|
قصة قصيرة
سندباديون موسى غافل الشطري باستطاعة الأولاد، الذين رقّت مشاعرهم وتلألأت أن يتحرّوا، ويحلّقوا بين النجوم والأقمار. وأن يتحرّوا عن آبائهم الأعزاء، الذين عرجوا إلى السمـاء. وأن يبحثوا عن اسرارها. وساكنيها المتأ لّقين. وإذا صعب عليهم ذلك.. فإنهم سيستعينون بإمّهاتهم. ( ولّودي)... أكثر من غيره معنيّّ ٌ بهذا. يتطلّع إلى هناك، حيث النجوم ترصّع إهاب الليل فينشدّ بتفكيره: إلى هذا التجمّع الجليل، حتى يحتوي تأمّله، مسافرا طيلة استيقاضه. فكيف لا يصدّق مشاهدات صديقه ( حمّودي)... عندما حدّثه عن أبيه الذي عرج إلى السماء؟ مذ ذاك.. ثابر ( ولّودي )... في بحثه عن أبيه، بين النجوم ودجى الليل الثقيل. وأوجاع الرحيل التي أرّقت فكره.إلى تلك الذكريات في لهوه مع أبيه.فبترت صفحاتها ولم يبق منها، سوى قدحات لذاكرته. وكان.. أنصع ما يشع فيها.. ذلك اليوم الذي جيء به: محضوناً، لا يدرك حينها سوى :إن النهار مشمس، وأبوه مُستلقٍ وسط العويل. أزاحوا النسوة المحتشدات. رأى أبـاه يستلقي بصمت، وعيناه تحدقان بوجهه. لم يبتسم كعادته. لم يتلقاه بين ذراعيه.لبّى (ولّودي) رغبة ذويه، قبّل وجنة أبيه وإبتعدوا به. لم يزل يتراءى له صدر أُمّه.. عارياً قرمزيّاً.. ثدياها مُتعرٍيان. ثوبها مقدود حتى قدميها. كأنها في عراك. نائحة الصوت. والنسوة يُقبِّلنها. لم يكن بوسع ولّودي إلاّ أن ينحني، ويمدّ ذراعيه نحوها.باكياً صارخاً. شابحاً أصابعه. لكن أُمّه، بدت منشغلة عنه. ظل يبكي مهلوعا. النسوة والرجال والصغار يبكون ويصرخون. مكث الأب على استلقائه صامتاً. يُحدّق بعينين واسعتين، لا يرمشان. كأنه يستمع بانتباه.. إلى أحاديث المتجمّعين. الكل.. يتحرّكون. الأولاد يتطلّعون، إلى أبيه بصمت ورهبة. امرأة صغيرة لا يتذكرها بوضوح، عارية الصدر، بحّاء الصوت، يرقد خده على نهديها الصغيرين العاريين. الأب يستمع فقط. لم يستقبل كل هؤلاء كما اعتاد مُرحِّبا بصوت مرح. الرجال يصخبون، يدفعون بالنسوة جانباً. تقابلوا على الأب. رفعوه من كتفيه وقدميه. ألأب.. لا يبدي مقاومة. شاهد ولّودي القطعة المدماة، التي تعصّب بها والده. ألقوه في صندوق خشبي.. طويل جدا ظلّوا ينهالون على الصندوق ٍبالضرب.. والأب يواصل صمته. تنكبوا الصندوق وغادروا به. راقبهم باكياً. تطلّع بين الناس إلى أُمّه. رآها تهرع من خلف الصندوق.رافعة ذراعيها.والنسوة يحطن بها.والرجال يدفعون بها إلى الخلف. لا يدري.. لماذا يبكي الجميع؟ فأبوه.. لم يضرب أحداً. فقط.. يرقد في الخشبة المغلقة. كأنّ ما يجري لا يهمّه. إمرأة..عارية الصدر، منثورة الشعر.مدماة الخدّين، إحتضنت أُمّه وقبّلتها باكية، وعادت بها. لايدرك شيئاً من كل هذا.لكنه يبكي خوفاً وينادي على أُمّه. هذه الصورة علقت في باله. بقيت تلك الأحداث ترعبه في الليل. لكنها غامضة. عندما سأل أُمه عن أبيه قالت:ـ إنه سيعود. لكنه لم يعد. ذهب بعيداً.ألقوه في صندوق وأخفوه عنه. لا يعرف لماذا. أُمه بعد ذاك.. بقيت منزوية في الدار.كأنها تخشى شيئاً. ربما تخشى أولائك الذين رحلوا بابيه، ومنعوا أُمه أن تلحق به وتعيده إليه. لم تغادر.. لا ليلاً ولا نهاراً. تقضي يومها تحتضنه وتبكي. لماذا جرت تلك الأمور ؟؟ لا يدري... * * * توالت الأعوام وشاهد رحيلاً للآباء لا ينقطع. لكنه.. كلّما تواصل الرحيل توفر له أن يدرك ذلك اللغز. وإنه رحيل طويل. لم يعد منهم أحد. أدرك أيضا ً: أنهم يرحلون إلى تلك المنازل المكتظة بالحدب. هناك.. في تلك المدينة القصيّة، التي عجّت بالحدب الغبراء، وقبب كبيرة. رافق أُمه إلى هناك، مع نسوة ورجال. قيل له : إنه سيشاهد بيت أبيه. كان فرحاً أن يذهب إلى أبيه، لا يعلم لماذا يبكون طوال الطريق.. لماذا الأُم توسع صدرها ووجهها صفعاً؟ هناك شاهد تلك الحدب. شاهد مثوى أبيه..إنه يرقد تحت ربوة غبرا ء.. لم تعثر عيناه عن منفذ، يجري من خلالها إليه، لكي يلقاه، كعادته بين ذراعيه. انكفأت أُمه، ونسوة أُخريات، فوق الربوة الغبراء، الجاثمة على أبيه، إنه بيت صغير جدّاً.، لا يعرف كيف ينهض بداخله. احتضنت أُمه البيت الصغير، ربما يمكث الموتى نائمين. بقـيت النسوة يتحلّقن، وينادين على الأب. والأم تدعوه صارخة: ـ أن يترك النوم الطويل وينهض لولده، الذي جاء مشتاقا إليه. فتناديه : ـ هذا ولدك قادم إليك.. إنه لا يستطيع أن يحيى بدونك.إنه ينتظرك ويسأل عنك.. لماذا تبرأت منه؟ لكن الأب.. التزم الصمت. لم ينتبه لبكاء ولّودي ويطلّ عليه. بكى ولّودي لكي يرق قلب أبيه ويأخذه بين ذراعيه كما اعتاد. ولّودي لا يستطيع أن يفعل شيئا غير البكاء. * * * الرجال يتجوّلون بين تلك الروابي. يقتربون من بعضها، ويمعنون النظر لا يدرك ولّودي مغزى لذلك. إنهم أنفسهم الذين رحلوا بأبيه. هل هذه الروابي صُنعت للآباء لكي يمكثوا فيها؟ انتشر الرجال يبحثون هنا وهناك. كأنهم يفتّشون عن آباء غادروا مراقدهم. بعض ألأماكن كانت مثقوبة. بعض الرجال يعودون بآنية مليئة بالماء. ترش النسوة بعضه على جسد أُمه. تأخذ الأم بكفّيها تراب وتُعفّر وجهها وجسدها. يتذكر أن بكاءه لم يهدأ مسحوا عينيه وأنفه، أعطوه ماء. وألقوا بقسم منه على وجهه. وضعوا بيده حلوى، وأرجحوه بالأحضان. استقبلته أُُمه بذراعيها صامتة. مسحت على رأسه، واحتوته إلى صدرها، فتوسده متشبّثاً. * * * تعاقبت الأعوام. رحيل الآباء لا يعرف الكلل. ألِف ولّودي هذه الحال. عندما يحدث رحيل، مثل رحيل أبيه، فإن ذلك يقنعه : بأن الجميع عازمون أن يرحلوا.. إلى تلك المراقد الصغيرة، حيث يتواجدون هناك صامتين. قبب.. لا تشبه قبر أبيه، لكنها للموتى. قبب كبيرة. فيها أفرشة ومرايا، وصور مُعلّقة. وبرّادات ماء. ألأبناء الصغار، اللذين يفقدون آباءهم، لا يعرفون بعد : إن القبور.. فيها الصغير، وفيها الكبير، بفناءات واسعة.يستلقي فيها الآباء ليلاً ونهاراً. يتمددون فيها بارتياح. لكن أُمه تقول : ـ إنهم يغادرونها ليلاً، بعد اختلائهم لأنفسهم. الأولاد الصغار.... لا يعرفون شيئاً عن هذا. قال أحدهم لولّودي : ـ هل شاهدت تلك القبور ؟ قال ولّودي : ـ كيف لم أُشاهدها؟هل يستطيع من مات أبوه.. أن لا يذهب إليه ويشاهد مثواه؟ ! عندما مات أبي.. تجولت هناك بين القبور. إن عليك أن تذهب إلى هناك وتشاهد مثوى ابيك. قال الطفل : ـ هل هناك أكل.. أشياء تؤنس ؟ قال ولّودي : ـ تؤنس؟.. لا.هناك أكل. إنك كلّما بكيت..أعطوك حلوى ولحماً.إذا أردت أكلاً كثيراً.. فإن عليك أن تبكي باستمرار. قال الطفل : ـ هل يعود أبي ؟ قال ولّودي : ـ إن ذلك يتعلّق بالأم. إذا أحضرت له ثواباً.. فإنه يأتي ليأكل.. ولكي يشاهدكم. أمّا إذا تزوّجت، كما فعلت أُم حمّودي.. فإنه لا يدخل البيت. بل يطلب من أُمك : أن تأتي بك إليه، فيُقبِلك ويرحل. * * * كل هذا.. أدركه من قبل، صديقه حمّودي،الذي غادر أبوه أوّل الآباء.: أدرك حمودي : بأن الآباء يرحلون، عبر طريق مستقيم، كالحبل، ينقلون أقدامهم عليه بحذر شديد، كي لا يخفقوا ويسقطوا في النار.حينها سأله ولودي: ـ هل هناك نار ؟ قال حمّودي : ـ كيف لا توجد نار ؟هناك نار وهناك جنّة. من لا يحسن عبور النار إلى الجنّة، سيقع ويحترق. قال ولودي : ـ ولكني لم أُشاهد الجنّة.. هل أخبرك أبوك عنها شيئاً ؟ قال حمودي : ـ كان أبي عازماً على ذلك. وكنت أنتظره تلك الليلة. إذ وقف على عتبة الباب..دعته أُمي أن يدخل فرفض. وقال لها : ـ ( لماذا تزوجت؟لماذا أنت عجولة؟من الذي يعتني بولدي؟وإذا رغبت المجيء لمن أجيء.. وأين أجلس ؟) ثم اختفى، لذا لم يعد لدي الوقت أن أسأله. لكن اختفاءه أحزن أُمي، فبكت خلسة عن زوجها.. لم أدرك الأسباب بوضوح. لكن أُمي ذبحت ديكا من اجله. وأنا أكلت الجناح. أتعرف لماذا أكلت الجناح؟لكي يكون بوسعي أن أطير إليه في السماء. قال ولّودي : ـ وهل طرت؟ قال حمودي : ـ إذا لم يعد.. سأطير إليه. أنا اعرف أنه غاضب من أُمي.. عندما طلبت منه الدخول قال لها ذات مرة : ( لا أستطيع. هل بوسعك أن تعطيني ماءً بارداً ؟ ). تناولت إناءه، وأخفته خلفها، كي لا يشاهدها زوجها، وأتت له بالماء. شرب وكان يبدومتلهفاً. وقالت : ( أتحتاج شيئا آخر؟ ) قال لها : ( كثّر الله خيرك. أحتاج فقط رؤية ولدي حمودي ). حملتني إليه.. قبّلني وأنا نائم ومضى. * * * قال حمودي لولّودي:ـ أترغب أن تشاهد أباك؟ قال ولّودي : ـ كيف أستطيع ؟ التقط حمودي قعر زجاجة بيضاء. مسحها بثيابه.. وحدّق عبر شرخها. شاهد ألوانا قزحية وهتف : ـ هـذه ألوان الجنة... اختطفها ولودي، وتبحّر عبر الجهة الحادّة. فتألّقت الألوان الساحرة. وتراءت له نهايات مفتوحة على أبواب خيّل له : إنها أبواب مشرّعة، تنبعث منها حزم بألوان متعددة.فلاحت له مترامية. تمنّى أن توحي إليه، بأجواء مبهجة. تتوالد الواحدة عبر الأخرى. دأب حمودي : أن يحكي له عمّا يشاهده في اختلائه.، عن أطياف قزحية، يجلس الآباء عبرها، على أرائك بلّورية. يضعون في أفواههم مياسم ( الناركيلات )، كما يفعل الأغنياء. ويتحدّثون بانشراح. أرجلهم تتعامد الواحدة فوق الأخرى. يتحدّثون عن أُمور لا يفهمها لبعد المسافة. وفوق رؤوسهم عِروش الكروم. والفواكه المتدلية. ومن أمامهم تنساب المياه الرقراقة، المترعة بما طاب من مذاق. ويرفلون بثياب زاهية. لم يشاهد حمودي مثيلاً لها. والحدائق الغنّاء.. تكتسي بها الفناءات. أقسم حمودي : أنه شاهد كل ذلك. قال ولّودي : ـ إني لا أُشاهد ذلك. كلّما جرّبت : لا أُشاهد سوى الظلال الملوّنة. قال حمّودي : ـ إعطني الزجاجة.. كيف لا تشاهد؟... إنك إذا تمعنت جيدا.. ستشاهد كل شيء بوضوح. أترى؟ هئنذ أُشاهد أبي يتكئ على أريكة لوحده ويفكر بأمري. إنه حزين على ما آلت إليه حالي. والتفت حمودي إلى صديقه وقال : ـ عندما كان حيّاً لم يطق فراقي. كلّما عاد من غيابه، كان أوّل ما يفعله : سؤاله عني : ( كيف أحوال ولدي العزيز ؟هل يأكل جيداً؟لماذا لا يبدوسريع النمو؟لماذا ثوبه متّسخ؟).ثم يقبّلني بين عينيّ ووجنتيّ. وفي فمي وعنقي ويداي. وحتّى : ـ... إني أخجل أن أقول.. أين يقبّلني أيضاً.. ثم يضمّني إلى صدره. إنني أقسم بروح أبي العزيز : أن.. ليس هناك أباً يحب ابنه مثل أبي.