قصة قصيرة

ضحك مبحوح!

 

يوسف أبو الفوز

 هل شعر بحركة من حوله ؟! لا، كان ذلك صوتا . نعم، وكان صوتا غريبا، جعله يتقلب في فراشه بشيء من الخوف . كان يوما طويلا ومرهقا في العمل الروتيني . كان برنامجه مكتظا فلم يملك حتى الوقت لاكل لقمة في أي مكان . حين وصل البيت، لم يطلب شيئا سوى النوم . النوم ولو ساعة . فتركوا له الصالة . زوجته تعرف انه يحب نوم القيلولة في الصالة قريبا من  شاشة التلفزيون . يتسمع قليلا ما يدور ثم يغط في النوم . وضعت له مثل كل مرة فراشا في زاوية الصالة الصغيرة، وابعدت الاولاد عن مكان نومه . كل مرة تجد عذرا ما لابعادهم عن دخول الصالة. أي عذر وأي حيلة فعلت هذه المرة ؟ تشقى هذه المرأة اكثر منه لرعاية اولاده وضبط ميزانية البيت المخرومة دائما. هكذا وهو يقضي نوم القيلولة في تلك الظهيرة التعسة، سمع صوتا . لم يكن صوتا بشريا. كان ثمة شيء غريب في ذلك الصوت . شيء ما مزعج فيه، شيء أشبه بالضحك المبحوح ففتح عينيه ببطء !

هاله ما رأى . جعله يتخشب في مكانه ويتصبب عرقا. يعرف هذا الشيء جيدا. حفظ اوصافه عن ظهر قلب، من يوم دخوله مع جاره في سجالات نهته زوجته مرارا عن مواصلتها :

ـ  يا رجل كل هذا مضيعة للوقت، ان الاستمرار فيها سيخرب علاقتنا مع جارنا، وربما مع عائلته، اذ لم اركما يوما تتفقان معا على رأي ما  حول أي موضوع !

كان جاره في كل مرة، واذ لا يجد في نفسه المقدرة لمواصلة النقاش، ينفض يديه ويقول بتجهم :

ـ استغفر الله العلي العظيم، يا جاري العزيز، انت تكفر بكلامك هذا، اتعتقد أني واياك نعرف اكثر من سيادته وهو المتبصر المتبحر، المجاهد ضد الطغيان من اجلي واجلك ؟

كان الضحك المبحوح يتواصل من هذا الشيء الذي يدور حوله، وينظر بعيون منحرفة وببريق مخيف . يعرف هذا الشيء، فقد قرأ عنه كثيرا ليكون مستعدا لنقاشاته مع جاره . تقول الكتب عنه :

ـ  ( يتميز بجسم ممتلىء ورأس كبير وعنق غليظ وخطم قوي، وقائميه الأماميين أعلى من ساقيه الخلفيتين، لذلك يتخذ جسمه شكلاً مائلاً.)

وتضيف الكتب :

ـ ( الظهر عنده محدب والأقدام ذات أربعة أصابع، والأذن مستعرضة فوق القاعدة ومدببة الطرف يكسوها شعر خفيف، والعيون منحرفة  ... ! )

لم يكن بحاجة لعد اصابع قدم هذا الشيء المنفر، فمنظر وجهه الكريه، وشعره الداكن وأنيابه الغليظة كانت كافية له ليعرف ما الذي يقابله ويدور حوله . ولكن من جاء به الى بيته؟ كيف دخل ووصل مكان نومه؟ والأهم ماذا عله ان يفعل لمواجهته ؟ كيف يتصرف الان ؟ الكتب تقول ايضا :

ـ ( أنيابه غليظة قوية وكذلك الأضراس الأمامية لتصلح لطحن العظام، وفي تكوين أسنانه ما يمكنه من أكل بقايا الغذاء التي تتخلف عن حيوانات أخرى كالعظام وغيرها، وكذلك له من قوة عضلات الفكين ما يجعلها أقوى فكوك الحيوانات طراً.)

 ما الذي جاء به تحديدا في هذه الظهيرة اللعينة الى بيته، وهو الذي تقول عنه الكتب :

ـ ( هو حيوان ليلي لا يخرج من جحره إلا بعد المغرب ولا يبارحه نهاراً إلا مرغما وتحت ستار الظلام !)

 حاول ان لا يتحرك حتى لا يثيره، فربما يهاجمه ويفترسه ؟ ألم يوصف بالغدر وشهوته للحوم بني آدم ؟

ـ  ( ومتى رأى إنساناً نائماً حفر تحت رأسه وأخذ بحلقه فقتله وشرب دمه ... )

وأليس ما كان يكرره جده علينا من حكايا في ليالي الشتاء تعني هذا الشيء بالذات ؟

ـ ( روى البيهقي، عن أبي عبيدة أنه سأل يونس ابن حبيب عن المثل المشهور"كمجير أم عامر "، فقال : كان من حديثه أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم " أم عامر"  فطردوها فاتبعتهم حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فقال : ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا. قال: كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي، لأنها استجارت بي . قال: فرجعوا وتركوه، فقام إلى لقحة فحلبها وقرب إليها ذلك، وقرب إليها ماء فأقبلت مرة تلغ من هذا ومرة تلغ من هذا حتى عاشت واستراحت فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته، إذ وثبت عليه، فبقرت بطنه، وشربت دمه، وأكلت حشوته، وتركته) .

كان عليه ان يتصرف بسرعة قبل ان يبقر هذا الشيء الكريه بطنه ويشرب دمه ويأكل حشوته. على الاقل ليحاول طرده من بيته ان لم يتمكن من قتله، فسرعان ما سيعود الاولاد وامهم، فهل يتركه يفترسهم بسهولة ؟ أيعقل انه وجاره دخلا نقاشا لا نهاية له حول امكانية أكل لحم هذا الشيء الكريه المنفر؟ كان جاره يستشهد بالآيات القرآنية وكونها لم تحرم من لحوم الحيوانات الا لحم الخنزير، وكان يتمسك بالرواية عن النبي محمد الذي نهى‏ ‏عن أكل لحم كل ذي ‏ ‏ناب من ‏ ‏السباع ‏. لكن الان وهو يرى هذه الكتلة العجيبة المنفرة تدور حوله وتحاول ان تنقض عليه ادرك حجم خطأ جاره الذي طالما اغضبه بشروحاته العويصة . ايعقل ان يكون لحم هكذا مسخ حلالا ؟ راح يتحسس بيده مكان نومه بحثا عن شئ ما. اي اداة قريبة تساعده للانقضاض عليه . واصدمت اصابعه بطرف الحائط . اصدمت بقوة جعلته يفيق من نومه. كانت الصالة الصغيرة فارغة الا منه . كان جسده يتصبب عرقا . على شاشة التلفزيون كان ثمة من ينظر باتجاه الكاميرا بعيون منحرفة، بجسم ممتلىء ورأس كبير وعنق غليظ يقف بشكل مائل محدودب الظهر بأتجاه الميكرفون :

ـ  نرجو من ابناء شعبنا الكريم، الوثوق بنا وببرنامجنا الانتخابي، فأن وصولنا الى البرلمان ...

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com