دراسات نقدية

 

فريد زامدار وشِعرهُ "الصَّعبُ المُمتنِع"!

 

عرض وترجمة: صلاح برواري

berwari57@hotmail.com

 فريد زامدار شاعرٌ يُعقلنُ الجنون بشعره السورياليّ الغرائبي؛ الذي يُعاكسُ في منحاه كل ما هو سائد على ساحة الشعر الكردي المعاصر، وبالأخص في كردستان العراق!.

 هذا الشاعر الذي يمارس الجنون بتعقل، كما يحلو له القول، مصرّ على السباحة عكس التيار الشعري السائد، ومنذ سنين طوال، كسمكة قرش عنيدة، لا تعرف لليأس معنى!.

 لقد خلقت هذه الغرائبية في النص، شكلاً ومضموناً، بَوناً ما، أو مجافاة ما، بين شعر الشاعر والمترجمين والنقاد الكرد، الذين قَلّ من شمّر منهم عن قلمه، محاولاً الاقتراب- دون تهيّب- من روحية النص الشعري لفريد زامدار؛ والذي قد لا أجافي الحقيقةَ كثيراً إن أطلقتُ عليه تسمية " الصعبُ المُمتنِع"!، إذا صح التعبير. ولِمَ لا؟ أليس هو من يقول في مدخل نصّي لإحدى قصائده: "لغتي... هي لغة الروح. من لا يقترب من روحه... لا يفهَمني"؟!.

 حين يتعامل زامدار مع أدواته الشعرية، أو بالأحرى مع "زامداريّاته"، تنقطع أية صلة له بعقله الظاهر؛ فيُشرع كوى وأبواب عقله الباطن، على مصاريعها، أمام رياح النصوص المجنونة، والتي لا يعترف بأي سلطة على عقله غير سلطتها المطلقة!.

 في هذه المحاولة المتواضعة، والكأداء، أحاول- قَدر الإمكان- الاقتراب من روحي، علني أفهم هذا "الجُنون المُعقلن"!، لشاعر فريد ومتفرّد في نصه الشعري، عَبر ترجمة ثلاث من قصائده، التي ضمها ديوان شعري غريب له بعنوان " TOHO في ليلة الدقيقة الواحدة"، السليمانية- كردستان العراق- 1998. وله دواوين شعرية أخرى أيضاً، أحدها بلا عنوان، إذ اكتفى الشاعر بوضع نقاط فقط على غلاف ديوانه الشعري ذاك !.

 القصيدة الأولى المفعمة بالغرائبية الجميلة، تأخذ شكل مقاطع شعرية، بدأ الشاعر بكتابتها في حَرِّ صيف 1983، ليُعلن في قَرِّ شتاء 1985، عدم إنهائها؛ أو بالأحرى عدم قدرته على إنهائها، ربما بسبب تقهقر وانهزام سطوة عقله الباطن، أمام سطوة شيطان شعره!.

 

صليبُ الموقف و... الإنكسار

 

- أرى نفسي ضيفاً على مائدة أفكاري.

- أرى نفسي ضيفاً على لساني.

- أرى نفسي ضيفاً على دواخل رأسي.

- أرى نفسي ضيفاًً على دواخل عينيّ.

- أقصى أمانيَّ في الحياة... أن أتوصل إلى معرفة ذاتي، وأن أصبحَ ذاتي.

 

(!)

رأسُكَ...

حمامة بغير أجنحة!

فِكرُكَ...

خندقٌ قديم

مختلِفٌ أنت... مع ذاتِكَ

تهيمُ بحثاً عن قتل نفسِكَ.

رأسُكَ مُثقلٌ... وأنت

في صراع مُحتدّ مع فكرك،

فكرك صار عدواً لك!.

أنت متمترسٌ دوماً

مع خطاياك...

تركبُ رأسَكَ دوماً

تودّ ألا تضع نفسَكَ

، بنفسِكَ،

في القيد...!.

رأسكَ قارّ لدرجةِ

أنّ كلّ خطايا التاريخ

اندلقت في رأسِكَ المُتعَب!

لم تتعض أبداً... من تمرّدِكَ

تجاربُكَ تعاويذ أخطائِكَ... وأخطاؤُكَ صارت تجاربَ!.

 - أواخر صيف 1983-

(!)

كلّ

 شيء داخل رأسِكَ

ذو قيمة...

ذاتكَ

تستعيدُها في ذاتِكَ.

أمام عينيكَ... كلّ شيءٍ

مثلُ ذاتِكَ،

متجدِّدٌ.

عنوانُ تجدّدِكَ

تتركهُ في تلكَ الطرقات التي

خَبَرَت ضَياعَكَ

خَبَرَت سَيرَكَ وخُطاك.

تسمَعُ وقع قدميكَ

جيئة وذهاباً

فوقَ رأسِكَ!.

كلّ شيءٍ

في تلكَ الطرقات

ذو قيمة...

كلّ شيءٍ

في تلكَ الطرقات

هو رَجعُ صدىً، بين أصواتٍ عِدّةٍ أخَر!.

 - خريف 1983-

 (!)

