|
دراسات نقدية
قراءة في شعر كولالة نوري
(تقاويم الدهشة) للشاعرة كولالة نوري - النظر للعالم من زاوية الطفولة
عبدالرزاق
الربيعي
سلطنة عمان
/مسقط
عندما اطلت علينا الشاعرة كولالة نوري من مدينة كركوك اواخر الثمانينيات ادهشتنا بطفولتها الشعرية التي حملتها معها فهي تنظر للعالم بعين ملؤها البراءة فكانت تدهشنا عندما نلتقط التفاصيل التي امامنا دون ان نراها وتعرض هذه التفاصيل بلغة يومية خالية من الزوائد شديدة الكثافة فتذهلنا بقدرتها على السير برشاقة على الخيط الرفيع الفاصل بين الشعري والنثري مثل لاعبة (اكروباتيك) ماهرة دون ان تزل قدمها وها هي تواصل اللعب على حبل الكلمات في مجموعتها الجديدة (تقاويم الوحشة) الذي صدر مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ولكن ازمتها الداخلية اصبحت اكبر والامها اشد انعكاسا للدمار الذي قوض عوالمها الهادئة بفعل الاحداث الدائرة في العراق هذا الدمار يأخذ في شعر ركولالة نوري صورة ساخرة: اقول له دائما: يا صديقي الحرب مسلسل فقدان يقول: انظري الى خوذتي لقد طار منها السقف وما زلت احتفظ بذاكرتي! وتأخذ الغربة شكلا اخرا عندما ترسم ركولالة صورة فيها الكثير من الاختزال والسوربالية والبساطة: في اطار صورتنا الجماعية اربعة مسامير كل مسمار يعلق كومة منها على طرفي خيط واحيانا تجعل نفسها تستلم لتداعيات وهذيانات فتهب على قصيدتها صور فنية وتشبيهات واستعارات تكشف عن جموح في مخيلتها فترسم ملامح عالم ملؤه الخراب بصور لا تخلو من المباغتة والدهشة والبراعة في النفاذ الى جوهر الاشياء : خاصرتي مجهولة الاقامة وقلبي اعسر بينما حديقتك ترف الغد وقور اكثر مما يجب والرأس خراب ولانني واضحة كالروبوت افقتد المغفرة من ابي!! وكاني طفلة فكولالة نوري مولعة بطرح الاسئلة المغلقة التي تستفز الفكر والوجدان فهي تتساءل في قصيدتها قبل ان تنوم قلبي من اين لك كل هذا الحزم لتسريب شياطين مني؟ وكل هذا البحر لتطمس السكاكين بصمت وحنو؟ وتلجأ الى تقنية التقطيع السينمائي في قصيدتها تشكيلة اخبرة للوطن التي سبق ان توقفت عندها في قراءة منفصلة مستفيدة من تقنيات الحوار في النص الذي يتألف من ستة مقاطع وتتجلى في تلك المقاطع سخريتها المريرة من واقع الاحتلال الامريكي للعراق تقول في المقطع الخامس الذي عنونته بـ(هذيان) : ماما.. لا تخدعيني.. وعدت في موسم الخضار نذهب الى مدينة الالعاب!! ـ أوه .. حقا ولكن علي ان احمي مستقبلك ماما.. انت تتكلمين مثل (الدش) وانا اريد مدينة الالعاب!! السيارة حديثة وانا انثى لا اعطي رأسي وانت طفلة! ولان (كلاله) امراة تجرب تعبها الاخير في الحب فانها تقول: احبك الادوات البيضاء مكدسة البطاقة فارغة وانا افكر في موظف البريد وهو يعكر مزاجي وفي قصيدتها تحالف لاستدراك اوميد تخاطب طائر القبح الذي يحمل رسائل الاحبة البعيدين ليوصل رسالة عبر الزمن الى صديق طفولتها اوميد لتظل تتحرك في مدار الطفولة بين ثلاثة اقطاب طفولة ابنتها (اناسي) عبر اكثر من نص وطفولتها من خلال صديق طفولتها اوميد وطفولة الاشياء اللغة والكون وقد استثمر الناشر هذا الملمح الجمالي والجوهري في تجربتها فاختار غلافا معبرا لطائر مجرد مشيرا ضمن استبيانات الطبعة ان الرسمة لطفل يبلغ من العمر اربع سنوات هو ناصر نجل الشاعر والفنان زهير او شايب فكان موفقا في الاختيار: قل له يا قبح ليعد هناك جرائم ارتكبتها لقد قتلت ببغاءه في نوبة حب! ليعد.. هناك حماقة ارتكبتها تزوجت فطلقني السلام لان الرصاصات اثناء الزفاف طيرت الحمامات من حديقتنا ان شعرية نصوصها كولالة نوري التي اصدرت قبل هذه المجموعة ديوانين هما لحظة ينام الدلفين ولن يخصك هذا الضجيج تكمن في خصوصية زاوية نظرها للعالم هذه الخصوصية تتجلى في كونها تسرب دهشتها الى المتلقي بدون عناء من خلال سحبه الى عالمها الطفولي وفق نسيج من العلاقات اللغوية المبتكرة.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |