دراسات نقدية  

 

 


أخبيء وجهك فيّ واغفوا*
أنوية الخطاب الشعري
سلطة أنا مهزومة / ترويض سلطة

 

 

صفاء عبد العظيم خلف

sabdaladeem@yahoo.com
البصرة


الكتابة طقس ديناميكي متوالد بضرورة تدفق الفكر في استيعاب الأشياء و محاولة الاقتراب من وعيها الذاتي لتكوين الوعي ألاتصالي المقارب الذي ينتج خطاباً نامياً باتجاه فهم أبجديات التواجد العضوي والتفاعل مع الكل على اساس خصيصة أن العالم مجموعة قيم مهضومة منها المادي ومنها الروحي، تتداخل مع الانفعال الذاتي المغلق بأتجاه أليه فهم واحد، حسب ( معطيات ) و ( مصلحية ) و ( مشروع السلطة المتنامي ) . للانا.
فالأنا في شمولية تفكيرها تنتج خطاباً متأثراً بالمعطيات الخارجية وتخطط لمصلحتها كمشروع سلطتها، تعمل على تنمية الاستدراكات الداخلية لها، وهنا على أساس كونها ( أنا ) متجددة منتجة للكتابة فأنها تقتنص مفرداتها من ( مجرات التأثير ) القرائية ومعطيات الموهبة، ومدخلات الخارج / الواقع.
أن استمالة الحواس لموجودية ( الأنا ) كلوغوس تصور مفردي تعكس حالة الديالكتيك السايكلوجي، بأعتبار أن أي كاتب لاينتج نصاً خارج وعيه ومؤثرات واقعهِ، لذا فأن الذات الكاتبة تحاول تطويع كل حواسها المادية واستشعاَراتها الروحية. لأنتجت نصها.
لكنها على اساس الوصف المشار اليه ، تفرض وصاية انويتها على واقعها وتمنتج صورة بطريقة استغلال نفعي للقيم ، لايمكن ان نصف التوظيف بأنه خارج عن ارادة الذات الواعية ، بل هو ( تمركز داخلي ) أو لوغوس انوي يدور العالم في فلكهِ .
أصارع منفرداً منجل البؤس،

منكسراً كأنطفاء الصدى ،

ذاويـــاً كالخطيئة

ـ حين يقاتل اهلك اهلك -

كنت ـ بدون جذور ـ لعنت الحياة. ص / 65
المتبقي من العالم الأن سوى لعنة ، الانكسار الذاتي هو بالضرورة نتاج واقع محبط ، لذا لاتنفصل الذاكرة عن كونها ( الواعي المنفرد) والمتمرحل زمنياً ليصل الى تلاشي صدى ينطفيء على حدود واقع مهزوم .
( أنوية المفردة ) تتمظهر في ( الانا ) التي يكاد ينحصر بها الخطاب الشعري في بناءاتٍ انويةٍ (كالبطل المهزوم) و(المنقذ الذي خانته الأقدار) و(الحبيب الذي أرقته الخيانات ) . فنجد المغربي يخرج من غلالة سائدية العوالم التي يتقلب بين ظهرانيها ليدخل في قوقعة الطواف فوق الكل بأقتناصه ( مفردات ) عززت من عاطفية شخصيته الشعرية وقدرتهِ على الدخول في لعبة ( سفسطة نفسية ) أن صح التعبير ، فألقت بظلالها على المتلقي الذي يتفاعل مع أنويته المفرطة والتي وإن كانت تتخفى وراء تراكيب جميلة ( جميلة ومدهشة ) صاغتها براعته ُ الشعرية إلا إنها أنتجت لنا ( أنا ) على مستويات وظفها المغربي في إيصال ثيَّمهُُُ في تجربتهِ ( أخبيء وجهك فيَّ وأغفو ) بصياغات متعددة ، حذره ودبلوماسية، فطنة للخطوط الحمراء في خطورة البحث عن مسببات العالم المهزوم .

وهاأنذا ـ منذ ما كان ـ أمحو / من جبين التذكر،

أفتح ليلي لبرد العيون، أسيل عليك ـ معاتبة ـ

وطني أنت لاتتركيني، كأنك لست تحبين مني سوى ادمعي .

التشكيل الشعري ها جاء يحمل نسقا"، تتجلى فيه لغة (العتاب) لكن إسقاطات المدخلات (البرانية) جعلت من الخطاب يقتنص من انسياب طرقة خفيفة (عقلية) تمظهرت بتقنية الجملة الاعتراضية (- منذ ما كان - )وتنساق الجملة آليا"لفعل سلبي هو (أمحو)،فلو أعدنا قراءة النص مرة" أخرى مع رفع علامات الاعتراضية نجد إنها جملة ٌتسير بنسق لا ضرورة للتعارض فيه.
فالإيماءة ُالمفردية ،هي إحالة زمنية في ان فعل المهادنة هو فعل متجذر لم يتوالد ألان . من زاويةٍ أخرى إن الشاعر عاد مرة ثانية الىالتشبث بـ (لا تتركيني) وهذا الرجاء إستجد بعدما نفرت شخصيتهُ / العربي من طبيعة الكبت :

كأنك لا تحبين مني سوى أدمعي

أي ذهنية التسلط التي تحاول إغراق الإنسان في هموم تبعدهُ عن التفكير بالخلاص وصنع مستقبل الى حد شعوره بالاحباط واللجوء الى فعل البكاء الذي يمكن تجذيرهُ على انه عقدة (أمومة).
هذه ألانا الضائعة ، نفسها تتوق الى خلق سلطتها الخاصة وتعميمها كحالة رفض وصورةٌ عكسية لاستبداد مغيب من حيث ان عقدة الاضطهاد في الانا المغيبة تتحول الى فعل استبدادي بنى مقوماته ليهدم الاستبداد الأول.

كنت على كرسيّ النطق ألُم ضياعي

ووراء زجاج الغرفةِ تلتمع شفاهُ صديقي

وهو يلوح بحذائي : تحيا الصحبة ..

لعن الله الصحوة.

الأنا، أنتجت لنا خطابين على مستويين ، الأول : الأنا / الذات والثاني : الأنا / الأخر .. واعتقد أن استخدامه للإيماء ألمفردي سهل له هذه المهمة المتنافرة بعض الشيء بأعتبار إن عقد الذات لايمكن ان نضعها في خانة عقد الأخر .. بسبب اختلاف الظروف الموضوعية لكلا الخطابين . لكن القاسم المشترك الذي يوحد شخصيتهما هي صورة التهميش والتغييب .
بالعين جرحك قد تجذر ،

في شراييني يسافر صوتك /

يشطرني الى نصفين منتقضين

يشتهيان ضمك .
المغربي يشتغل على خصيصة الاختلاف المنسجم والمتوائم على نحو يمكن القول به ( جمع المتضادات في منزلة الواحد ) ، لو فككنا بنية ( بالعين جرحك قد تجذر ) نجد أن مصدر الألم مادي / واقعي بضرورة ( العين ـ شاهد حسي ) قد تحقق فعله ألتأثيري وأجهز على الشك فكان فعلاً يقينياً حملتهُ الانا / الذات . كموروث يقترب من ـ قداسة لايمكن اجتراحها ـ فخلق منه شخصيته / الذات / الأخر ، نصفين متناقضين متوازيين في الرغبة نحو التمسك بالألم كطقس عاطفي رومانسي دافيء يعطيه / هم نشوة ولذة تبرر العجز أمام سلطة المستبد . وهنا تتشكل صورة ( استبداد ) أخر هو حمل النفس على مالا تهواه وتأنفه ، واعتقد أن هذه العقدة هي نتاج تراكم قمعي تاريحاني تجذر بالشخصية العربية وأحالها إلى مهادن دائمي للاستعباد ونجد صدى للذلك في نص تقاسيم قلبية :
صاحبتي في غابة ليل الغربة / شجيرات الظمأ الكوني

تجذر في دمنا / سايرنا الخوف بلا شرف ووصلنا :

شبه هلامي ٍ / لنحفل بالألم القادم ، أعلم غالينا

في الحلم / سلمنا الله مِن الحلم وهذي الغرض

لا يحلم فيها إنسان ! ص. 33.

النص المشحون بتاريخانية الجزع والخوف وعقدة الاستلاب والاضطهاد، فحتى الحلم مخترق لايمكن له أن ينسل من رقابة المخبرين.
أن استخدام التشكيل الشعري بصورة إيمائية ، يعبر عن هاجس نفسي متلازم مع تكوين الشخصية ، بأنه انصياع للواقع المعاش بصلاته القاتلة ونفور من رغبة التغيير التعتور في النفس بشدة ، لكن الظلال المرعبة للغرق السوداء هو الذي يعيق حتى التفكير بالتصحيح أو الثورة .

في هذي الأرض المؤمنة المقموعة حد الكفر،

في هذي الأرض القبر. منهزمون.

خطاياهم تستدرجنا البحر.. ص 58.

( ثريا المجموعة )
مشاهد الوجع الرومانسي وصوفية الخطاب الشعري كلها كانت نتاج لهموم العربي المهزوم سياسياً والمقموع سلطوياً ، فما كان من المغربي سوى أن يمارس نوعاً من تأنيث السلطات المستبدة وجعلها الحلم ألذكوري للعربي الذي يعاني من جوع عاطفي وجنسي ويحمل عقدة رجولية / قبلية في (القوامة ) على ( الأنثى ) ، فهو على طول مجموعته المقسمة على خمسة أبواب ( المواويل ، الفرح القاني ،شجار الروح ، اختلاج السر في كأس ٍ مشاع ، خربشات مشاكسة ) والتي احتوت على (32 ) نص شعري حاول صنع من السلطة المستبدة، أنثى همجية تحاول ذكورة الأنا المغيبة ترويضها فجاءت ثريا مجموعته لتمارس فعلاً احتوائياً لجمل الحالة: أخبيء وجهك فيّ وأغفو.

_____________________________________
*محمد هشام المغربي ، اخبي وجهك فيّ وأغفوا ، المؤسسة العربية للنشر والتوزيع بيروت ، 2004 .




 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com