إنه لا يشبه الآباء. بل إنه بعد رحيله إلى هناك، طالما يأتي برداء أبيض من الجنة ومعه من ثمارها يستلقي جنبي دون أن يشاهده أحد فأقول له: ـ لماذا أنت منشغل بي دائما يا أبي؟ لكنه لا يجيب سوى إني أرى عينيه تدمعان. فيستدير لكي لا أرى ذلك ويمضي. * * * ولّودي لم يحظ بمشاهدة واضحة لوالده.كما حظي صديقه. ربما.. إنه لم يبكي ما فيه الكفاية. مخافة أن يتجدد بكاء أُمه. لذا.. كل ما استطاع مشاهدته.. ليس إلاّ طيفاً، مرّ سريعاً وتلاشى بين الألوان. غير إنه سيرجئ ذلك حتى الليل،حيث باستطاعته أن يبكي كثيراً.. فأخفى قعر الزجاجة في مخبأ بنطلونه، لكي ينأى لوحده ويبكي كثيراً.لكي يرقّ له قلب والده ويأتي لمشاهدته. لكن.. الأشياء التي تحيّره: لماذا يمعن أبوه بصدوده عن زيارته.. كما يفعل أبوحمّودي؟ إنه بحاجة إلى بكاء متواصل، لكي لا يبقي عذراً لأبيه.فيضطر أن يأتي ويشاهده بوضوح.وأن يشاهد تلك الأشياء، التي صعب عليه رؤيتها، كما حظي بها صديقه. طالما أمعن في لياليه: أن يهيئ نفسه، لكي يشاهد تلك الأشياء.ربما سيكون من المفرح لوالدته.. لوتسنى له رؤية ما لم تشاهده هي من ذلك العالم الخفي. قالت أُمه ذات يوم : ـ الصغار بوسعهم أن يشاهدوا.. ما لم يستطعه الكبار. * * * ما الذي يفعله ولّودي، حتى يحظى بأوقات ممتعة؟ كأن يشاهد عبر رواب،وكثبِ، وطرقِ مضاءة بألوان جذّابة. وسماء فيروزية صافية الأديم. وأرض.. كل ما ينبت عليها تتقزح الوانها. النباتات تبدوطروبة بتأرجحها. والطيور الملوّنة تزقزق.وطيور الجنة، بقمصانها الجذّابة..تتعانق وتضحك. أشياء باهرة، تفتح النفس. لا يمتلك حمودي مفردات، يستطيع أن يوصلها إلى رأس ولّودي. تلصص حمودي، بنفسه على الجنّة وعرف معالمها. وأوشك أن يبكي. لأن أباه مكث واقفاً، لا يستطيع أن يرتكب ذنباً ويجتاز أبواب الجنّة. ولا يستطيع أن يجافي ولده الوحيد ويمضي. كم أخجلت حمودي حالة أبيه؟ سبب آخر.. جعل حمودي: يحبّذ أن يلتقي بوالده عن قرب.. فهولا يستطيع أن يشاهده أباه حافيا وقدميه موحلتين. فشغل نفسه بما أثار دهشته. من تلك الحدائق الواسعة، وأزهارها الكبيرة والبساتين والسواقي وأعشاش الطيور ألتي افتقدت في الأرض وحلّت محلها القمامة وبرك المياه الآسنة. وشاهد الأطفال المجنحين المرحين. محلّقين فوق الأيك.ويقطفون أوراد الجوري ضاحكين.ويصنعون باقات ورد ليهدوها لآبائهم. ولّودي كلّت رؤياه من دأبه في البحث عن أبيه.فقد لاح له أبوه يندفع على عجل ويتلاشى في الألوان. تماماً كرحيله الغامض. لا يدري.. لماذا كل شيء غامض. موته غامض. رحيله غامض. مكوثه في تلك المراقد الواطئة غامض. مغادرته إلى عالمه الفردوسي غامض. لا يدري لماذا كل هذا الغموض؟كأنه مولع بالغموض. كأن الآباء يفعلون كل هذا.. لكي يقال : إنهم معجبون بحياة مليئة بالغموض. كل هذا يفعلونه ببساطة ويعجزون أمام أشواق الأبناء. كأن ذلك أصعب من غيابهم. لا يأبهون بتحرّق أكباد أولادهم وزوجاتهم. استصعبوا.. أن يمكثوا إلى جانبهم : ولوحتى بلوغ الأولاد سن الشباب. كم من أحلام.. رسمها أبوه في رأس أُمه؟عن السفر بين النجوم، بعربة من الفيروز، والياقوت. والحصان المجنّح. هذه الأحلام الجميلة: لماذا زرعها أبوه في ذهن أُمه ورحل ؟هل هي أحلام خادعة ؟ أُمه تقول إن أباه لا يخدع أحداً. حاشاه من الخداع والكذب ولكنه يعجب : كيف اختار الرحيل وحده ؟ لا يدري ولّودي، انه لا يدرك أكثر من هذا. رغم إنه صغير... لكنه لا يتصوّر : إن أباه اختار رحيله الغامض، لكي يجرّب الخديعة. لكن أُمه.. طالما خاطبته بعد غيابه باكية : ( لماذا إذن تتزوجون ؟ لماذا ترحلون مبكراً إذا كنتم مولعون بالرحيل هكذا..أما كان الأجدى : أن لا تثقلوا بأعبائكم.. على قلوب نساء ضعاف؟ هل اشترطنا عليكم.. أن تورثونا الآلام وواليتم فقط ؟ ). ولّودي... أتعب عينيه. دون أن يحظى بشيء. أضفت الشمس الغاربة لونا ارجوانياً شاحباً على ألألوان. قبع صامتاً علّه يحظى بوالده، ولوبطيفه.قبع حيث المساء، الحافل بزيارات الموتى إلى ذويهم.مكث ولّودي في مكمنه.علّه يرصد ما ينبئه بملامح أبيه. علّه يخطف من أمامه، عبر تلك الألوان. والأشجار والسواقي.والحوريّات. والأطفال المجنحين.والمخلوقات الفردوسية.التي تبدوفي تواصل احتفالي بالنعيم. ذائبة في ذلك الألق الجميل.لكن الألوان.. بدت تخبووتتلاشى أدرك ـ عند الأصيل ـ إن أباه غادر عالمه ذاك. فيلجأ ولّودي إلى صدر أُمه ليلاً. يفتح اكمامها ويلصق رقاق أنفه في فجوة الثديين. ويدرك.. أنه ما عاد الصدر الوثير نفسه. فأراح خدّه على عظامه الناتئة.وتضوّع بطيبه العذب.كلّما تشممه خطرت في باله.. ذكريات الرضاع والبكاء،وانداحت خفايا أُمه. * * * يداهم سمعه، صخب جارهما، جرّاء احتدام عراكه مع زوجه. كأن أحداثها تحيى في ذاكرته.. أيام احتدام النقاش بين والديه. فيتأجج عامل الحسد، ويتلهّف : أن يحطّم ما هيمن من صمت مطبق جثا على بيتهما بعد رحيل والده. لا يرغب أن يثير شجون أُمه، التي طالما هربت بذهنها، وقضت أوقاتها غارقة بشرودها. يستعيد ولودي تلك المشادات القصيرة بين والديه، والتي سرعان ما تختمها الأم بقدح شاي مقابل رضائه، وأي شيء يحيي أحاديثهما الودودة. يتذكّر أيضاً كيف ينط ظهر أبيه وهوراكع في صلاته.متشبّثا بقفاه، متأرجحاً. والأب يتأنّى له، حتى إذا ارتخت يداه، نهض..لكي يوقع به وقوعاً رقيقاً لطيفاً. كم أجهد ذهنه، ليستعيد معالم واضحة ؟ فلا يجني : عدا ذلك الرحيل المكلل بصمته.والجلبة والرداء ألأبيض، وبقعة الدم المقعّرة التي استحوذت على صدره.والعصابة البيضاء المدماة. والعيون المذهولة.وملامح أُمه. ومزق ثوبها. وعري صدرها.والثديين العاريين.والشعر المنثور.والفزع الذي جال بعينيها. تتأجج لهفته، مهما كانت ملامح أبيه إنه يشتهيه عرّيكا مع أُمه. ويبكيه، مثل الآباء الآخرين. إنه.. يحلم به يتوعده. يضربه على قفاه ضرباً مبرّحاً. يشتهيه.. أن يهرب خارج البيت، ويقذف الباب بالحجارة، كما يفعل الأبناء الآخرين مع آبائهم. يريد أباً.. يشتمه ويتوعده. كم تحرّق إلى ذلك ؟ لماذا حرم من هذه الأشياء؟ كم البكاء جميل من أجل ذلك؟ ولّودي.. جرّب هذا مع أُمه.وقف خلف الباب، وقذفه بالحجارة، وهويصرخ بأعلى صوته ويشتمها. قذف الباب بالحجارة. لكن الأُم ظلت تبكي.بكت صامتة. ثم ندبت أباه.ظلّت طيلة الوقت تردد مراثيها.ما الذي أثاره ولّودي ؟ أي باب فتح ؟ ما الذي يقوله لها ويبرر فعلته ؟ هل يقول لها : ـ أُريد أباً يعاقبني، كما يفعل جارنا مع ابنه ؟ هولا يستطيع أن يشرح الأمر، لكي تفهم ماذا يعنيه ذلك. ربما ستقول : ـ وهل أنا أب؟ أنا مجرّد امرأة بلا زوج.أنا لست رجلاً يعلّم ولده كالآباء. سفح ولّودي دموعه على صدر أُمه. فتحسست الدموع،تنساب ساخنة فوق صليب الثديين، فسألته : ـ ما الذي يبكيك ؟ لم يجب. لا يرغب أن يثير شجونها.. فاكتفى بهز رأسه نافياً. ـ أنت غاضب منّي ؟ يهز رأسه نافياً إذن ما الذي يبكيك؟ ـ رأسي. ـ أتريد حبّة رأس ؟ يرفض يُحلّق. لا يتذكر ملامح أبيه. ففي هذه الصورة المعلّقة يبدوالأب صغيراً. يتذكّره أكبر، وله صوت لم يسمع له شبيهاً. يتذكّر غناءه. والآم مستلقية على السرير، عاقدة يديها تحت رأسها. وتسمع صامتة مشغوفة.ترجوه بعينيها أن يستمر. لم يغن لأحد قط. * * * تمسح الأم على رأسه، كما فعلت في وفاة أبيه وبمناسبة مرور أربعون يوما على رحيله. وبدت تروي له تلك الأيام كم كانت سعيدة ؟ كانت ـ قبل زواجهما ـ تنتظره في الليل، وهي تفتح درفة الباب قليلاً، تتوالى إطلالة رأسها عبر الزقاق. حينذاك.. موعد رجوعه إلى أهله.أطلّت برأسها، وهي متعبة، بعد انتظار مجهدِ. فيلوح لها عائداً. تنزوي وقلبها يضطرب. يقترب وقع قدميه. مكثـت مختبئة، وقلبها ممعن بطراده. تتذكر كم كان خجولاً. كانت تنتظر أن يقول شيئاً. ثيابه.. تكاد تلامس وجهها.. النسيم الذي تحدثه ثيابه يداعب وجنتيها. لم يعطها شيئا غير ذلك.. واظبت هي في مكوثها. عازمة أن تناديه لوجاء. وإنها عازمة.. أن تبوح له بحبها، ما دام لم يتجرأ على ذلك.وتقبّله، وتتحدث طويلاً معه. هويدرك ويتحسس انتظارها. وجودها. تفضحـه عينـاه، وارتباكـه الخاطف ذاك. كل ما يتمنّاه ولّودي، أن تتوقّف عن حديثها لكي يتوقف نحيبها. شاهدته تلك الليلة يطل. ظلّ قلبها يخفق. وتشتد ضرباته كلما اقترب. حتى إذا أمسى في متناول يدها، أمسكت بثيابه وسحبته إليها، دون أن تتجرأ بقول شيء مما عزمت عليه. كان وجيب قلبها قد اكتسح حنجرتها، فعسر عليها أن تقول شيئاً. ولم يقل هوشيئاً. ربما فوجئ بما حدث. فاختطفت قبلتها المهووسة وهربت إلى الداخل. كم كان خجولاً؟ كم كان وديعاً؟ لم تعطه أكثر من هذا لاحقاً. لم تطل مرة ثانية. ظلّ المسكين يتردد على الباب، دون جدوى. كانت تعجب من جرأتها تلك، هي الفتاة الخجول.كيف أقدمت على ذلك ؟ بعدها.. ابتعدت منزوية، حتى حان زواجها. كم همت دموعها ؟ رددت ذكريات تلك الليالي العذبة. كأنها تخاطبه. أمّا ولّودي فلم يقل شيئا. كل ما يتمنّاه: أن تتوقف عن حديثها لكي يتوقف نحيبها. * * * يتحسس ولّودي قعر الزجاجة، التي هي أمله في لقاء أبيه.بدت تشع بعد غسيلها. اجتاحته رغبة أن يبحر مع ألوانها. تماما كما يفعل حمّودي. عند لجوئه إلى حضن أُمه، دفن عينيه وأنفه بين ثديي والدته.لا يريد أن يفقد ما يتراءى له. هويريد أن يشاهد أباه.يريد أن يشاهد أُناس السماء.وبحر السماء. وعالم السماء. قالت أُمه : ـ هل ما زلت تبكي ؟ قال : ـ الصدق يا أُمي... ؟ قالت : ـ وهل تكلمنا الكذب ؟ قال : ـ الصدق.. إني أبكي من أجل أبي. أنا ما زلت صغيرا.وأُريده أن يداعبني ويبكيني. أن أراه في أي زاوية من السماء. قالت أُمه ـ الحق.. طلبت حقّك يا بني. هل أبخل عليك بشيء؟.. إذن اذرف دموعك على نحري. ذرف ولّودي دموعه على نحرها بغزارة، وانهمرت منزلقة إلى برزخ الثديين.انبهرت عينيه من ذلك الوميض الساطع. سمع صريراً لأَضلاعها. أبصر صدرها يُشرّع على سعته. تناولت الأُم قلبها ورئتيها، وقالت لولّودي كأنها تتكلم وهي نائمة : ـ خذهما بين يديك. قال باكياً: ـ هل بوسعي أن أقتلك؟ قالت: ـ لا.. إنهما منذوران إليك دائما. رفعتهما بين يديها.. فتألّقا..إنشق القلب على سعته، وأطبق على أضلاعه بين دفتيه. والرئتان التصقا على ذراعيه، فتحوّلتا إلى جناحين وقالت: ـ هيّا.. حلّق إلى أبيك وبلّغه اشتياقي. قال : ـ أنا اجهل محلّ إقامته..؟ قالت: ـ قلبي دليلك. * * * حلّق ولّودي، في سعة الفضاء، ذوالأطراف المترامية، مستأنسا بهدوئه وسكينته. يتحسس الدفء المنبعث من قلب أُمه، والقلب يهمس: ـ هل تحس بالبرد ؟ بالخوف؟ قال ولّودي: ـ أنا لم احلّق سابقاً. أنا لا أعلم عن كل الأشياء التي في السماء. أنا لم أشاهد بحر السماء، سوى ما أخبرني به حمّودي. أهي باردة ؟ دافئة ؟ لا أدري. همس القلب: ـ هل تحتاج دفئاً يا عزيزي؟ قال : ـ سنرى إذا كنت أحتاج، لكني أخشى السقوط، وأرجوأن تمسك بأضلعي. قال القلب: ـ لا تخشى، أنا معك. المهم أن لا تتعجل.إننا ماضيان دائماً. تلاشى ولّودي بين النجوم. السماء واسعة جداً النجوم باسمة دائماً. برك كبيرة من النور، يغوص بها دون أن يغرق..إنها تفيض دفئاً. لاح له صبية وصبايا يغطسون بتلك البرك ويعومون. هل هم يغتسلون ؟ قال ولّودي : ـ السلام عليكم يا حلوين. قالوا : ـ وعليك السلام. قالت صبية مجنّحة : ـ ما اسمك أيها الأرضي ؟ قال : ـ أنا وليد، وأُمي تسمّيني ولّودي. قالت : ـ هل أبقيتها وحيدة ؟ من المؤكد.. إنك قادم لزيارة أبيك ؟ قال : ـ هذا صحيح. أنا جئت لكي أتفقد أُموره. من الصعب أن يكون بعيداً، ولا يسال عن ابنه، البعد قاتل. قالت الصبيّة: ـ وبعد؟.. ستعود إلى أُمك؟ قال: ـ بالضبط. هل هؤلاء إخوتك؟ قالت : ـ إننا إخوة في عالمنا هذا. هل تريد التعرف عليهم ؟ قال: ـ مرحبا أيها الأولاد.. يسعدني أن أتعرّف عليكم. قالوا : ـ أهلاً ولّودي. كيف وجدت الأجواء هنا ؟ قال: ـ أُو...........ه، لا تسألوني. لوشاهدتم ما أنا قادم منه، من رداءة الحال لعرفتم الإجابة. مع إني جئت.. لأتفقّد أبي. فقد تركنا في وضع سيّء. قال آخر : ـ هل تنوي.. أن تلعب معنا الاغماضة والختّيلة؟ قال ولّودي : ـ يؤسفني ذلك يا إخوان. أنا في عجلة من أمري، وأخشى أن يدركني الظلام وأنا في الطريق.فوقتي محسوب. إذ علي أن أُشاهد أبي وأعود إلى أُمي، لأن قلبها معي. ضحك الجميع، قال احدهم: لا يوجد ظلام هنا. إن هذا العالم مليء بالنور. قال ولّودي : ـ إذن أرجوأن تسمحوا لي بمغادرتكم، عشرتكم جميلة.. لكن وقتي لا يتّسع.. وداعاً. قال أحدهم : ـ هل تحتاج إلى مساعدة؟ قال : ـ شكراً.. فمعي قلب أُمي ورئتيها. * * * التقى به ملاك ذهبي فنادى عليه : ـ أهلاً ولّودي.. هل أتعبك الطريق؟ قال ولّودي : ـ حيّاك الله أيها الملاك الذهبي، أنا لم أتعب. ربّما تعب قلب أُمي ورئتيها. قال الملاك : ـ أرجوأن يساعدها الله، فهي حقاً أرهقها الوقت. لكني : أرجوأن يفرحها وصولك. إن عليّ بأمر الإله، الذي آلمته تضحيات الأُمهات، أن أُوصلك إلى أبيك.. أليس كذلك؟ قال ولّودي : ـ لكن قلب أُمي دليلي. ضحك الملاك الذهبي وقال : ـ ولكن ألم يكن من المعيب..أن تبحث بمفردك؟ إذن لمن وجدنا الإله في هذا العالم السعيد؟ ألم يكن.. هوالذي كلّفني برعاية سفرك؟ لم يجب ولّودي، فمضى مع الملاك، وتذكر صديقه حمودي، الذي اعتاد كل ليلة أن يتداول حكايات الأمسيات، عن الأقمار المتألّقة، والأماني الحلوة. وللآباء بملابسهم الملكوتية. ألآن.. يشاهد ولّودي ما أجهد عينيه بالتمعن.. عبر شظية الزجاج الذي علّمه حمودي وهويهتف به: ( هذا هوطريق الجنة. تعال وشاهد أباك. تعال واغرف من هذه النعم. ألم يكن الشوق إليه.. قد امتص نضارة خدّيك ؟ ). قال حمودي لأصدقائه واحداً واحداً: ـ إننا جميعا سنبحر ببحر السماء. إن عليكم جميعاً أن تتعلموا بأن الإبحار..مصير الجميع. من لا يعجّل ويتعلّم.. لن يجد له فسحة وقت من المكتظين. قال الملاك الذهبي : ـ بماذا أنت منشغل يا وليد؟هل أنت جائع ؟ أتأكل من ثمار الجنة؟ جلب له وِلْدان الجنّة.. إناءاً بلّورياً مليئاً بثمار الجنة. أكل كفايته. قال له الملاك : ـ أتريد أن تسافر بالزورق البلّوري.. وترحل طائراً؟ ألم تدع رٍئتي أُمك يستريحان؟ * * * يهبط به الملاك.. حيث الساحل بأشجاره المتراصفة. بخضرتها الزاهية. وأوراقها كأنها مرايا. ركبا الزورق القزحي. انساب في بحر السماء. شراعه الزجاجي يلم الريح الزرقاء، ماضياً إلى أمام.ألأسماك الملونة تنط من عمق المياه.حوريّات البحر تصنع مراوح لؤلؤية، نسيمها العطري يضوّع. ينثرن كرات درّية، وحبّات لؤلؤية. كلاب الماء تحصد أزهار المرجان، وثمار البحر. الزورق ينساب وسط أناشيد الملائكة.المحتفين بالابحار للوافدين. يغرف لهم الملائكة، بأيديهم ماء الشمس.فيشربون ويرتوون. يأكلون خبز الأقمار. ويزيّنون جباههم بأكاليل النجوم. ألأيام قضوها بلا حلكة ليل. الظلمة تلاشت. الجوع تلاشى. الخوف من السعالي والشياطين وملك الموت تلاشى. ألأحزان ولّت أدبارها. اختبأت في ثقوب الليل. ألأقمار والنجوم أزاحت عتمة الليل. ألأمهات تناثرت أرديتهن الحالكة السواد كالعهن المنفوش.