دراسات نقدية

 

مأساة الحسين (عليه السلام) في المسرح العربي

مسرحية (هكذا تكلم الحسين) لمحمد عفيفي مطر

 حسين الهلالي

husein40@email2me.net

 

محمد عفيفي مطر صاحب الجسد الناحل والجلد المرسوم عليه أخاديد التعذيب العشوائية في داخل سجون السلطات المصرية التي خرج منها وطاف بأرض الله الواسعة عسى أن يجد له مستقراً ، وأخيراً قادته قدماه التي تجر جسده بخطوات غير طبيعية من أثر التعذيب إلى أرض العراق ليرى فيضا من نور أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وشم عبيرا من ثرى الضريح الطاهر وليلوذ بحماه لأنه أبا الأحرار وراسم مسيرتهم النضالية ضد الطغاة .

محمد عفيفي مطر من أحرار مصر ، شاعر ينتمي إلى مرحلة الخمسينيات ، فقد أصدر عددا غير قليل من المجموعات الشعرية أولها ( يتحدث الطمى ) وآخرها ( أنت وحدها وهي أعضائك انتشرت ) ، صدرت هذه المجموعة في بغداد 1988 ، لقد جاء العراق ورحل لأنه أصر أن يبقى حرا ، لقد كتب مناجاته الشعرية في المسرحية الرائعة ( هكذا تكلم الحسين ) عن بعد إلى أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) سنة 1969 ، وهي ظلامة روحه وإيمانه الراسخ بالرسالة التي حملها الحسين ( عليه السلام ) وأعطاها كل ما يملك ، نفسه وأنفس الفتية من عياله وأصحابه .

قدم لها الدكتور محمد إسماعيل موافي بقوله : ( الموضوع الحقيقي لهذه المسرحية الجديدة للشاعر محمد العفيفي مطر هي المواجهة الخالدة بين الخير والشر والحق والباطل والإيثار والتضحية والانتهازية والمواجهة تتم على مستوى الواقع المحسوس في الأرض المادية الصلبة بين حزب معاوية وشيعة علي ( عليه السلام ) ، ويمتاز هذا العمل بوفرة ما فيه من دفقات شعرية تستوقف القاريء ليعيدها مرات فيردد شعرا خصبا يعالج قضايا أساسية في الموضوع ، ويؤكد لنا أننا أمام دراما شعرية طويلة على غرار ما كتبه بيرجنيت وبرنارد شو في ميتوشاع وكل من هاتين تزيد كثيرا عن الطول المضاد للمسرحية ) .

ولا بد من قول كلمة عن المسرحية التي كررت قراءتها مرات ولاسيما في ذكرى استشهاد الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء .

