قصة قصيرة

قصاصات
 

سحر حمزة

كانت مثل أي سيدة أو ليدي لها خصوصياتها، في هذا العالم،تستذكر الماضي الجميل الرائع مابين اللهو اللعب وما بين السعي والكد والتعب،ومثل أي فرد له تاريخ يحاول سرده بطريقة أو بأخرى لأناس أعزاء عليها،هم ليسوا من دمها لكن تربطها بهم علاقات متميزة قائمة على الصدق والصداقة في الله دون مصالح، زرعوا فيها حبهم ودخلت قلوبهم قبل بيوتهم،وعايشت حياتهم،،عرفت خفايا كثيرة من أمورهم الخاصة والعامة عادتهم وتقاليدهم،في كل صباح تتعمق بهم أكثر أصبحوا جزء من برنامجها اليومي دون أهلها من عشيرتها خارج الحدود،أكتشفت أنهم مثل المئات من الأيقونات السحرية والاسطورية التي تتفاخر بها كل أمة بما توارثته من أجدادها، في ظهيرة متلعمة، وفي ذلك اليوم الحار الذي يميل إلى مدار السرطان بكل إنحياز،خرجت عن جدول أعمالها،،أرادت أن تعاند الحرارة ويومها المثقل،نظرت للسماء وتأملت حر الشمس وأيقنت أن هذا اليوم نوع خاص يريد معاكستها كي يلقي بظلاله الضبابية على جبهتها العالية،جلست وراء مقود السيارة ووصلت إلى كورنيش مدينتها المفضلة التي تشعر في ربوعها بالأمان،، ألقت التحية على البحر وسلمت عليه،لكنه تجاهلها فكثيرون يرتادوه ومن هي كي يوقف موجه الهائج للرد عليها، تأملته بعمق وكان البحر حدقاً ينظر إليها بعمق وثقة، وهي ترقبه بعنفوانه ثائراً،مائجاً مثل قلبها الذي لا يتوقف عن الخفقان ولو للحظة،،ومابين البحر وتآملاتها به، وجدت نفسها تتعمق في داخلها المبعثر،وعادت ذاكرتها إلى الماضي كما كل البشر،،بدأت ذاكرتها، تعرض عليها ايام دراستها وهي طفلة عفوية مشاغبة وبين عشقها للعب مع الكبار وملاحظة الزوار العابرين عبر شارع المريخ الذي أسموه بذلك نظراً لإرتفاعه فوق قمم عمان عاصمة الاردنيين من كافة المنابت والأصول كما أسماهم فارس الفرسان وسيد الرجال والدي الروحي الذي توفاه الله، ووالدي بالنسب والدم رحمهما الله،،رأت جارتهم أم أحمد تناديها وشاهدت صديقتها إيمان التي كانت تلهب قلوب أولاد الجيران بجمالها وشعرها الطويل الغجري المتمرد فوق ظهرها،رأت أمها رحمها الله التي كانت أمهر الطهاة في حي الفردوس للذة الطعام الذي تقدمه لكل من وصل بيتها وحتى من إشتم رائحته عن بعد، في حي الفردوس الذي سمي بذلك لأنه عابق بسحر التآلف والمودة والمحبة،بموسيقى عذبة تنبعث من عش خفي قمة الشجرة الكبيرة الافرة الظلال،، تسكنه العصافير المغردة، وتحيط به أشجار الصنوبر،تتوسطه شجرة سنديان زرعتها السيدة أم حنا،،كانت سنابل تعشق كل هذا وكانت هي قائدة بين عشرة من الصبيان،أحبت لعبة عسكر وحرامية،ولعبة السبع طابات،كانت تقلد روبن هود في شجاعته ومساعدته الفقراء،بقيت سنابل تحدق في الأفق ما بين البحر وموجه الهائج وشرودها المسترسل في ذاكرتها،تذكرت أولاد الجيران وليد وغالب وتذكرت أخاها عمر وعثمان وعلي وبكر لقد حرص والدها على تسميتهم بأسماء الخلفاء الراشدين أرادهم رحمه الله من نوع خاص يتحملون مسؤولية أمة وليس فقط أسرة صغيرة تائهة عائمة متناثرة،،رأت أم أحمد مرضعتها رحمها الله حتى حين كبرت ,اصبحت تمشي وتجري مثل فرس البحرأو النهر وهويختال بين الانواع الاخرى من الأحياء في مجرى نهر يتدفق بعطاء بلا حدود،تذكرت كأس الحليب الذي كانت ام تصر على أن تشربه،سنابل كل صباح،صحيح ما يقال ليست الأم فقط من تلد،الأم أيضاً من تربي،،تذكرت كيف بكيت حين علمت بوفاتها،كيف صرخت تريد أن تراها وقيل أنها في الثرى،،بكيت سنابل بغزاره المشهد عاد من جديد أمامها شاهدت جدها حين وبخها وقال لأمها يجب أن تزوجيها ليس عندنا بنات بهذه الجرأة،،تبسمت سنابل وتبسم البحر لها،،حين رآها تبتسم،تذكرت سنابل كيف جمعت قصاصاتها وهي تكتب بصحيفة الدستور الأردنية وهي ترسل لمجلة الشريعة ومجلة العربي وتذكر المرحوم حسن التل وكثيرون من شجعوها في طفولتها كي تثابر وتكتب وتجتهد،كانت تقاوم العقلية التي ترى أن الفتاة يجب ان تتزوج قبل العشرين ورغم ذلك تزوجت بل أرغمت على ذلك،كانت تهزأ ممن ينجب أطفالاً بكثرة فرزقت بثلاثة توأم مرة واحدة سبحان الله،تبسمت سنابل وتبسم البحر لها،،عادت لتفتح ملف بدايتها في الصحافة كي كانت تضحي بمدخراتها كي تشتري الصحيفة وكاميرا وتذهب لتحميض الصور وتنظر يومين وأكثر كي ينشر لها بعض مما تجتهد في كتابته عنوة عن أهلها وخاصة أمها التي عارضت فكرة عملها خارج إطار المنزل إما في حضن الأب أو مع الزوج،،عاودتها الذاكرة وأدركت لماذا البحر يتمرد على البشر ويتحول إلى مائج ثم هائج وأدركت أنها والبحر توأمان من نوع خاص وكل مايجمع بينهما قصاصات ورقية سرعان ما تحولت إلى ملفات تحتاج إلى إعادة ترتيب،كانت القصاصات جزء من مسيرة عامرة والبحر كذلك يمثل الجزء الأكبر من فصول حياتها فهو الوحيد الذي تفضي له ما يراودها وماذا تريد في حياتها،،ومابين موج البحر وشرودها تيقظت لترى شرطي المرور خلفها يدون مخالفة سير عليها ذلك، لإنها تقف في مكان ممنوع،،تبسمت وقالت إسأل البحر لماذا اقف هنا،هل تريد أن تخالفه أيضاً،، أتحداك،،نظر إليها شرطي المرور بإستغراب، ثم قال: "لوأنك لم تكوني إمرأة،لكانت مخالفتي لك اشد وأكثر قسوة،،وضع الورقة على زجاج السيارة ومضى،،تناولت الورقة بيدها وقالت لنفسها وماله،،خالف تعرف، ها قد لفت إنتباه من غفل كثيراً، عمن يخالفون القانون، دون أن يحاسبو ا ثم أدارت سيارتها وعادت أدراجها وإبتسامتها لم تفارق وجهها الذي تتوشح به آلاف التعابير.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com