قصة قصيرة

القلم وما يسطرون

 

سحر حمزة

تلعثم القلم بين أصابعي ،كنت أحاول أن أخط بعض الكلمات به كعادتي ،كان يعانديني تارة يتلوى وتارة أخرى يتهرب من الأحرف التي تريد الخروج من أفكاري، أحسسته محارباً وكأنه يقف على جبهة حرب أو معركة حامية الوطيس ،حاولت مداعبته ورأيت تعنته فقلت في نفسي ربما جف مائه السائل الأزرق الذي يغذيه فبدلت الأنبوبة الداخلية في جوفه بأخرى ممتلئة ،ثم نفضته كأني أريد أن أوقظه من سباته العميق أو أعيد له الحياة في أواصره كي يعود ليكتب كلماتي على الأوراق والدفاتر كسابق عهدي به لكنه لم يرد علي ولم يتلفظ بأية كلمة نفضته مرة أخرى وصرخت آووف وكأني سمعته يسخر مني وعرفت أنه لن يطيعيني ولن يسمعني وكأنه جلمود صخر تحجر حتى قلبه مات ولم يعد يأبه بنداء أو صراخ أو ضرب أو حتى فيض نهرتدفق ليملئه ،وحتى لو ملئت جوفه بالحبر الكيماوي العالي الجودة ،تسائلت في داخلي وصرخت به قائلة "الله أكبر" حتى أنت أيها القلم ،وتمتمت هل أختار الصمت أيضاً ، أهو أضعف الإيمان لدى البشر الآن وهل أصاب الصمت حتى الأقلام أأيعقل أن يكون عاصياً متمرداً مثل الكثيرين على هذه الحياة أم ماذا عدت وقلت في نفسي هذا قلم جامد لا روح فيه ولا حياة هراء أن أفكر بهذا القبيل لا بد أن سبباً ما وراء ذلك،، ومابين حواري مع نفسي ومحاولاتي الكتابة بالقلم أحسست كأن شيء يعصر أصابعي ويشدني ويلصقني به حاولت الإفلات لكن دون نجاح،،وتنفست بعمق وقلت "يا آلله" هل أصبح القلم بروح وأصبح مثل الأحياء حتى يقسو علي ويحاول الإمساك بأصابعي يريد أن يكمم فمي ويأسر أفكاري كي لا تنهل بالكلمات التي تعودت كتابتها به،،صمت سيطر علي برهة ثم عدت بمحاولاتي لأغير وضعية القلم بيدي وعدت أحاوره كأنه طفل صغير متمرد يعصى عن الطعام أو الشراب كي يفلت من أمه ليلعب كما يحلو له وبدأت أخاطبه كأنه كائن حي وقلت له برقة وحنان ،أيها القلم لماذا تعيق أفكاري دعها تكتب ما يجول بخاطري ؟أيها القلم ماذا ألم بك ؟أيها القلم هل تعاني من شيء ما ؟وفجأة وما مابين طروحاتي لهذا المطر من الأسئلة أنتصب القلم وأفلت أصابعي ونطق قائلاً:أيتها الكاتبة الساحرة الرائعة ،منذ متى وقد هجرتني وأنا صامت وأنا أراقب وأنا أتابع وأنا أدعو الله أن يصيب ذلك الشرس الوحش الذي غزى فكرك ووجدانك وأهتمامك أن يرحل وأن يدمر وأن يلغى من قواميسك تعجبت لسؤاله وطرحه وقلت له أنا !!!!من تقصد أيها القلم !!!!فضحك وقهقه وصرخ قائلاً الحاسوب الذي أمامك الكمبيوتر الذي سيدمرك ويدمر أصحاب الفكر وأصحاب الأقلام الراقية الذين هجروا القلم والكتاب مثلك ،،أنظري كيف تنهمر عليك يومياً مئات من الرسائل الإلكترونية هل تستطيعي تجاهلها أو عدم الرد عليها حتى لو تم محوها فتعود لكم أكبر بمدونات وكلمات مطبوعة بإيميلات وتعابير مسلوخة عن الذات أتذكرين يا حلوتي حين كنت تكتبين أجمل القصائد بالقلم وأرق الكلمات بالقلم لقد أصبح هذا الجهاز اللعين يحجبك عن الكلام الجميل وأصبح قطعة هامةبحياتك مع مجموعة جمادات ترافقه تسمى الماوس والدسكتوب والبوردوالفلاش ميميوري وغيرها وغيرها كلهم عوازل بيني وبينك كي لا يكون الفكر صافياً نقياً ويكون التعبير بالكلمات مثل اللآللآ النفيسة عذباً راقياً حلواً ،،وأضاف وكأنه شيخ كبير ناصح وقال لي :عودي يا صغيرتي إلى الأيام الخوالي وأقرأي الكتب القديمة وشاهدي أروع الكتابات المدونة بكتابات عظماء رحلوا عن الدنيا وتعمقي في جمال إنتقاء الكلمات التي كانت تخط بالأقلام الراقية الأقلام المصنوعة من الريش المرهف والحبر الصافي غير الكيماوي الذي يسبب السرطانات للفكر والجسم والوجدان ثم عاد وصمت وتركني حائرة وصامتة مثله أعاود في وجداني مراجعة ما ذكرني به وصدى كلماته في أعماقي وسلختني ذاتي وعاتبتني وقالت لي نسيت تلك القصص المدونة بدفاترك القديمة و قصائدك الأخيرة إلى قمرك وإلى فارس أحلامك الذي كان يزوروك كل ليلة لكنه هجرك لأنك أصبحت مدمنة على الكمبيوتر وعشقت جماداً ونسيت الأصدقاء والناس وصاحبت النت وداومتي على إرسال الإيميلات إلى مئات المدونات التي تقف بوجهك يومياً تجبرك على الرد كي لا تتكرر لإرسال نفس الإيميل والرسائل مرة أخرى لك ،،بقيت شاردة الذهن أنظر بشرود عميق فيما نطق به هذا القلم الذي تجرأ وأيقظ النائم في أعماقي ولم يجعلني أرد عليه لأدافع عن ذاتي وعن كل التغيرات في نمط حياتنا المعاصرة المعقدة ولم يجعلني حتى أن أنظر إليه معجبة أو غاضبة أو حتى متلعثمة ذلك لإني خجلة من بعض ما قال فأنا حقاً هجرته وتراكمت الأقلام على مكتبي دون إستعمال مني وأصبح القلم بالنسبة لي ولغيري ذكرى أو هدية أو رمزأ أو أداة فقط للتوقيع على شيك أو على معاملة حكومية وحتى لتوقيع كتاب لم يخط بقلم كاتبه ومؤلفه بل طبع ودون على الكمبيوتر الوحش المسيطر على حياتنا ،،وأدركت فعلاً أن أصالة الأقلام غابت في معركة المعاصرة والتطور التقني صحوت من غفوتي وأنا يقظة ،،وعدت إلى القلم بعد شرودي الطويل وحملته بيدي وقبلته كي أراضيه وأطيب خاطره ،،ضعف هو الآخر أمام لمساتي الأنثوية وأنحنى فما تمالكت نفسي وتملكت القلم بين أصابعي وأحتضنته طويلاً وكتبت به بأحرف أولى وثانية وثالثة بكل أنواع الخطوط العربية المعروفة الكوفي والأندلسي وغيرها كلمة واحدة جعلته يذوب بين يدي ويعود لمطر يهطل علي ورقي بحبره الإصطناعي الذي أذعن لفكري وسمح لي التعبير عن رأيي وآفكاري به ،فكتبت كل ما بخاطري و بكل اللغات كتبت له قصيدة وقصة ورواية جميعها بعنوان واحد هو أحبك يا قلمي أحبك أحبك ولن أهجرك.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com