وانغمرن بالألق الوردي.وتوالين عائمات، بأجساد ملائكية. ناصعات كالعاج المشرّب بطيف وردي.. فنضحن عطراً وطراوة. وفترت شفاههن عن ابتسامة ساحرة. والعيون.. تلقي بمرحها بسخاء مفرط.ثم ارتدين ثياباً متألقة الأزهار. وبسطن أقدامهن ألوردية فوق مباهج الجنّة. انحنت الملائكة أمامهن إجلالاً. هتف ولّودي بصوت عالِ : ـ هل هذا كثير على الأمهات؟ إذا لم تكن الرقّة، والثياب المزدانة بالنجوم والأزهار لهن.. فلمن تكون ؟ يلوح لولّودي صرح النور. العالم غارق بالنور. كائنات بحر السماء كلها تضحك.فتختنق وتستلقي على قفاها فوق لجين البحر. ألألوان.. تتعانق مع بعضها، وتبكي من الفرح. ألابتسامات.. تحلّق كالنوارس البيضاء.تدفع بهن ريح الحب، والعشق والإقتران. والدأب إلى الوئام. والسعادة والضحك كثير. امتلأت رئتاه بالضحك.لعلّ أحداً يكذبه لوقال : ـ إن الضحك بقدر كثبان الرمل، بل وأكثر.بكثير. الضحك لا يعوزه.. سوى الكثير والكثير من البشر.، لكي يغمرهم ويجعلهم يموتون ضحكاً. السرور.. باستطاعة الطفل : أن يحويه باليد والقدم. فائض إلى الحد الذي يدعه يلهث وراء الجميع، ويلتمسهم قائلاً : ـ أفديكم بروحي، لا تدعوني وحيداً. أوليس لديكم أولاد آخرين بحاجة إليّ؟ ألتمسكم أن لا تتركوني.. إنني على استعداد.. أن أكنس أحزانكم بيديّ هاتين.. أرجوكم.. أرجوكم. كل شيء متوفر دون عناء. ألأشياء البهيجة،النائية بارتفاعها عن الأرض كاد يقتلها الكساد. إنها تبحث عن القرين... مثل النساء المترمّلات. علب حلوى بحرية. ملابس من ريش زاهي الألوان.كتب تتوهج.أقلام بمختلف الألوان.، دمى صاخبة، تقفز من الماء وتنط على الزورق. فيتحفّز ولّودي لكي يهتف بأعلى صوته ( ها، ها،ها. هو،هو،هو.. كليب الماي.. تشرب حليب لوشاي ؟ ). فيجيبه الصدى ( شاي ). يردد ويضحك. يمتلِيء الزورق ضحكاً.يتمنى ولّودي أن يهديه لصديقه حمودي. ولكل الأطفال. ولودي لا يعرف الأشياء المحايدة. لماذا لا يرى القزحيات بألوان متطرفة ؟ ألأزرق.. فيروزي برّاق.والأخضر سندسيا متألّقاً. والأصفر جذاباً. والأحمر قانياً. والأسود حالكاً. والأبيض ناصعاً. والضحك أبيض.. أبيض كالقطن. ولودي لا يميل للألوان الرمادية. زهق من الألوان الرمادية.ولا يعرف حزناً حيادياً. آخر الحزن.. ألألم.. البكاء. فمادام الحزن متطرفاً.. لماذا لا يتطرف الضحك. أخيرا وليس آخراً.. رسا الزورق عند ذاك الصرح النوراني. الصبية والصبايا المجنحون.. يتعانقون. أكلوا من فاكهة الجنة. أكلوا كفايتهم وتقاذفوا ببعضها. شبعوا حتى تلألأت أجسادهم كالكرستال. هتف ولّودي بأعلى صوته : ـ كم هذا وافر هنا يا إلاهي ؟ كم هذا رخيص هنا يا إلاهي ؟ كم هذا مدهش يا إلاهي ؟ لما ذا لا نملك مثل هذا؟ إغدقها علينا هناك يا إلهي. غايتهم أن يصلوا إلى الثريا. عثروا هناك على الآباء. ألآباء عمالقة نورانيون. عيونهم متألقة. خدودهم متوردة لحاهم كشرائط ذهبية. شاهد ولودي مع الأولاد الوافدين إلى السماء مدينة مترامية، مضاءة لا حدود لها وقف الآباء في مدخلها صفاً، ينضحون نوراً وعطراً. عجب ولودي وأصدقاؤه : إذن لماذا تبكي الأمهات؟ عرف الأولاد آباءهم. شاهدوا العناقيد الذهبية متدلية، من عروشها. والبرتقال الذهبي. والتفاح خد وخد. قبل أن يتقدم إلأولاد إلى الآباء، تقدمت الحوريات، صبايا مجنحات شفّافات. رافقن الوافدين إلى آبائهم أَلقَينَ بهم ضاحكات في ترع النور. فتـقافزوا بوجوه وأجساد كرستاليّة. قسم منهم وجدوا آباءهم. قسم ما زالوا في طريقهم مع الملائكة المرافقين.قالوا لمن لم يصل بعد إلى أبيه : ـ صبراً يا صغار تريّثوا قليلاً، ما زالت أمامنا جنائن هائلة، سنصلها بعد حين. حلّقوا فوق النجوم. والحوريّات تنثر فوقهم شرائط من نور النجوم. ولودي حلّق مع الملاك الذهبي. مرّوا فوق قصور الجنائن. شاهدوا الأنهار، التي استضاءت بلون فضي. والطيور تحلّق جماعات وأفراد. نسى ولّودي الحزن. لا يدري لماذا كل هذا الفرح.نسي أيضاً: أن ينتبه إلى قلب أُمه، الذي وفّر له الوقت : أن يغرق في ألأفراح والمسرّات. إنه فقط.. تمنّى أن يرافقه حمودي، لكي يتمتعا معاً بهذا كلّه. ولودي قال للملاك : ـ هل بوسعي أن أُغني وأكون مرحاً ؟ قال الملاك : ـ افعل ما يحلولك. فالفضاء رحب جداً.ومرح الأطفال يسعده. هتف ولودي: ـ عا.........ن. عا.........ن. ون......ون...... طررررررر. دُبّا......ه. قال الملاك : ـ ما هذا يا وليد ؟ أنت تقـاتل مـن؟ السمـاء ؟ الملائـكة ؟ الحوريـات؟ الضيـوف؟ الشهـداء ؟ المـوتى ؟ قال ولودي أنا لا أقصد هـذا. قال الملاك : ـ ما الذي تقصده يا وليد ؟ قال : ـ إنني تعودت أن ألهوهكذا. ضحك الملاك وقال : ـ ألا ترى.. إن الجميع قد فوجئوا؟ لا بأس يا وليد.. أتعرف إننا نكاد.. أن نقترب من جنينة والدك؟ قال وليد : ـ هل هذا صحيح ؟ قال الملاك : ـ أترى أاولئك الأطفال المجنحين ؟ إنهم سيرحبون بك ويرافقونك إليه. فوداعاً يا صديقي. هتف ولودي : ـ مهلاً أيها الملاك الصديق.. هل غضبت مني ؟ ضحك الملاك وقال : ـ أبداً يا عزيزي. ولكني مكلّف بمرافقة آخرين جدد. فواجبي معك انتهى. * * * تَلَقَفَه أول طفل مجنح.. عانقه، وحلّق به بعيداً. المجنّحون الآخرون طاردوهما ضاحكين.طوّح به المجنّح الأول، وقذفه بكل قوته إلى الفضاء. سمع قلب أُمه يستغيث : إبني.. إبني.. ألله رعاك، أسم الله رعاك. قال ولودي وهومستغرق بضحكه : ـ لا تخشى شيئاً يا قلب أُمي.. إنهم يمرحون ويعبثون معي. ليس هنا أَرضا أرتطم بها. إنها سماء على الإطلاق. قال المجنح الأول : ـ أتدري يا ولودي، أين هووالدك ؟ قال : ـ أين ؟ قال : ـ في تلك البركة النورانية. قال ولودي : ـ أي بركة!! أية بركة تلك ؟؟ قال المجنح : ـ إنه يستلقي، باستمرار. إنه لم يزل يشعر بتعبه السابق. هبـط الأطفال الكرستاليون، بين دروب أيك النـور. اغتسلوا كما تغتسـل العصـافير في ينابيع الضوء. تصافحوا مع طيور الجنة، التي هبطت توّاً، وهي تقول لهم : ـ نعيـماً.. نعيـماً.فيجيبونهم : ـ أنعم الله عليكم. قال طير ياقوتي لولودي :: ـ أنت في زيارة لأبيك.. أليست هـذه وجهتك ؟ قال : ـ كيـف عرفتـم ؟ قال طير الجنة : ـ كيف لا نعرف ؟ منـذ أن منحتـك أُمـك حشـا صدرها.. عرفت الملائكة والطيـور. * * * كان الأب يرقد في بحيرة النور. ما أن شاهد ولودي، حتى لوّح له بيديه مرحبـاً : ـ جئـت يا بـني ؟ قال ولودي : ـ جئت يا أبي. كيف أحوالك يا أبي ؟ قال الأب :.....حسنة. حسـنة يا ولدي. ها أنت كبرت. ما الذي أوصلك ؟ قال : ـ قلب أُمي ورئتيها. قال الأب : ـ كيف فعلت هذا يا بني ؟ لقد أتعبها أبوك من قبل، ولحقت أنت !؟أخشى أن تكون قد كلفتها كثيراً.بدأ ألأب حزيناً. قال : ـ قرّبهما إليّ. ضعهما في متناول يدي........ه كم أنا متلهّف؟يالها من منكودة الحظ. كم كنت أتلافى ما يحزنها ؟ بكى ولّودي. قال ألأب : ـ لا تبك. دع البكاء. أنت رجل. قال وليد: ـ أنا لست رجلاً. أنا طفل. هل أنت لا تطيق بكائي يا أبي ؟ ألا تعرف.. ما فعله غيابك بحالنا ؟ قال الأب : ـ وماذا ينفع علمي ؟ ليتني لا أعلم ولا أحس. كيف أنت ؟ اقترب مني ودع البكاء يا وليد، هذا لقاء جميل. قال ولودي وهويبكي : ـ إذن لماذا لا تبتسم يا أبي ؟ ألا يفرحك مجيئي ؟ قال ألأب :......ه يا لي من هذا النسيان. سأبتسم حالاً. هذا من حقك يا عزيزي. كيف فاتني ذلك ؟ ! أنت جئت من أجلي أليس كذلك؟ إذن كيف لا أبتسم ؟......ه يا ولدي. من غير الصحيح.. أن يلتقي الآباء بأبنائهم دون ابتسامة. ظل الأب يتململ وهويبتسم : ـ هل راقتك ابتسامتي أيها العزيز ؟هل هي ابتسامة جميلة ؟ إنها ابتسامة رجل ميّت، ولا يستطيع النهوض. قال ولودي : ـ هل هناك أجمل من ابتسامة الأب ؟ ما الذي تريد أن تفعله يا أبي ؟ قال الأب : ـ أنا أُحاول أن ألاقيك قاعداً. فليس من عادة الآباء أن لا يحفلوا بأبنائهم. من عادة الآباء.. أن يستقبلوهم بين الأيدي. ويلّقون بهم في الهواء ويكملون بهم استدارة كاملة.. لكني لا أستطيع. لقد ثقبوا صدري على سعته. فتح الأب ذراعيه، وألقى ولودي بجسده بينهما.لكنه ركس في عمق صدر أبيه. قال ولودي : ـ ما هذا يا ابي ؟ ؟ ضحك الأب وقال :....ه. اه، أه،أه.....ه يا ولدي العزيز ما الذي فعلته يا ولدي ؟ألم تسمع بالمطوى ؟ لقد جعلوا صدري فارغاً كالمطوى، لإختراق كلاب السيرك، ولا شيء آخر. قال ولودي : ـ إذن لم يبق لديك من حشا ضحك الأب : ـ أه، أه، أه. تماماً يا شاطر تماماً. همس قلب الأم : ـ إذن خذني والرئتين أيها العزيز. قال الأب : ـ أسفي عليك أيها القلب، أسفي عليك. أي شيء أبقيته لديها، حتى أغتصب قلبها ؟ في كل ليلة.. حيث يهيمن الحزن.أبعث بروحي إلى هناك، لكي أتفقدكما،فيصيبها الغم وتعود. كيف لي أن أُسعد باغتصاب ما تبقى لديها ؟ حوى الأب بين ذراعيه القلب والرئتين ووضعهما في فراغ صدره وقال :...ه أيها التعسة. كم هوشقاؤك كبير ؟ما الذي جنيته من زوج لم يبر بوعوده لإسعادك ؟يا له من خبز بائس.يا له من رغيف خبزتيه على دخان البارود والحرائق. يا لها من حياة زوجية بائسة. راحت كفّاه تلامس شغاف القلب والرئتين، ملامسة رقيقة. والقلب يلوذ نابضاً في ذلك الخلوالصدري. :.....ه أيها القلب الحزين.. كم هوشقاؤك كبير ؟ اغرف من جزالة الهموم، فهووافر حد التخمة. هل تصورت الزواج نزهة جميلة ؟هل تصورته مفروشاً بالورود ؟ وا....أسفي أن تظهرني المحنة.. كأني ناكث بوعدي وغادر.لوكنت مخيّراً بأمري، لضمنّت عقد الزواج عهداً: أن لا أخفي عنها أمراً.. كي تختار طـوعاً وبملء إرادتها، ذلك الطريق الموجع الذي انغمرت فيه، وا أسفاه. خذف القلب كالنفيضة. كالذبيح. والرئتان يلتصقان على أضلاعه قال الأب : ـ ما الذي أصنعه الآن ؟ وكنت مثل ملاك. كنت ذوخيال رهيف. لأجمل ما يتخيله العشاق. أحلم باقتناء عربة من العسجد والفيروز. مثل عربة ساندريلاّ. لأجمل زوجة. أجري بها بين النجوم. أملأ هاتين الرئتين بالعطر والنور. يا إلهي.. إن الأماني.. لا تجد لها فألاً حسناً.فالقدر يأتي بالرياح الهوجاء ويحطم كل شيء. كم كانت الأمور تبدويسيرة ؟ يا إلهي.. هل هناك حب متعب مثل حبنا؟ * * * كان زواجنا عرساً في كل ليلة. وسفراً إلى معالم مجهولة. كنت أرفد خيالها بمعالم لم تسمع بها ولم تشاهدها، من مدن مجهولة. وأسماء لم تألفها. والمحبون الغرباء، والغابات التي ظلّت بها ساندريلاّ طريقها. أقرأ لها بصوت رخيم وأُغني. كأني أنزف دم قلبي، مثل عصفور ذبيح.كانت تنشدّ بشغف إلى فمي. منبهرة بحكاياتي. فأستحوذ على قلبها وأنطلق بها، عبر حكايات ألف ليلة وليلة. كانت تتألّق عبر غنائي وحكاياتي. انغمرنا بكاملنا في أُمسيات سهلة، لذيذة. اختطفنا ثمارها مقدمـاً. واقتنعنا : أن ذلك يجعلنا مُطمئنين أن نحيا بسلام. هنيئاً لي على بحبوحتي وآلامها... آ..... ه. في تلك الليالي.. كنت قد صوّرت نفسي بطلاً. هيّأت نفسي أن أغريها بالسفر بين النجوم في عربة سندريلا. أصنعها بجهدي، من أصداف المحار والعسجد والفيروز.ينطلق بها حصان مجنّح فتستلقي مثقلة الجفون، تنغمر في ذلك الخيال، في رحلات سندبادية، وأُحلّق معها وأُغني. كم كان استلقاؤها رائعاً، ويداها تحت رأسها، كم كان يغريني أن أُغني ؟كم كانت تلك الابتسامة مُكتظة بالخيال والأحلام الوردية ؟ ما الفائدة؟ في ذلك اليوم.. كنت ملزما أن التحق بوحدتي. كان يوماً ثقيلاً. أثقل قلبي بالحزن. همّه افتراقي عن حوريّتي، وجنينتي، وابني. من أين لي أن أعلم بفراقي الأبدي ؟؟ آنذاك.. قرفصت باكية حزينة، ووليد يستلقي أمامها. ولم تكن مقتنعة : إنني قادر على ملْء قلبها بالسكينة والأمان. سهرنا تلك الليلة. كان الأرق سيّدها. لم تقدر أن تستقر إلى إغفاءة. فقضت هي ليلها مسهدة. كأنها..لا تريد أن تفرّط بلحظة واحدة. كأنها تعرف مآل المصير. وكان وليـد يستلقي بسلام ووداعة. لا يدري جسامة المصائب. كان السلام يستقر في محيّاه. لا نـار ولا دخـان. نور الصباح ينعكس على صفـاء وجنتيه وشفتيه. فنام بنفس هادئة. كان النوم.. مثل أُم رؤوم، احتواه بين أحضانه وأغرقه بمواساته. فـي تلك الليلة، قبّلته وهوغارق في أحلامه. كـم كان جميلاً؟ كانت الأشياء الجميلة التي وفّرتها له، قد حفلت بها الغرفة. دمى ودرّاجة صغيرة و(خراخيش). وأشياء بألوان جذّابة. أدوات موسيقية، صور.. ترمز إلى أطفال جنّة يحومون حول أُم. لوحات مدهشة لغابات مليئة بالحيوانات الجميلة. وزوارق بلّورية.كنت مسحوراً بمثل هذه الأشياء. كنت أحلم أنا نفسي : أن يعيش ولدي، ومن يمكن أن تنجبهم زوجتي بأجواء جذّابة كهذه. لكن البهجة غاضت في تلك الليلة.أمست تلك الأشياء لا معنى لها. كأنها مستقبل كاذب. وإنني قد أفرطت بصناعته. بل واعتقدت إنني أفسدت على زوجتي رؤية واقع الحال بشكل أوضح. لكي لا تكون المفاجئات مؤذية. يا لها من خسـارة.................... كُتِبَ عليك أيها القلب المنكود، وعلى وليد.. أن تعودا خائبين. لم أستطع أن أُوفر لكما ما يُسعدكما، سوى نصيحة قد لا تروق لها. لكن.. عليها أن تتجرعها....فمثلها.. ليس بوسعها أن تنتظر ثمار المستحيل. فانا لا عودة لي قطعاً. إن هذا ليس بمشيئتي. وليس بوسع قلب واحد، أن يتحمّل آلام جسدين. بل يصعب على قلبين أن يتحمّلا آلام جسد واحد. إنني أنصح بما حلله الله أن لا تنتظر عودة من مات.إن الوفاء لحياتنا تلك، تستلزم تضحية من نوع آخر: أن لا تعيش امرأة وحيدة. كل ما أوصي به : أن تعتني بولدي... كي يحمل اسمي. أما هي فعليها، أن لا تظلم نفسها. بكلمة واحـدة: أن تتزوّج. * * * لكنـه لاحظ.. أن الرئتين انكمشتا كالإسفنجة، وإن القلب ذبل. وإن عينا وليد تذرفان الدمع..ويكاد أن يتفتت كبده من البكـاء. قال الأب : ـ حسـناً.. حسـنأً. لقد قلت ما كان يؤرقُني. كنت أعتبره قيداً يغلُ عُنُقي. الآن.. قلت ما ينبغي أن أقوله. وما تبقى إنما تقرره هي.كل ما قلته، لكي لا تُقتَل يوميّاً عدة مرات.الحياة ما عادت أليفة كالسابق. إذن.. فلتتهيّئا وترحلا سأكون باستمرار قريباً منكما. تذكر يا وليد.. ليس لدي ما أصنعه سوى هذا.سوى ذوي كبدي وعصارة روحي. تعال يا ولدي وقبِّل أباك. أنت ترى : إني أرقد في بحيرة من النور ودائما بجانبي أرواح هُيّئت للسلام.فالأشياء هنا مواسية. الشيء الذي الذي يعوزني : أن تتهيّأ لكما حياة كريمة.وإني ساطوف عليكما بالأحلام. تقدم وليد وقبّل وجه أبيه وقدميه ويديـه.وذلك الفراغ الصـدري المحزن.وقال : ـ لا تتأخر عنّا يا أبي.. إن بيتنا موحش. قال الأب : ـ إني أود أن أراك رجلاً. أعطني وعداً أن تكون كذلك. فعندما لاتفي بوعدك، سأكون حزيناً. اقترب لكي أُثبّت جناحيك. التصق القلب والجناحين في موضعهما. نظر الأب إليهما بِابتسامة مواسية.، وتلمَسهما بيدين مُرتعشتين.، كأنهما تبكيان وقال :ـ وداعـاً... الحياة.. يمكن أن تعتاداها. كانت عينـاه، يجهدان أن يتماسكا. ظل جناحي وليد يرفرفان بقرب وجـه الأب.. روّحـا له نسـيماً فردوسياً ثم ودّعاه وتلاشيا في هبوطهما نـحوألأرض.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |