دراسات نقدية

 

حاجة الأقلام الأدبية إلى إيجاد رأي نقدي موحد في ظل فقدان المعيار النقدي

 

 امير عبد الحسين الخفاجي

 العراق / ذي قار / قضاء الرفاعي

ameeer00kafaji@yahoo.co.uk

أن المفهوم الشائع بين الأدباء والنقاد لتعريف النقد هو : (( تقويم النص ، ومحاولة البحث في مكامن الجمال والقبح ، والسلامة والخطأ ، في النص الأدبي ، شكلا ومضمونا))1

فوظيفة الناقد الادبي - اذن - هي تقويم النص ، وهذا التقويم يقوم على اسس علمية ، وطرق خاصة بالبحث ، وصعبة جدا ، بحيث تميز الناقد من غير الناقد اولا ، والناقد الجيد من الغير الجيد ثانيا ..

ومن المؤسف ان تسود الاوساط الادبية - وخصوصا - الاقلام الجديدة ، ظاهرة خطيرة جدا ، وهي فقدان المعيار النقدي العلمي ، فصار لكل من هب ودب ان يمزق من النصوص النقدي ما يشاء ، بدون أي سلوب نقدي او ادبي علمي صحيح .. تحت ذرائع كثيرة منها : ان على صاحب النص ان يتقبل النقد البناء !!!؟ .. ومنها ان الناشئة عليهم التزام الصمت ليتعلموا ، وغيرذلك كثير .. مما جعل صاحب النص او الكاتب الجديد ، يلتزم جانب الصمت فعلا ، امام هذا الالوان المبهمة من الكلام ، دون ان يجد طريقة ادبية علمية مقنعة للدفاع عن نفسه ..

وانا قد حددت المشكلة في هذا الموضوع .. وهي فقدان المعيار النقدي ، لكل من الطرفين ، والذي اعزوه الى فقدان الثقافة النقدية ، التي تنشا في المجتمع الادبي ، فتربي الاقلام الادبية اثناء دخولهم العالم الادبي ..

وان قلت : ان تميز النص السليم من غير السليم ، ينبع من صفاء النفس الذواقة ، وسموها ، وارتفاع درجة حساسيتها ، وتاثرها بالجمال الادبي ، ومعرفة ماتحتويه المفردات من ايقاع موسيقي يحرك الوجدان من الداخل ، مما يجعلة قادرا على تمييز المفردة الجيدة او السيئة ، واستلالها من بين الاسطر ..

اقول : من المعروف ان الفطرة قابلة للتلوث على اية حال ، فالفطرة الادبية او السليقة ، ممكن ان تتلوث ايضا ، وهذا ما نلاحظه بوضوح شديد في الوقت الحاضر ، ونحن نواجه انفتاحا ادبيا كبيرا ، بعد ارتفاع الموانع والقيود الادبية ، التي كانت موجودة في السابق ، بالاضافة الى التسهيلات التي تقدمها وسائل الاعلام واهمها الانترنت ( وانا اتحدث عن نفسي اولا ، وعن اخوتي واحبتي الاعزاء في هذا المجال ثانيا ) .. فاننا نعاني من فقدان الذوق الادبي الصحيح ، الا ماشذ عن القاعدة - ولا يقاس على الشاذ طبعا – كما الاحظ افتقار النتاجات الادبية الى جهات النقد البناء التي تقوم الفرد ، وتعرفه بمستواه الادبي ، وتشيد بما يمتلكه من ذوق ادبي ، ومستوى علمي في هذا المجال ، بعبارة اخرى : تفتقر الحركة الادبية او النتاج الادبي الى موجّهٍ او مرشد ادبي حقيقي ، وارى ان اسباب ذلك كثيرة ، منها :

 1. فقدان الناقد الحقيقي ، الذي تلجا اليه الاقلام الجديدة ، وهذا وهذا محور المشكلة.

 2. اختلاف المنظار النقدي بين النقاد ، فلو نظر احدهم للموضوع بمنظار معين ، ونظر الاخر بمنظار اخر ، فان النتيجة تكون مختلفة بالتاكيد ، مما يشوش ذهن الكاتب ، او صاحب النتاج الادبي ، وبالتالي ، يسبب له نفورا من عملية النقد البناء ، معتبرا اياه حالة نسبية ، غير متفق عليها بين النقاد اصلا .

