العربة
سنية
عبد عون رشو
حنيني إليك
زخات مطر
يذكرني بحزن عينيكِ
هديل يمامة
في الغبش جلس عند ضفاف الفرات ... يتأمل خيوط الفجر ذاوية أمام ضفائر شمس الصباح....تبهره ترانيم عنادل فوق شجيرة بقربه
تضعف رؤية عينيه فيعود أدراجه.....إلى داره ......لا أحد في انتظاره....!
الغموض يشوب أيامه ولياليه ...ساهما تراه ...وأحيانا وفي أيام الصيف تجده يعوم في نهر الفرات
مبتهجا ...لكنه يحذر التقرب من الآخرين
ربما......تسألني ...أمجنون....أم حكيم.....؟؟؟
سيكون جوابي حائرا......أنه مجنون بثوب حكيم ... أحيانا جنونه مطبق وأحيانا تراه رجلا اعتياديا.....أما
الحقيقة.....فهي سَر لا يعرفه سواه....!!
يتناول فطوره وحيدا....صامتا....لايبدوانه نادم على شيء مضى ..... لكنه يتمنى بداخله نسيانه.....أو إنه يكره فكرة التقصي عن أسرار حياته أمام الآخرين....يتأمل ماحوله بصمت ....سجينة بداخله الكلمات....تحذر الانفلات ربما ....يتوسلها أن تخرج كي يعرف نفسه ....من هو...؟؟...... من أين أتى.....؟؟......ذلك سرّ لا يعرفه حتى هو .....!!
عربته الخشبية وحدها تحظى باهتمامه......ترتفع منها أربعة أعمدة خشبية تربطها أسلاك متعددة الطوابق....ينشر فوقها قصاصات قماش مختلفة ألوانها يغلب عليها اللون الأخضر ......يعلق بداخلها صور ا لأولياء وبعضا من المرايا ..... أرضية العربة مفروشة بقطعة خضراء اللون .....ينشر فوقها الحرمل والبخور ........فارقته التي يحن إليها .....لا يفارق وجهها مخيلته ....فارقته منذ سنين .......وها هو يكابر الزمن .....الحياة والموت ... سيان لديه .......حين تمر أمامه جنازة ....يخاطبها ...هنيئا لك
لكنه ....يبتسم وتنفرج أساريره حين تمر أمامه امرأة حسناء ...!!
يبكر في خروجه يدفع عربته ....التي ترتفع أعلى من هامته .مواصلا سيره من الصوب الصغير الذي يقطنه .....إلى الصوب الكبير ....لا يبيع ولا يشتري بهذه العربة المزركشة .....يركنها عند أحد الأرصفة ويجلس قبالتها في مقهاه التي تعود ارتيادها ... صامتا ....تلك خصوصيته التي عُرف بها العم
صابر... لا أحفاد له... ولا أبناء .....!!.. تعرفه الأرصفة كلها... وجسر المدينة الأخضر.. تعرفه نساء المدينة والرجال.. والأطفال...
يرد تحيته لمن يلقي عليه سلامه ... بحركة رأسه أو يرفع له يده ..و.أحيانا يتجاهل الأمر كأنه لايعنيه ....!!
نظيف هندامه ب( دشداشته) ذات اللون الرصاصي ....يعتمر كوفية فوق رأسه
ويضع الحزام على وسطه ....تتضح نحافة جسده وخصره ....يختار نعله أكبر من قياس قدمه ....!! وقد ضرب به المثل ...فيقال لمن أنتعل نعلا أكبر من حجم قدمه كنعل العم صابر ...
أبناء مدينته يحبونه رغم صمته وعزلته.....يقدمون مساعدتهم له ....يسكن في بيت قديم آيل للسقوط تركه أصحابه له ..
ذاته في عزلته
في سره يناجي ربه ورفيق وحدته
في حلمي أراك سرمديا
يغتسلون بفيض حنانك
وحين أصحو
تلفح وجهي ذرات تراب قاحلة
يدس الثوريون في عربته بعضا من الكتب المحظور تداولها آنذاك......
. ذات ظهيرة مرتبكة جعلوه يحمل راية كبيرة تجوّل بها في قلب المدينة كتب عليها (( يا حسين يا شهيد ))......في وقت كانت مثل هكذا لافتة تورد المرء موارد التهلكة .......يلصقون فوق مراياه بعض العبارات .....!!
ومما يبعث الأسى إنه لا يشعر بخطورة ما يجري....!!! أو إنه يدري ولكنه لا يبالي......بعد أن ضيع رفيقة دربه لم يعد ثمة مايخاف عليه ....... وبذلك دخل أسمه في سجلات دوائر الأمن ......!!
أي أحمق دفعك إلي .....قالها من يراقبه غاضبا ..فهو لايفهم معنى صمته ورتابة حركاته ......رمقه بنظرة حادة متفحصة ثم أمره أن ينصرف بحركة من كفه ورأسه .....!
قبل أيام زاره أحد المسؤولين طالبا منه حديثا عن نضاله السابق ......التفت العم صابر
إلى صبي يدور حول عربته إعجابا وانبهارا ....سأله ...من هذا ...؟؟؟؟
الصبي ......لا أعرفه .......ثم ضحك الاثنان
المشكلة.........!(بل المأزق...)
لا أحد يعرف اليوم كيف يكافأ العم صابر على مجازفته أيام الصمت والخوف.