دراسات نقدية

 

غزل البنات (1 ـ 2)

 عبدالكريم هداد / السويد

hadadkarim@hotmail.com

ان الدارمي يتكون من بيتين شعريين فقط (1) وذي قافية موحدة، متكامل الصورة الشعرية، بكل الخصائص الشعرية المشروطة . ويشترط في البيت الثاني دوماً  أن يكون معناه مضاداً للأول و مناقضاً  أو مكملاً وتوضيحاً له، وأعتقد هنا بأن فنية البناء الشعري للدارمي وشكله، قد توارثها شعراء القصيدة الشعبية في العراق كأحدى الطرق المحببة في كتابة الشعر الشعبي العراقي . واستنتجت بأن الدارمي حسب التعريف أعلاه هو إمتداد لشكل الشعر البابلي أيضاً، الذي أوضح فيه العلامة الراحل طـه بـاقـر حيث قال ( والعادة في الشعر البابلي، كما في إسطورة الخليقة وملحمة جلجامش، أن القصيدة فيه تنقسم الى وحدات تتكون الوحدة منها من بيتين من الشعر   (دوبيت ) والأعم في البيت الثاني أن يكون معناه أما مغايراً لمعنى البيت الأول أو مشابهاً له أو مكملاً له .) (2) . وهذا ما يؤكده أيضاً في كتابه المعنون بأسم  مقدمة في أدب العراق القديم حيث أورد حول إسلوب تأليف الشعر وأجزائه (كان الناظمون يجمعون عدة أبيات لتأليف وحدات شعرية أكبر، بعضها من بيتين – دوبيت couplet - )(3) ويضيف في الموضوع ذاته ( يكون معنى البيت الثاني في الدوبيت مكملاً أو موضحاً لمعنى البيت الأول أو رجعاً وصدى لمعناه كما في البيتين التاليين من ملحمة جلجامش .

صرخت عشتار كالمرأة في الولادة

انتحبت سيدة الآلهة بصوت شجي

وقد يكون من المفيد أن نورد هذين البيتين بلفظهما البابلي في الحروف اللاتينية والعربية :

Isishshi Ishtar kima aliddi

Unamba belit ilani tabat rigma

وبالحروف العربية:

اسشّي عشتار كِما آليدِّى

أونَمبَا بعلة ايلاني طابت رِكْمَا

أو أن يكون البيت الثاني مغايراً أو مفارقاً لمعنى البيت الأول تمهيداً لتدرج موضوع القصيدة العام، والمثال على ذلك البيتان الأولان من إسطورة الخليقة:

 

حينما في العُلى لم يُنْبَأ عن السماء

وفي الأسفل لم تذكر الأرض بأسم . )(4)

وهذه هي تركيبة الشكل الشعري في كتابة الدارمي الآن .والدارمي سـلس الوقع ذو موسيقى ناعمة، قوي الديباجة،تفيض به الكلمات الدارجة العراقية ذات الشحنات الجذابة . ومن خصائص الدارمي هو الكشف عن حالة ما بوضوح شعري تام . والدارمي يحوي علىإبداعية كبيرة لشاعره، لكون المساحة الكتابية ضيقة وقصيرة جداً، مقارنة مع أنماط الشعر الشعبي الأخرى . لذا يمكن أن أسميه بـ" شعر الومضة " الكاشف بغنائية عالية وروحية الأقصوصة الغنية بزوايا الحدث الروائي . والدارمي سهل ممتنع،له من المسميات المعروفة كالغناء – التوشيح - غزل البنات أو نظم البنات وذلك لفحولتهن الشعرية المتجددة وجدارتهن في إنتاجه وصياغته بإبداعية ملموسة . حيث مازالت المرأة العراقية رائدة في الأبداع من خلال هذا النمط والشكل الشعري الشعبي . فقد دجنته وعبأته بدفء مشاعرها ومكونات أحاسيسها الشجية العذبة، وكذلك نمنمات أشياءها اليومية . فما بين شفافيتها كأمراة ووضعها الأنساني العام، وجدت في شعر الدارمي خير لسان حال لها . ويكتب على ( سائر الأوزان الشعرية العامية ومجزوءاتها ) (5)، لكن  الكاتب عبدالكريم العلاف في كتابه " الطرب عند العرب " والأب انستاس الكرملي في كتابه " مجموعة في الأغاني العامة العراقية " يوردان  أن وزنه  "بحر   البسيط " . أما الباحث عبدالأمير جعفر في بحثه المعنون " الأغنية الفولكلورية في العراق " يرى أن الدارمي بحره  " مجزوء الرجز " والذي هو:

مستفعلن فعلان     مستفعلاتن

مستفعلن فعلان     مستفعلاتن (6)

والأسم مشتق من " الدردَمَة " وهو إصطلاح شعبي، يعني " الـهَمْهَمَة " أي تكلّم كلاماً خفيّاً .

ونظراً لسهولة معانيه العميقة بما يحمله من ترافة نغمية أخاذة، مازالت الأغنية العراقية تعتمده كنصوص غنائية .

ومن الدارميات فخراً برجال الثورة:

واحدكم عله الموت       يكبل ولا يهاب

لا نفسه تحمل لوم           لا يقبل عتاب (7)

وهذا الدارمي فيه شئ من الحس الطبقي حسب تعليق مظفر النواب:

شبه الدرج دنيّاك         شَيْ اعله من شَيْ

يَالبِالشمس ظليت         هَمْ يِكسر الفَيْ (8)

 

ومن الدارميات المتداولة بين العراقيين، وهي كوصية على الكبرياء وعزة النفس :

لو ضَكِـتَكْ دِنْياكْ            ها بالَـكْ اتْصيحْ

إرجي الرمح لِجْلاكْ            واصْبرْ لَمَا اتْطيحْ (9)

وهذا دارمي آخر يفسر نفسه:

يادِنيَة نوبْ ألويـج            نوبْ انْتي تِـلْوين

إخْذيني بِالمعروفْ                لو رِدْتي تِجْـفينْ (10)

ــــــــ

* جزء من أحد فصول  البحث المعنون بـ ( مدخل الى الشعر الشعبي العراقي – قراءة في تاريخ شعب ) و الصادر في السويد، أوائل كانون الثاني من عام 2003 .

1-  فنون الأدب الشعبي -  ح2 .ص25 . يذكر المؤلف إن الدارمي يشتمل على بيتين، لا شطرين .

2- ملحمة كلكامش .ص7 . العلامة طه باقر .

3- مقدمة في أدب العراق القديم . ص60 . تأليف طه باقر .

4- المصدر السابق . ص 60-61 .

5- فنون الأدب الشعبي . ج2. ص25 .

6- الأغنية الفولكلورية في العراق . ص 174 . تأليف عبدالأمير جعفر .

7- المصدر السابق . ص 178 .

8- المصدر السابق . ص 187 .

9- الأغنية الفلكلورية في العراق . ص204 .

9-الأصالة في الشعر الشعبي العراقي .ص37 . تأليف جميل الجبوري .

 

   

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com