|
قصة قصيرة قصص منفضة الذاكرة رحاب حسين الصائغ
(1) منفضة الذاكرة وضعت أنامل النهار ومشاهدهِ في زوايا المنزل، اتجهت مع ابنها توصله المدرسة، تاركة صغيرها في المهد نائم، تمرغت خيوط قلبها بما فات من أول أيام زواجها، بينما هي عائدة للبيت تثاقلت خطاها؛ وانحازت عن الرصيف إلى الشارع، والد طفليها الذي أخذه انفجار عابث قرب مكان عمله، خلد لها تلول من الحزن والعذابات؛ لم تتركها لحظة بدون ألم، عند الباب وقفت متوجه نحو الشمس تخاطب غرورها الحارق الذي يحطم قراراتها الخارجة من قلبها الطري، أمسكت بحنين هاجمها بعنف لفراق تربة الاجداد، تتنازعها مفاتيح الحياة في الغربة، غزلت خلاياها المنسحقة، لأنها لا تحب البكاء على الغروب، مع كل فجر يداهمها نفس السؤال: من اجل من تسقط أوراق الشجر؛ مع انه الشروق آتي في الصميم.
(2) وهم القهوة تعلم منذ الصغر؛ صباحاً.. فتح الستائر سقي الزهور.. ثم الجلوس قرب طاولة المطبخ الصدئة، فارق سن الشباب وامه التي كانت ظله الوحيد،،، بعد سن الأربعين؛ لم يفتح الستائر ولم يفارق طاولة المطبخ، إلاَّ بعد شرب قهوته وقراءة الجريدة، يبقى طويلاً مع الصفحة الاخيرة التي تملاؤها أجساد الفتيات العامرة بالشباب، بعد سن الخمسين؛ امتلاءت غرفة نومه بتلك الصور، مع أول أزمة قلبية، وآخر فنجان من القهوة، كتب في وصيته، تدفن معه قصاصات الصفحة الاخيرة.
(3) قتل البطريق البحر يمد امواجه للشاطئ دون ملل، كفؤادها المندلق نحو تطلعها لمستقبل خالي من التسلط؛ رغم معاناتها حصلت على شهادة تؤهلها للخروج الى عالم الاستقلال، يؤلمها ترك والدها العجوز وحيداً مع خريف الكشك على الساحل، الذي كانت تعمل فيه مع والدها ؛ ما صادفها من معاكسات وإغراءات تدعو للرذيلة، تحطم الكثير من اسنان عاطفتها المتأججة قرب شاطئ البحر.
(4) موت الامهات لا ماكن حتى لقدماه في الغرفة التي جمعته بأمهات الكتب، مراحل حياته ورفوفها عامرة بأجود انواع المعرفة، من العلم والافكار القيمة، ينهل منها دون شبع، والده علمه العلم نور والجهل ظلام، وبالقراءة تكتسب الاخلاق، ويعرف نور القلب ومعنى الحياة، حرصه على كنزه دفعه ان يموت ولا يعلم احد من اولاده ما تحوي تلك الغرفة، إلاَّ بعد موته.
(5) عملية هضم مثل كل شباب عصرِهِ، نتوءات التناقض التي عاشها لم تكن خطأهُ، لم يسبق ان صادفه شعور تجاه أي فتاة تتسلق فراغ عبثه، ومعها يعيش حنان الحب ويعلق صدره قلائد الامل، لم يخطر في باله يوم ان جنان ستدخل متسع قلبه المنتفخ بالمشاكل، في نظره داخله مستنقع ضحل مليء بالفشل، ولا يتم معالجته بغير السهر مع قليل من المخدرات، أدمن التفكير بجنان وعلق مشاعره اتجاهها، أخذ يخزن لحظات الشوق لها ساهراً مع طيفها، وتخمر جمال عيونها في كل احاسيسه، لكن صحراء فكره مازالت تحمل صورة احتوائها في خيمة وركوب الجِمَّالْ. (6) طرق وملامح أدمن التسول وتلون دمه بلون الكرز العقيقي، يتجول في طرقات المدينة وازقتها الضيقة بعاهته حافي القدمين، وملابسه الممزقة، جمع كثير من الملابس والاحذية والنقود، خلال فترة زمنية قصيرة لا بأس بها، ملامح وجهه البارد عاد عليه بالنفع الكثير في مهنته، صادفها جالسة منكسرة قرب حائط الجامع، أحرق قلبه صوت المؤذن، ولم تفارقه صورتها لأيام، تعود التودد عليها واغداق الكثير مما يتسول، فقدها في يوم لم يحسب له حساب، تمزقت اعصابه وتوترت افكاره واخذ الوقت لديه يتخثر، لم يعد قادر على التسول يفكر بها ويعود لنفس المكان في اليوم الواحد أكثر من مرة، ثم يعود للبيت يقلب ما جمعه في فترة تسوله، بعد زمن وجدها قرب حائط كنيسة، اتجه متلهفا اليها، طالباً الزواج منها، رفضته بحجة انها تعمل من اجل الآخرين.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |