قصة قصيرة

ابتسامات الياسمين

مامند محمد قادر

  

اسير بطيئاَ في الطريق المؤدي الى دور محطة القطار القديمة الذي تضللهه اشجار التوت المتشابكة الهوجاء، المحطة خلت ومنذ زمن بعيد من صفير القطار وطقطقة عرباتها الثقيلة ولم تبق منها سوى آثار مواضع سكك حديدية التي كانت تدوسها اياماً اقدام العشاق وطالبات الأعدادية عند عودتهنَ الى المنازل والفتيات المراهقات من أهل الدور اوقات العصر والغروب في معظم فصول السنة وغدت الآن حفراَ وبروزاً غير منتظمة بفعل اقتلاع الناس لقطع حديد السكك وأخشابها القوية المثبّتة لها وغمرتها الاوحال والاحجار والتراب . أسير وتبللني زخات المطر المباغتة لشهر تشرين الثاني في هذا المساء الهاديء وهي تعيدني الى زمن ولى، يوماَ كانت معي في هذا الدرب المألوف بكل لحمها ودمها، وهي تتكيء هنا على ذراعي بدلال في مشية تتخللها الوقوف والوثوب، نغمض عيوننا ونواصل سيرنا لنفتحها بعد برهة على الأفق والسماء الصافية الزرقاء بعد توقف الأمطار، نحدّق في ظيور تسبح في برك مياه الأمطار الصغيرة في جانبي الطريق، نطلق ضحكاتنا البريئة ونتعثر احياناً من سكرة فرحتنا وجهلنا بما تخفيها لنا الأقدار . آه لَكم كانت جميلة ضحكاتها الخجولة، تلك الفتاة التي دخلت حياتي يوماً وفجأة وغمرتني بالسرور وأنارت بحبها احلك لحظاتي . مضت على تلك الأيام سنيناً دون ان تفارق صورتها مخيلتي للحظة . استدير الى الحديقة الرئيسية الواقعة قبالة مبنى المحطة المهجورة، اجلس على كرسي خشبي قديم، انظر الى الأشجار المعمرة الباسقة التي تحيط بالحديقة، ارسل بنظراتي الى الممرات التي تكسوها الأوراق المتساقطة والعصافير التي تصطف على اسلاك الكهرباء والأغصان العارية، وهي تتجدد فيَ بوجهها الطري وسحرها الابدي وتغمرني بضحكاتها العذبة، تلك التي تفوح منها رائحة الحضور، دون ان تشوبها الأيام ودون ان تؤثر في عنفوانها السنين ...  

  

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com