن زوجته، لم تلد أبنهما (غنيا)، هل تأخذ بما اتخذته زوجة أخيه؟

لوأنه رحل.. هل ترفض فتى وتعرس على رجل مسن؟

قالت الزوجة وهي تغزل :

ـ أين وصلت؟

قال: ـ أطوي.

كل واحدة.. ولها طريقتها التي تناسبها.ربما هذا صحيح. ربما الأثنان عالجتا الأمر بحكمة وتضحية.زوجته هو.. مكثت أعواما عديدة، تعالج جراحاته. كان في الحق ميتا. كافحت باستماتة، كي تلتئم جراح بطنه.وأن تلتئم الفتحة الخارجية. لتنتهي مهمة كيس الفضلات، وتنقضي حاجته على نحوسليم.

ذلك بفضلها، ما كان بشرا كاملا. بطن منخورة.وساق مبتورة من فوق الركبة.ويد مستأصلة من فوق الرسغ.وشظايا تحت جلده. هنا وهناك. وفي العمق، مغربل، ومرصّع على نحوقاس.

استماتت هي لكي لا يتيتم أبنهما. أنها ترى اليتم، رافعا رزاياه، يطرق ألأبواب ويلقي بحمله دفعة واحدة.أنها تقاومه. تستميت. تسعّر طاقتها، لكي يتعافى زوجها.

قالت : ـ أريد أن أعيش أما وزوجة.. أحبل وألد.. هذه هي : تغزل وهويطوي.

يشفى على عوق مئة بالمئة، وعجز جنسي كامل.ليس حيّا ولا ميتا.

كانت ميتة أخيه، ميتة لا لبس فيها. أما هو.. فبماذا يسمي نفسه؟ميّت؟هي نفسها لم تقل له يوما : أنك ذورجولة ميتة. ولا قالت لأحد. هي.. لا تريد، أن تذعن لقدرها وقدره.ربما.. لوقالت.. ما أستمعت لها واحدة.لأن زلازل الهموم، تميد الأرض بالجميع. فبقيت مثل هذه الأسرار مطوية بالقلوب. مربوطة بخيوط: إلى زلازل الفراسخ وآلافها. وانشقاق الأرض وغرائبها.فمحت ومسخت بشرا، على نحوترتئيه.. هي.

أن الهموم تتناثر، مثل نثار الصقيع.على مساكن لا تحصى. مرقشة وجوه العديد من النسوة.

لم تزل الأحداث ـ كأنها توّا ـ إذ يتأبّط حقيبته، ضمن حشد مكتظ من الجند. يلتقون وينتشرون. قسم، يندفعون راكضين إلى جهة ما.يندفع معهم. فتلوح حافلة، تمر مسرعة.يمسك بالبوّابة، تدف قدماه مثل جناحين. يوشك أن يرتطم بإسفلت المرآب.. يستميت البا قون، ملتصقين بشدّة إلى جنبها.لا تتوقف، تنحرف بالسرعة نفسها، لتمضي إلى جهة اخرى. يفلت يده ويرتد خائبا.

يتشرذم الآخرون. مجاميع.. تتجه ركضا، خارج المرآب تلحق أعداد أخرى،جريا.

يجتازون البوّابة. لم يعثروا على حافلة،فيعودون متمهلين.

حافلة لائذة، تنزوي في حيّز ضيّق، عند الجدران الخلفية ينسل قسم، مثنى.. ثلاث،.. رباع. يحس الباقون.يجفل.. ينطلق كالسهم.يلحقه آخرون. يمسك بالبوّابة.. يتشبث. يحلّق بفعل الضغط، من أسفل. يرفع قدميه. ينقذف بسهولة، معلّبا بأجساد الآخرين، إلى الداخل. يجلس على المقعد الأول، خلف السائق. هذا مكانه المفضل.يتنفس لاهثا.. يملأ رئتيه، يدفع بالحقيبة، أسفل مقعده. ينادي آخرون ـ على الأرض ـ يطلبون من الراكبين أن يحجزوا لهم مقاعد.

يقذفون بحقائبهم من النوافذ. هويعرف:أن الجميع متساوون في الحقوق : من يحصل على مقعد بدون جهد، يحرم مستميتا على البوّابة.

أحيانا يصل إلى مدينته وقوفا. ربما يقفز للحافلة مبكرا. لكن.. يتعذر عليه أن يحصل على مقعد. هذا ليس مهما. المهم أن يجد نفسه في الداخل.

أحيانا تدفعه الموجة الضاغطة إلى العمق.. أحيانا.. يندفع.. وأمامه تنشغل المقاعد، عبر لحظات مجنونة. وعند بلوغ النهاية. يرتد خائبا.وهذا ليس مهما. المهم.. أن يكون في الحافلة.

يرقب من الواجهة الأمامية. حافلات تتأنّى. السيل الكاكي يهدر.أعداد جديدة تزحف. متون تحمل حقائب. حافلات تنفلت. والحشد خطوط تتشابك وتنفرط. تهدر حافلته .. تنحرف، لتنفلت في فناء مهووس .. تترنّح الأجساد.، باستسلام، على المقاعد. بفعل سيرها الافعواني.تهدر، جاهدة أن ترتقي منحنى قوسي.، من جسور الخط السريع.

ينقضي وقت ليس قصيرا، لتأخذ حرّيتها، كي تواصل صخب هديرها. يهيمن ضجيجها على اللغط الداخلي.والطريق حافل باندفاعات عجولة.

أحيانا.. لا يحالفه الحظ.. لكي يحصل على مقعد أمامي كهذا، لذا ينصرف إلى التحديق بالرقع المكتوبة، على خلفية المقاعد. عبارات مكتظة..ذكرى محمد مع خاله مسلم، ذكرى الصديقين.. طالب... وعدنان... أسماء أخرى ذات معالم باهتة. أسماء بخط رديء. قلب مقذوف بسهم، وقطرات دمه مرعوفة، نحوالأسفل. بعض التواريخ تسبق الحرب. مقطع من الشعر كتبه حالم.لم يتعرف آنذاك على آلام غريبة، تقلّد عنقه.

وقبل عوقه، تعايش مع مجند وسيم حالم.أشبه بطفل. مولع برسم قلوب مسهومة تقطر دما. يلوّن القطرات بمداد أحمر. قطرات مترادفة. من قلب مصاب بسهم.فيسأله: ـ ما هذا؟

فيجيب الفتى :

ـ قلبي.. ها ت يدك.. ضعها هنا..ها.. ماذا هناك؟

ـ قلب ينبض.

ـ كلا.. هذا ليس كل شيء. أنه جريح بسهم. رماه الحبيب وأنسل.. ألا ترى ؟

ويشير إلى الرسم.

رأى ذلك القلب فعلا. حين كان يرقد على مسافة قريبة منه. مقذوفا بفعل انفجار طوّح بهما معا.كان قلبا صغيرا ممزقا.والأضلاع مهشمة. الأثنان يرقدان هومبتور اليد والساق، ممزق. والفتى مقطّع الأوصال. يبدوقلبه يقذف بدمه كالنافورة.

لم تترابط لديه صور مثل هذه : بأن الدماء تنفر إلى أعلى ثم تهبط.

يطوي والصورة لم تبهت. كأن أحداثها تتوالى :

هدير الحافلات الناعبة. والشاحنات ذات المطاوي الراعشة. والناقلات المتأرجحة.والجثث المنعوشة. فوق حدب السيارات المسرعة. مستلقية.. كأنّها منبهرة بسعة السماء.

دائمـا.. يفضل أن يرقب الطريق، من فوق المقعد المتقدم.والطريق.. شريط سينمائي، ذوتقنية فنّية عالية.

كلما توغلت الحافلة جنوبا.. تنسحب السهب، بسطحها الراجف إلى الخلف.بلحاء سبخي مسفوع. تتواضع عوالي ضفا ف سواقيها لتنطمر. وتنكفيء بلمح البصر.منطوية إلى الوراء،تلف معها، تلك اللحظات المترادفة. ذات الأعطاف الحبلى بألمفاجآت. كأنها تقدح في عمق عتّمته الأعوام.

آنذاك.. كانت أعواما مفعمة بالفرح الطفولي. أسما ك ( البياح) التي تحتضر بين يديه ويدي أخيه. في سواقي كهذه المندرسة..في برك ضحلة المياه. يمرح مع أخيه وقطيعهما في أرض سندسية الخضرة. ذات أريج لم يزل يتذكّره.

وفي تلك البرك، بالغة الضيق. في قعر السواقي، المغلقة توّا. تتراءى له الأسماك الفضيّة، يافعة الزعانف. تطرطش في المياه الضحلة، تكافح لتنجومن الأختناق. يرقب هذا وكأنه ينصت لطرطشتهما توًا. كان من اليسير عليه أن يمسك بها. وأن يتخابث فيدعها تلبط، تحت ضوء الشمس.. يضعها على كفّه. ينعكس ألق الضوء على أصدافها، يثير في نفسه فرحا وغبطة.

كان منشدّا بحب غامض إلى اللعب مع أسماك ( البياح)، وأخوه يصيد ويصخب بضحكه، ثم لا يلبث أن يقبلها بحنان. يجاريه. يتباريان ويصيدان عددا وافرا. صيدا سهلا. يبقران بطونها ويفرغان ألأحشاء. يؤججان نارا ويشويان.

يقفز بذهنه إلى الفلوات كيف تنطوي. كيف تنسحب الطريق.للجند، يقطعون المسافات وقوفا. جزء من المتعبين من وعثاء السفر، يغطون بنوم عميق، ليس مهما لديهم ثرثرة الواقفين والجالسين.

يلتقط شتاتا من الأحاديث ويهرب بذهنه إلى الطريق. يطل برأسه كاللآخرين.. ناقلات تمر. يبدأ العد. يقضي وقتا طويلا. يرتبك العد. مركبات منافسة تتخطى بعضها، منازعة مع الزمن. يعود منكفئا إلى صخب الحافلة.يلتقط أحاديث عن نقلات الوحدات العسكرية ومواضيع تصب في مجرى الحرب.

يلوح له خطفا،قائد احدى الناقلات، متضائلا في قمرتها. يحدّق باستقامة صارمة، كأنه مثبّت في مطوى القيادة والهدير يتصاعد خلفه.

تلمح عيناه بين الحين والحين قرويّات..مثنى.. ثلاث..رباع.أسراب منهن مؤزرات،ماضيات، باتجاه عكسي.لا يستطيع أن يضبط أعدادهن. ألأعداد تنفرط. تتمرد. لا تعطي نفسها بيسر.

نسوة أخريات ماضيات مع وجهتهم. يتلاحقن على عجل. قسم يشبكن أصابعهن على هاماتهن. قسـم يرفعن أذرعهن، كالأسرى، مطوّحات، مستسلمات. قسم يتحلّقن على حافّات الطريق ويلطمن.

طـريق مكتظة. نسوة تلوح في الأفق، ذات معالم سود.بغيتهن غامضة. لكن الموضوع ..  واضح.

جنود يتأبّطون يطغاتهم(1)وحقائبهم. قسم يهبط من الحافلة. قسـم ينتظر على قارعة الطريق. قسـم يحث الخطى من بعيد.

سيّارات مجهولة يبتلعها الهدير الأقوى، فيتقزم هديرها. بعضها تحمل نعشا. حقائب سفر.أواني بلاستك. المنيوم. أقمشة سوداء. خضا ر. أعلاف جافة. أعلاف خضراء. شاحنات بترول، كتب على جانبها تحذير (خطر..سريع الأشتعال).عربة خاصة تتأرجح في أبطها حمّالة.. علّق فوقها شاكيتة وقميص. الفلوات المسبخة تتمزق والوقت يتمدد. رتل تنفرط دقّة أرقامه. والعد مسبحة للمتحرّقين لتجاوز الزمن.

وعبر ترامي هذه الفلوات، كانت مرابع النخيل تتحطم وتمحق محقا.

ويمضي بصره منقذفا كالومض، إلى ملامح مترامية.مصطدما بمجزرة مروّعة..فالنخيل..منقصف القمم. أو..قمم متدلّية هالكة. ومجمـوعات تمـوت وقـوفا. يبصر اخريات.. راكعات وجاثيات. وجذوع مستلقية بطولها.

حافلتهم.. تكبح سرعتها. تتأنّى. يهبط مقاتل. يهرول، لا يصدق :أن الوقت توقف، عند الصفر.

هو..

كذلك يحسب نياشين. مؤشرات لاقترابه. يحس بقلب زوجته يقترب في قلبه. يفعمه شوق على شوق.

والحنين للدفء. لأكلة بيت طيبة. قدح شاي من أنامل زوجته. بسمة. فراش وثير دافيء. خطى.. في فناء.. هوسيّده.

ويحرّك الباب على مهل، لأن الطرق العالي يوجع القلب ويهلعه.. قبلات لولده الوحيد. البكاء من الفرح. دموع تهمي، تنحدر فوق ابتسامتها العريضة. طعمها الملحي لذيذ.

قالت الزوجة وهي تغزل :

ـ حاط أم طائر؟

قال: ـ أطــوي.

ييفع ابنهما ( غني). ويلتحق بالخدمة. ربما استقل تلك الحافلات، التي استقلها أبوه.ابنه أيضا يرقب متى يصفر الطريق. الولد يميل إلى الصمت. شأنه.. شأن أقرانه. يفضلون أن يرقبوا صامتين.وأن يصفر الزمن بصمت.وقبل أيام ابنه، ما كان المرء ليصدق، أن تنتهي تلك الأيام، وتطوى بيد سحريّة. كم تحرّقت الأحياء للطمأنينة؟

كل المخلوقات، حتى الضواري، حتى الهوام، كانت تحلم، أن تنام قريرة العين.

وحين توقفت، كان ذلك بعيدا عن حجم الحقيقة.أول ما فكر فيه المبتلى: أن يخلع كل شيء يذكره بأتونها، فخلع قسم منهم ملابسهم ولم يبق سوى ما يستر العورة.وانهدّ الكل في سيل عارم، والحزن يتحطم ويسحق تحت وطأة الخلاص.

قالت الزوجة: ـ أرح نفسك.

قال: ـ دعيني أطوي.

المرأة يضمر مبيضها وينغلق.. هذا صحيح. لأن المرأة.. ثبّتت ضمن رقعة، ذات خطوط بيانية. مربعات آلام وهموم.والليالي الحبلى بالقلق، والرعب من المجهول.من الأصوات العالية. الريبة من استفسار عن بيت مقصود.

المرأة تشرذمت. هونفسه تشرذم. هل هوحي ؟ أين ملامح الحياة؟ عجز جنسي وجسدي. ضا ئقة البيت. أسعار الغزل المتضارب. هموم لا تحصى.

الطماطم صعدت. الطماطم هبطت.أوراق الخبّاز بكم ؟ جسد امرأة مثل أم غني بكم ؟

إذا كان السؤال مجديا عنها : هي تستمــيت لكي لا تهبط لذلك القعر.

تساوت لديها الأصفار. صفر يطرح من صفر يساوي صفر. اعرض مزيدا يبهت الطلب.أحفر خندقا تزداد ترسا. كل الأشياء أصبحت ذات قيمة إلاّ هي.

ترفع صوتها الغاضب :

ـ أليس لهذا حد؟ أنا ما عدت أُطيق.. ألستم رجالا؟

ويهدر بكاؤها المهووس كالرعد.ثم يتلاشى كالهشيم في أعماق الصمت القصية.

تصمت. تقضي يومها غازلة مغزولة. المغزل يتروّض على أصابعها. أصابعها تتروّض على المغزل.. الصمت بداية التمرّد.رفض ألأمر الواقع (2)تتعايش على مضض مع المغزل ومطواه. هوقدرها. ممعنا بلولبيته. يهبط لكي يطوي قدرا أكبر من الطوي. ثم يدور على الذراع المبتورة، دورة معاكسة ويتكوّر. تنجز أم غني هذا وذاك. تطفق بتهيئة ( اللمبة) (3).تشعل فتيلها لكي لا يباغتها انطفاء الضوء.