المسرحية تتكون من خمسة فصول بتسعة مشاهد ، وهي مسرحية طويلة ولكن تضم في طياتها صراعا دراميا يشد القارءي والمشاهد إليه لكثرة تشابك الأحداث في هذا الصراع ، ولأن الموضوع هو الصراع بين الحق والباطل ، لذا نجد الشاعر العفيفي مطر يذهب إلى تعميق فكرته ويعمل عليها ويبرزها بشكلها الحقيقي وإعطائها بعدا إسلاميا تصادميا موروثا منذ استشهاد الإمام ( عليه السلام ) ولحد هذه اللحظة ، هذا البعد هو ( قد يصرع طالب الحق ولا يصرع الحق ذاته ) لذلك انهار بنيان دولة بني أمية وانهار يزيد ومات مسموما مدحورا ، ومزقت دولة الشر والعدوان ، وبدأت المباديء تنمو وتكبر والقيم تنتشر وكبرت هذه الرسالة وأصبحت رسالة للإنسانية جمعاء ، وبدأت الثورات تتفجر من ثورة التوابين ( سليمان بن صرد الخزاعي ) ثم ثورة المختار إلى يومنا هذا وقد استحضر الكاتب معاوية ويزيد وكل أصحاب الشر ، ليكونوا شهودا على الجريمة ويكون معاوية شاهدا على انهيار بنيانه الذي أسسه بطريقة اللصوصية والكذب والتضليل والخداع والقتل ، وبهذا كسر الكاتب الحاضر بين الماضي والمستقبل وإلغاء الأزمنة والوقائع المتباعدة وقرّبها لتندمج في فكر المسرحية الذي تحمله ، وهذا استخدام يختصر كل اتكاءات المسرحية التاريخية ويقدمها متكاملة إلى القاريء ، فهي تتحرك إلى مديات واسعة بدءا من الخلق إلى الإمام ومن الإمام إلى الخلق ، لقد راعى العفيفي مطر كل الضوابط المسرحية في هذه الدراما الشعرية ونسجها نسجا عضويا ، وأغناها بتجاربه الشعرية وإطلاعه على أغراض المسرح الشعري ، لقد كان كل مقطع فعلا دراميا لأن صياغة اللغة هي الأساس في كل هذا ، لقد أعاد صياغة الواقعة التاريخية بوعي وإدراك وجعله يعبر عن أكثر من اتجاه في عرضه للمشاهد ، لقد اختار الشعر لغة للمسرحية ، ليس تقليدا لما سبقوه من شعراء المسرح الشعري الذي من رواده من الأجانب آبسن ، ليوت ، كريستوفر فراي ، ومن العرب شوقي ومحمد مندور وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي ، لقد في الشعر القدرة الكبيرة على التعبير عن أدق العواطف والانفعالات وسير في أعماق النفس الإنسانية وهذه ميزة الشعر الكبرى والمسرحيات الشعرية هي أكثر دراما من المسرحيات النثرية ، وهي الوسيلة اللغوية التي تناسبها الدراما ، وقد استوقفتني حوارات شعرية كثيرة في المسرحية غاية في النبل والأحاسيس الإنسانية وتوجيه الخطاب التاريخي الخالد إلى جميع حملة رسالة الحسين ( عليه السلام ) ففي المشهد الثالث ( أمام خيام الحسين بالطف وهو ومن بقى معه يستعدون للجولة الأخيرة ) :

الحسين : على أشلاء غربتنا

 بدينا الجوع وهو يسن مخيله

 على أضراسه السوداء

 بسطت رحمتنا

 لتأكل منه قسوتهم فما شبعوا

 ضحكت وفي وجوه العابسين كهوف

 حقد ،

 لا تزيل الشمس ظلمتها

 رأيت الأنس بالإنسان واحة غربة

 الغرباء

 وساقيهم إذا غضب السراب لهاثهم

 غصبا

 تبعث شعاع نجمك يا رسول الله

 في فلوات أمتنا التي ركبت طريق

 ضياعها زمرا

 وها أنذا أحللهم عن التيه ،

 الذي ألقى الضلال عصاه في يده

 وقاد عماه حيرته

فظنوا الرحمة الشماء وهذه ضعفنا

والجبن قمتهم

وفي المشهد الخامس :

يبرز الشمر مخاطبا الجنود

شمر : هيا يا أبناء العهر ويا أحفاد

العار

انتخبوا منكم فرسانا

يطأون حسنا عشرات المرات

الحسين : فاللهم اشهد إني لم اثأر

للمظلوم من الظالم

وثأرت لمن سوف يذوق الظلم من

المظلومين

ما أطعمت الجوعى إلا لحم عبوديتهم

للجوع

ما مزقت ضلوعي

إلا كي يقطع عيدان السوط يد

الجلادين

ما أهرقت دمي

إلا كي يشعل في أجفان العميان دموع

الصدق

وشواظ الروية

سبحانك

لا يدرك سفح الخوف ذرى من أمنه

الله

سبحانك

حببت إلي الدنيا حب الأخرى

فأقبل مني ما أحببت لما أحببت

ومرحى بلقائك مرحى

وبحقي أقهر باطل أعدائك

ويفر أمامي الخوف فراره ،

أما هم فيحبون الدنيا بغض الأخرى

ويعيشون شجارا

ويموتون فرارا

ولو أن ظلالهم السوداء توارت في

ظلمات البحر

لأبيض سواد الأعماق

ولو أن الدنيا بانت زوجة رجل منهم

شحذت مع ذابحة السنين

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com