رمزية شاعرة....ولكن
سنية عبد عون رشو
تتنقل بين مقاعد الدرس...تتحدث
كخبيرة بعلم النفس .. كأنها حورية خرجت توا إلى شرنقة الحياة
.. تسحرهن
نبرات صوتها الرقيقة وهي تهمس بقصائد الشعراء العذريين خلال
درس الأدب...وجهها المشرق وجرس صوتها الحالم يمنح روحهن نشوة
غريبة وبهجة..
حيويتها متجددة ...في كل يوم .. بعد أن تجتاز عتبة غرفة
الدرس.... كأنها تقابل تلميذاتها لأول مرة ....تتحدث عن الشعر
وتجربتها معه ...تتنقل بموضوعاتها بين درسها في اللغة العربية
وما تطرحه من أفكار خارج سياق الدرس بطريقة خاطفة وسريعة
...تمتلك لباقة وتفاؤلا غريبا ...... فهي تقترب من ميولهن ..!!
ترفع شعرها من الخلف بينما تسدل خصلة منه فوق وجهها لتغطي جزءا
منه.....بين جملة وأخرى تردد
( عيوني صديقاتي
طالباتي....)
تقول إنها مولعة بالتجربة الشعرية الحديثة وإنها تكتب الشعر
الحر الحديث وتشرح لهن بتبسيط شفيف معنى الحداثة في الشعر وفي
الأدب عموما رغم ان ذلك لم يكن ضمن مفردات المنهج ...لتسألها
إحدى طالباتها...أ لك قصائد منشورة ...؟
تتنهد ثم تسبل عينيه... كطفلة غنجه ..لا أحبذ النشر في الصحف
لكن.....ربما سأطبع مجموعتي الشعرية بكتاب مستقل ....ستقرأنه
فيما بعد....!!!
كنت إحدى طالباتها في المرحلة الإعدادية .إنها ...ست رمزية
...الوافدة الينا من بغداد ... تحمل إلينا أحيانا الكتب
الأدبية ...تسمح لنا باستعارتها
إضافة إلى كتب المكتبة المدرسية ....
حدثتنا عن شعراء لم نكن نعرفهم في تلك المرحلة .
تتساقط علينا مفردات ثقافتها كقطرات ندى على زهور فتية ...تولد
في نفوسنا لحظات من الطمأنينة والمتعة والزهو .....ربما سنكون
مثلها ذات يوم ..!!
لم أنسها أبدا ....لم تغب ملامح وجهها ورقتها عن مخيلتي ....
تمتلك رؤيتها الخاصة بأي موضوع كنا نطرحه ...تعلمت منها الكثير
تعشق اللون الأبيض ...و أكثر فساتينها منه .. أناقتها تشي أنها
ذات ذوق فني رفيع..كنت أحرص ان اقطف لها
وردة بيضاء في الأيام التي
تكون محاضرتها هي الأولى بين الدروس. فتأخذها مني بابتسامة
حنونة..دون ان تتكلم.. ابتسامتها تعني الكثير..
تميزت بضحكتها الملائكية ....لكن . لا نصيب للملائكة ..ولا
الطيور .في قفص الصيادين ....فهي أخت المغيب كما
الشمس....وقصائدها . التهمها تنور أمها الفخاري ...! ذات
فجيعة......خفافيش العتمة . تكره الطيور المحلقة قبالة الشمس .
التقيتها بعد أعوام.
.لم تعرفني ....!!! لكني هرعت إليها ...كطفلة تعود لأحضان
أمه..أخبرتها إني مدرسة للغة العربية.. مثلها .لم تعد تلك
الزهرة اليانعة ....حتى في ملبسها .فقد غلبت عليه الألوان
الداكنة ...بلا عناية .!!..
سمعت ..... أنها لم تتزوج. ولم تنشر قصيدة. بل أنفقت سني عمرها
منشغلة بأولاد أخيها الذي ضيعته الحروب..
ذكرتها ...بأيام المسيب....ولازمتها ( عيوني الطالبات ) ..و.
حلمها بنشر ديوانها ..جرأتها ..تفاؤلها ....لم تبتسم كعادتها
.. .أشاحت بوجهها عني ....ساد صمت بيننا ..مسكت يدي .. ثم همست
.. .دعينا نجلس
تهربت مني ثانية حين سألتها إن كانت قد تزوجت أم لا ...
والحقيقة التي تؤلمني ....إني لم أجد الست رمزية .....بل وجدت
امرأة أخرى..!!!