يمضي المغزل مفتولا، وينقضي مزيدا من هزيع الليل. والزوج يطوي، ويطوي،ويطوي.

عند الصباح، وبعد أن تبتلع لقمة الخبز،تغذ السير إلى ( العلوه) (4).بانتظار أن تحصل على سعر أفضل.البائعات أعداد عديدة. إنه حشر عامل حقا.

النساء غادرن الخدر. والغنج. والليالي الحلوة.وأمسيات التجميل.ٍ وانتظار المساء. والضحك الصاخب.

تلوح له الخارطة: عرض وطلب. هبوط وارتفاع. قبلة مواسية على خد معفر بغبار الصوف المنفوش. يتعفّر بغباره فيعطس. ويستحضر من ذاكرته أنه : القلب النابض نفسه. يلقى لهاثه يضطرد. يتمعّن في المحصول. في الربح اليومي. يلتقط.. لقى من ُحدُبات ايّامه.ينحدر بنظره الى أسفل.يتمعن في الجسد الذاوي في الوجه المكدود. المخصول المتعب.. الحيف الغالب. المغلوب.الذكورة في خنثية أنثى.

تعود ام غني بعد ساعتين، وثلاث.تجد الأب المركون يطوي. تقفز إلى مخيلته: ذكريات الأصدقاء: محسن..أحمد.. محمود... حامد. أين؟رحلوا إلى ألأبد.

سعد.. حسين... منتصر.أين ؟ جوّابون مع الغجر.

هونفســــــــه؟

فليسمى ما يسمى.الناس وقعت. ومن لم يقع.. يزحف على كوعيه.

هويقول ذلك.اعتراف أمام مذبح المغزل. مقعد، بعيد عن عملية الخلق.لايرى أجمات ولا سهبأ.

تعود أم غني صامتة، تقضي نهارها صامتة. تقرر هي متى تتحدّث.هوأيضا ليس ملزما، أن يجيب بإسهاب. ذلك أمر لا يؤثر على كفة المعادلة.

هم أحرار في الصمت. وفي الغور بمتاهات الصمت.تساوت الأشياء. قياسات الإسهاب والإختصار : قياسات.. حافلة بألضلال. قياسات ذات مقاعد متحركة، إلاّ هي. والأهم.. والأهم من كل ذلك : أن تتوقف دورة المغزل. أن يطوى غزله وإلى الأبد.

ماعادت تطيق حركته اللولبية. والمطوى. والكيس المحشوصوفا، ساجياً كالنعش فوق هامتها.كأنه.. قدرها المقدّر.

ما عادت عابئة.. أن تفض الريح عباءتها.فما عادت لها إنوثة محتشمة.المغزل ألغى الإنوثة. ابتلع ليلها ونهارها. ما عادت تحلم بخدر الصباح ولذّته.هوالآخر مبتلع.أدرك قبلها ما تدركه اليوم. وتلمّس بالرصد، إطلالة الرفض من عينيها. نظرة البغض إلى المغزل. تحرقها أن تحطّمه. وينطوي بانطواءة واحدة.

يرقب.. كيف تطوي الليل. صخب الأواني حضور فطورهما على عجل.لم تنل سوى كسرة خبز. ورشفة شاي مشفوطة. هيّأت (علاّقة) (5)..الغزل.وانحنت لكي تخطف عباءتها. لاح من ثوبها الراقد :ثقب،تألق منه بياض قفاها.

قال هو:

استري عورتك,

ارتدّت بتظرة جافلة. أزاحت العباءة، وقرّبت الثقب أمام بصرها، غرست ابهامها فيه،وقدّته من أعلى إلى أسفل..ومضت...

-----------------------------------

ـ يطغ: لفّة الفراش.(1)

ـ حذف جزء من هذه الجمل من قبل خبير دار الشؤون الثقافية.(2)

ـ اللمبة:قنينة يوضع فيها فتيل ونفط للأضاءة.(3)

ـ العلوة : محطة بيع الغزل.4()

ـ العلاّقة : كيس لحمل الغزل.(5)
 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com