رأسُكَ شُعاعٌ جوّال،

الجحيمُ تحتَ قدَميك.

اسمُكَ...

فتاةٌ غجريّة أسيرة وفاتنة.

في المسالك والطرقات

رأسُكَ حُزنٌ رحّال.

في كلّ طريق

فيه ثمّة غجريّ

هناكَ... هناكَ تعلو الحدودُ فوق ركبتيك!.

----------------------

ضفائركِ قصيدة مُعمِّرة

أجدلها... حتى تصير

كومة جدائلَ كلماتٍ

تنسابُ فوق صدركِ وكتفيكِ وجيدِكِ

حتى تمتصّ دماء موطن رأسَكِ!.

دعيها...

ككلّ مرّةٍ،

تعودُ صوبَ تخوم مَوطِن رأسِكِ.

--------------------

 - أوائل شتاء 1984-

 

 (!)

تشتمّ نتانةَ الأنفاس المريضةِ

لشيطان رأسِكَ

مُعجزاتُ ذكرياتِكَ العابرة

تركِبها حصانَ أفكاركَ الجامح.

في ما مضى...

كان رأسُكَ

يستحيلُ طريقاً،

كنت تفتدي تلك المواقفَ التي

لم تصبح جسراً

لفارس فرسان جَوادِ أفكاركَ.

 - أواخر شتاء 1984-

 

 (!)

الكلمة الأولى لذاتِكَ البيضاء

قرأتها

في آخر مؤتمر

لجبال سماءٍ ناصعة.

أنهيتَ مؤتمَرَ

الأرض، والتراب، والغابات، والحِجار، والأنهُر

كتبتَ رسالة أخرى

لعقد مؤتمر جديد آخَر

للأرض والسماء...

لصياغة آخر قانون لتمرّدِ الإنسان و

الزمن والمصير والحياة!.

 - أواخر ربيع 1984-

 

 (!)

أمسكتَ بتلابيبِ فِكركَ،

هناك فراغ عميق وواسع

في مَغاربِ رأسِكَ...

مُذ

تسلقِكَ لأعالي رأسِكَ

ركضاً!.

رأسُكَ...

حمامة بغير أجنحة

لا تلحَق بأفكاركَ.

ثمّة ضوء نصف غافٍ

في كلتا جهَتي رأسِكَ،

في كوّةِ منتصَفِ رأسِكَ،

ثمة مئات المسافات الواسعة.

رأسُكَ مُثقلٌ...

لِمَن ستأخذهُ... وإلى أين؟.

آلامُ رأسِكَ المتمرِّد

أقوى من مَوتِكَ...

أين ستأخذ

موتَ منتصف حياتِكَ؟.

حين تحسّ بوجودِكَ

تحسّ بتكرار

حُلم تاريخ

نحر "لوركا".

 - أواخر صيف 1984-

 

 (!)

في كلّ مرّةٍ،

حين تكتبُ الشمسُ شُعاعَها،

أرى "بابلو نيرودا"...

يُصلبُ في الأفق

من جديد.

تريدُ أن تكتبَ

سماءَ الضبابِ المحترق

لتاريخ الجراح،

تريدُ أن تزورَ

كلّ بوّاباتِ غربتِكَ الأزليّة

حتى تعيدَ

ضباباً لا طريقَ ولا مكانَ له

نحو سماءِ

جهاتِ رأسِكَ الشارد.

قرَّرتَ

أن تصبحَ ذاتكَ...

أن تصبحَ ذاتاً مُترَعة بالغربةِ

مُترَعة بالأجسادِ المنتحرةِ

لأشعار مُمزقةِ الأوصال!.

 - ليلة 31/1/1

( لم أتمكن من إكمال القصيدة...!)

 

 

لحظاتُ وَقع ضَرَباتِ الكتابة

(1)

أحبَبتُ كَلمة

لم تُكتبَ قط،

أحبَبتُ شِعراً

لو وقَعَ تحتَ ذكرَةِ خنجر *

، آلافَ المرّاتِ،

لا يُقتل!.

(2)

لن أكتبَ... حتى

أحِسّ بوقع ضَرَباتِ الكتابة.

لن أكتبَ... إلى حين

ينغرزُ فيهِ سكينُ الكتابةِ

في قلبي وحَشاي!.

تعوَّدتُ العيش

مع آلام جُرح الكتابة،

مع آهاتِ الكلمةِ اليتيمة،

مع أفكار ثمِلة... لم تعرف السعادة،

مع الآلام الجميلة

هُنا... وهُناك!.

(3)

منذ سنين، وأنا أحِسّ بوَقع

ضَرَباتِ الكتابة.

سِكينُ الكتابةِ

ينهشُ دواخِلي،

لكني... وحتى الآن

لم أكتبَ شيئاً بَعدُ!.

لم أجُد بَعدُ

بكلماتٍ مقدسة.

حتى الآن، عَينُ شِعري

لم تصِب تأمّلاتها بَعدُ!.

حتى الآن...

لم أسأل بَعدُ

عن عنواني،

عن عنوان آخر قصيدةٍ لي!.

-------------------------

 * ذكرَةُ الخنجر: حِدتهُ.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com