 3. فقدان التجربة الادبية ، او قلتها ومحدوديتها لدى المتصدين للعملية النقدية .. وهذا الامر ناتج من قلة النشاطات الادبية الحقيقية على المستوى النوعي ، والنموذجي ، لا على المستوى الكمي .. وكذلك فدان النشاطات الادبي في القطاعات التربوية التي اهملت – مؤخرا – ابداعات الاطفال الادبية ، وتركت وظيفة تنمية قابليات الطفولة ، فخرج لنا جيل فاقد للاحساس الادبي والذوق الفني.. بل ولا يعير للكتابة او التعبيرعن الذات او المحيط الجارجي ادنى اهتمام ، بسبب التهاون في درس الانشاء اوالتعبير عند الاطفال ، وعدم اعطائه اهمية كافية مما يؤدي الى نسيان موضوع التعبير تماما .. بل لا ابالغ ان قلت انه من الندرة ان تجد من التربويين من يميل الى التعبير بصورة علمية جادة ، تنعكس على واقعة التدريسي او التعليمي مع التلاميذ ، في اي مرحلة كانوا .. وقد عشنا تجاربا بسيطة ربما تصلح كشاهد للموضوع وهو ان المعلم او المدرس اذا كان اديبا فالاحتمال كبير ان يكون احد الطلبة اديبا كاستاذه بفعل عامل التقليد لدى الاطفال بصورة فطرية ، وكذلك فيما لو كان المعلم خطاطا او لاعبا في احدى الاندية الرياضية او انسانا منحرفا او سياسيا وما الى ذلك من انخراطات الاساتذة في مجالات الحياة المتعددة فتاثيرها محتمل مهما كان نوع ودرجة التاثير .

 4. الانحياز الادبي لدى الناقد ، و فقدان روح التجرد من المؤثرات الداخلية ( النفسية )، اوالخارجية ( الاجتماعية ) ، التي تعتبر من افات البحث العلمي . فقد يكون الناقد غيرَ متوافق مع الكاتب في موضوع معين ، خارج مجال المضوع النقدي اصلا .. لكننا نرى الناقد يضع ذلك الخلاف نصب عينه ، عندما يقوم بالعملية النقدية ، فيكون الحكم نابعا من المؤثرات النفسية ، فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية ( الاجتماعية وغيرها ) .

واخير وليس اخرا ، فانني اعتقد ان من المهم نشر الثقافة النقدية بين اوساط المجتمع عموما ، والمنساقين الى المجال الادبي خصوصا ، من خلال تسليط الاضواء على كبار النقاد ، وفسح المجال لهم ليدخلوا مسرح الاحداث الادبية العامة ، بدلا من تسليط الضوء على غيرهم ، ممن هم اقل منهم خبرة ، واقل كفاءة ، ان لم تكن خبرتهم او كفاءتهم معدومة اصلا ، وانا ادعو ايضا الى ما اسميه بـ ( الراي النقدي الموحد ) تمثله حركة ادبية ثقافية مستقلة ، لها مكانها ومكانتها ، بحيث يمكن ارسال النتاجات اليها واخذ الراي العلمي الموحد منها ، وهذا - بالتاكيد - سوف يلم شمل هذا الجيل الادبي الرائع ، ويحتضن الكفاءات والاقلام الادبية الجديدة ، ولا يضيعها لامور لا تسمن ولا تغني من جوع ..

وما دوري هنا الا لاعكس معاناة المحرومين من الاقلام الشابة ، التي طالما تمنت ان تعيش حرية التعبير عن همومها ، وتسطر معاناتها على الورق ، بشتى وسائل التعبير ، لذا اناشد المختصين او من تتاح لهم هذه الفرصة العظيمة ، ان لا يقصروا في هذا المجال ، من اجل النهوض بواقع الحركة الادبية في بلاد الرافدين ، بلاد سومر في جنوب العراق ، حيث بدات اول تاريخ انساني على وجه الكرة الارضية ، واول مسكة للقلم .. وسوف لن تقف ابدا بجهود الخيرين من ابناء هذا البلد الجريح ، الذي يحتاج الى جميع ابنائه العاملين ، ولكم مني اطيب التمنيات ..

 


ـــــــــــــــــــــــــــــ

1. علم النقد التطبيقي ، كلية الآداب، جامعة بغداد ، 1989

 


 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com