قصة قصيرة

نساء على قارعة الانتظار

فاتن الجابري

صحفية وقاصة عراقية/ المانيا

خمسة أعوام تلوكها وتسحقها أنياب الانتظار، تحيل بهجتها الى ترف منسي، ودعته على رصيف الحافلة ذات صباح معفر بالغبار، خبأت رعشة قلبها في حقيبته، وأتمنتها خفقاتها.

أيام  قليلة مرت على خطبتها التي خططت لها العائلة، منذ  طفولتها، توجته ملكا على عرش قلبها الذي لم يخفق لسواه.

حيادية مشاعره تعذبها، لم يسمعها كلمة حب واحدة طيلة الأعوام التي سجلوها باسمه، كان حبها ينمو أحادياً جارفاً ومندفعاً بتلميحات الإعجاب والاهتمام  لحارث، تصطدم بصخرة بروده التي تقذفها الى قاع بحاره المتجمدة .

في ليلة خطبتهما بعد أن احتفل الجميع، انزوت معه في ركن من غرفة الجلوس، باسطاً أمامها جواز سفره، يغتال فرحة لم تشعر بها بعد.

تسربه اليأس في لحظة ضياع وغرة، مقت تسارع نبضاته وتيبس أطرافه في صباحات الوطن الملغمة بالاحتمالات، لا يريد أن يكون خبراً تنعى نزف شبابه المحطات الفضائية .

تتعالى الزغاريد في الدار تقع عليها كزخات الرصاصات التي أطلقها على قلبها قبل لحظات.

أكمل إجراءات عقد قرانهما سريعاً، صافحها على باب الحافلة يستوطن الدمع في عينيها، تمطره بلهفة الى لمسة ناعمة، تتوق إليها، حملته الحافلة، وبقيت رائحة يده عالقة بنشيجها في جحيم الانتظارات.

روحها في حقيبته مهاجرة حيث تخوم المرافئ الحالمة بزقزقات النوارس، يمتطي الليل على زورق مطاطي مثقوب، يلقي أوراقه وذكرياته وجبة طرية للأسماك الجائعة، ينتابها دوار البحر تتمايل، تحملها طالبات صفها، تنظر إليه بعين نصف مفتوحة، يسقيها الماء ويراقبها بعينين مفزوعتين، قائلاً :

-       حمداً لله على سلامتك .

لاتدري عدد الدقائق التي غابت بها عن الوعي قبل أن تستفيق على همسات صوته الدافئ، تجمع أوراقها تحمل حقيبتها، يستوقفها عند الباب مقترحاً توصيلها إلى المنزل تعتذر، دون أن ترفع عينيها، سعيد زميلها مدرس الرياضيات تنأى بقلبها تطبق عليه بقيد الذكريات، تغلق نوافذ في وجدانها تتوق للحب، الذي تلاحق بصيص ضوءه الشارد في مدن بعيدة، حين يجتاز حدودها في وحشة ليل مسكون بالرعب والمفاجأت، أخباره تصلها متباعدة في رحلة بحثه عن وهم أسمه وطن بديل، رسالة نصية على وجه السرعة من كل بلد يعبر حدوده، تلفه فجيعة خسارة الوطن ساخطاً مرة باكياً مرات، يبتعد البصيص يتماهى لعينيها يغرق في لجة التيه، وتنتظر عالقة، في درورب عشقه التي ضيعته مبعثراً في رحلة بحثه الأبدية عن وطن ضحكاته جليدية، والنساء فيهن ناعمات كالحرير ذائبات كنتف الثلج، مسافرات كالفراشات، ترفضه مدن الصقيع، لا تنطبق عليه مواصفات لاجئ أقصاه الوطن تلفظه المنافي التي أدمن ترفها، رسائله النصية فقدت دفأها،  ثم انقطعت منذ شهور، مستحيل أن تتبعه، ولا أمل في عودته، تلفها حيرة الوحدة وتلقي بها رقماً جديداً على قارعة الانتظار .

--------------------------------  

من مجموعة سرير البنفسج 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com