قصة قصيرة

المَّيلُ نَحو الأخضرارْ

 

رضا الحربي

في الطريقِ الترابي مَشتْ سَيارة الجَيب وَهيّ تَجوبُ شوارع شمال أقصى المدينة، وقد تَشكلت خَلفها سُحابةٌ ترابية كأنَها أفعى مارده أسَتيسقظت من سباتها المستديم، أخذه في التلوي ذات اليسار تارة وذات اليمين مرة أخرى، فيَما أخذَ الترابُ يَتذرى على كل مَنْ وَقفَ على الرصيفِ، عذراً لا يوجد رَصيف بَلْ طريق تُرابيٌ لمْ يُعبدُ بَعدْ، في كل مِنْ طرفيهِ تَجمعَتْ المياه الآسنة التي تَنحدرُ إليه من البيوتِ المجاورة المَبنيةُ مِنْ الطابوق المكشوف، والذي غَدا مَرتعاً لجيوشِ أبو بريص والصَراصيرُ التي ما انفَكت مِنْ المكوث في المَراحيض لتقتات منْ البراز الموجودُ فيها، كان الجو قائِضاً وَسائقها فكَ أزرارَ قميصهُ وفي يده رشاشَ مَاء حولهُ باتجاهِ وجهه لينعمَ برشيقات باردة بين فترة وأخرى لعلها تقيهِ من الحر الشّديد، الذي أخذ يَشتدُ في فترةِ الظهيرة مِنْ ذلك اليوم القائظَ من أب، ليعيده بَينَ أحضانه مَرهً ثانيه وَكأنهُ قطهٌ وَديعةٌ لا تفارقُ أثداءَِ أمَها، دخلت في الشوارع ألفرعيه المليئةُ بالمطبات والوحل ألأخذَ بالميلِ إلى الاخضرار، والذي تَنبعثُ منهُ رائحة كريهة تَبعثُ على الاشمئزاز والقرف، فيما كانت أكوامٌ من النفاياتِ قد تركت في قطع الأراضي المجاورة والمملوءة بالصفائح المعدنية وقناني المشروبات الغازية الفارغة التي غَدتْ مرتعاً للقططِ والجرذان والصبية الصغار وَهم يَبحثونَ عنْ حطام لعبةٍ قديمةٍ تََركها أولاد ألميسوري الحال، أبدى إعجابه بمحمد السلمان وقال أن كل سكان منطقتنا تعرفه من خلال طيبته وشهامته وقبل هذا وذاك عرفته من خلال الخدمة العسكرية كان مثالاً للكرمِ في كلِ شيء حتى في الواجبِ عندما ندعوه لذلك، وتسأل من أين تعرفه؟ أجبته انه ابن عمي وجئت لزيارته، ولا اعرف أين منزله؟ قال سأصلك به، ضغط على كابح سيارته بعد أن شاهد طفلان عاريان يرومان شراء (شعر البنات) بعد أن سمعا صوت البائع (شعر بنات وين أولي ووين أبات) وخوفاً أن يبيت في بيتهما تلك الليلة أسرعا للشراء منه، كانا حافيان لا يعرفان للحشمة حدود وقد تركا من قبل أم شغلتها شؤون المنزل الكثيرة، أصعقني صوت مزمور سيارة الجيب، وقد أفقت منه بعد أن ضرب راسي في السقف الذي لامسته معتذراً فربما تأذى من راسي هو الآخر، انتبهت إلى صوت السائق الذي أخذ يسب ويشتم الطفلين العاريين: يا أولاد الكلب.

وَعظَ على نواجذهِ من شدةِ ألحَرقهُ المَكتومة في دَاخلهِ فَيما الصَغيران كانَتْ أيديَهُما تَرتَجفان هَلعاً مَخافةُ أنْ يَسقطَ (شعرَّ البَناتْ) مِنْ أيديهُما وَقدْ مَسكاها بقوة، وَلاذا بالفرارِ ليدخلا بيتهما بترقبٍ مَشوبُ بالحذرِ لتطالهُما يديَّ أمَهُما، وَلمْ نَسمعُ سوى صوتَ البكاء الصَراخ من خلفِ البابَ، الذي تلاشى تدريجياً، وَقدْ عَبرنَا المَطباتُ المائية التي حُفرتْ أمامَ الدور لتَخرج منها المياه الأسنة ألخارجهُ من مطابخِها كأخدود متموج ليصب في بركهٍ أسنه .

: متى نصل؟؟

وضحك السائق قائلاً

: حين يرفع الآذان.

راودتني ضحكه مكتومة وداعبته مازحاً.

: انف أم آذان لا فرق.

حزنت لأنني جاريته فيما أراد، وَصمتُ إزاء هذا الدليل المقرف الذي لا يَعرفُ للياقةِ حدود، فجأة توقفت السيارة وكان هناك عطل فيها ليقول لي سائقها وقد تَهجدتْ أساريرهُ فرحاً .

: لقدْ وَصلنا، انتهت مهمتي.

: هل انتهت حقاً.

أجبتهُ مستَعلماً، وأردف.

:كلا ما أنْ انته حتى أبدا مُجدداً.

هَرولَ خلف سيارتهِ وانزل حاجياتي وحقائبي منها بتروي وحذرٍ شَديدين، وَاخذَ أجرتهُ بسعادةٍ غامرة بعد أن أشار إلى باب الدار قائلا ً.

: ها هي دار محمد السلمان اعتصر منشفته بعد أن بللها بالماء وضربها بالهواء أحدثت صوتاً كأنه أصطفاق أجنحة طير ضخم بينما الرذاذ تطاير في الهواء وجف قبل أن ينزل إلى الأرض، فَرملَ عَجلتهُ التي أخذتْ تُسرع الخَطو نحو المجهول لتقتنصَ زبونٌ جديد،والتي اخذ يتصاعد دخانها الأبيض الذي كممت انفي منه، لمحتها للمرة الآخيره بطرفِ عينيَّ، وأنا أضغطُ على جرسِ الباب،راستدارتْ في بدايةِ المنَعطفْ، و بَدا يَعلوها الغبار من جديدِ ***** 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com