دراسات نقدية

 

دنى غالي في رواية جديدة "عندما تستيقظ الرائحة"

 منير العبيدي

Munir_alubaidi@web.de

عن دار المدى صدر للكاتبة العراقية المقيمة في الدنيمارك دنى غالي رواية جديدة بعنوان " عندما تستيقظ الرائحة ".

و هذه الرواية هي الرواية الثالثة لـ ( دنى غالي ) بعد رواية " حرب نامة " والتي صدرت في عام 1998 و" النقطة الأبعد " 2000. وهاتان الروايتان صدرتا أيضا عن دار المدى، كما صدر للكاتبة أيضا مجموعة قصص ونصوص نثرية ذات لغة شعرية مكثفة وباللغتين العربية والدنيماركية في إصدار واحد معا وعن دار ( ساملرن ) الدنماركية للنشر في عام 2004، ولها أيضا صدرت في العام 2005 ( قصص وحكايات خرافية لهانس كرستيان أندرسن ) الكاتب الدنيماركي الشهير الذي عرفه القارئ العربي جيدا من خلال العديد من القصص وخصوصا قصته الشهيرة ذات الدلالة " ملابس الإمبراطور ".

و تُنشر باستمرار للكاتبة دنى غالي نصوص شعرية اختطت بها طريقها الخاص.

ولدت الكاتبة في مدينة البصرة بالعراق، وتقيم منذ سنوات في العاصمة الدنيماركية كوبنهاكن، وتعكس في اغلب قصصها ورواياتها ما جرى في البصرة وما شاهدته هذه المدينة العريقة في تاريخها المتأخر وخصوصا في فترة الحرب مع إيران والقصف المستمر لها مصائر الناس الذين عاشوا والذين آلت مصائر بعضهم الى العيش في الغربة هربا من الظروف الشاقة والمأساوية التي عاشتها وتعيشها هذه المدينة التي كانت الميناء العراقي الوحيد، والتي كان أهلوها يتميزون بخصال مميزة، دائما ما يشار إليها من قبل العراقيين وغيرهم : المرح والمزاج المتفائل والكرم والتسامح.

موضوع الرواية يمتاز بفرادة وتحدٍ في وقت واحد. فمصائر أبطال الرواية، عراقيين وبصريين على الأخص، وحياتهم تنعكس وتروى من قبل محللة نفسية دنيماركية، وهذه المهنة عمل معروف على نطاق واسع في بلدان أوربا، ومهمة هذا النوع من العمل هو معالجة المشاكل الاجتماعية التي تواجهها العائلات والأفراد الذين يتعرضون لمشاكل اجتماعية وعدم وضعف القدرة على التكيف وخصوصا الأجانب النازحين واللاجئين المقيمين في هذه الدول وتسهيل اندماجهم وتطبيع سلوكهم.

و يكمن التحدي في أن الروائية دنى غالي باختيارها هذا التناول الفريد، أي سرد وتحليل حياة العديد من العراقيين المقيمين في الدنمارك من وجهة نظر امرأة هي :

 أولا : دنيماركية وليست عربية وشرقية ما ألزم الكاتبة أن تكون مدركة، للفارق في الذهنية، بين طرق نظرتنا لأنفسنا وطريقة نظر الآخرين وخصوصا الأوربيين إلينا، أي أنه كان على الكاتبة أن تتخلى عن طريقتها في رؤية نفسها ورؤيتها لمواطنيها وأبطال روايتها وتتقمص الطريقة التي ينظر إلينا بها الأوربي مع كل الفوارق الذهنية والاجتماعية المفترضة.

ثانيا : إن هذه السيدة هي محللة نفسية متخصصة وذات تأهيل خاص وتحتاج إلى لغة مهنية، ما يفرض على الكاتبة تحديا ليس بالسهل يتطلب معرفة لطرق رؤية المتخصص ووسائل تعبيره ومجموعة المعلومات الاجتماعية والنفسية التي يفترض توفرها لديه، بل وحتى طرق التعبير الخاصة. وكما إن وصف الشخصيات مستل من وثائق الباحثة الاجتماعية وأشرطة التسجيل التي تستعملها من أجل التوثيق ما يلزمها، كما يفترض، الاختصار وواقعية السر واستعمال التعبير المهني والفني الدقيق.

و ليس ضمن مهامنا أن نكتشف فيما إذا كانت الروائية قد استفادت، ربما، من قيامها بالترجمة لبعض الحالات لمعرفة الأجواء ومسار الإجراءات المتبعة واللغة المهنية الضرورية لأن ما يهمنا هو الناتج النهائي.

يجتاز الكتاب الأوربيون مثل هذه التحديات بوجود فريق عمل يتضمن مستشاريهم الخاصين في الشؤون الفنية والقانونية والإدارية وفي كافة الاختصاصات ولا أعتقد إن مثل هذه الإمكانية كانت متاحة للكاتبة لأسباب كثيرة ليس أقلها أن الكتاب لا يحققون مردودا ماليا كبيرا من الكتابة يسمح بمثل هذا الترتيب. ولكي نسوق مثالا على وضع الكاتب الأوربي وطريقة تصديه لهذه المشكلة، نأخذ، مثالا، الكاتب البريطاني الراحل آرثر هيلي الذي رحل قبل فترة قصيرة في جزر البهاما عن عمر ناهز 84 والذي كتب روايات مشهورة عالميا، أسماها " الفندق " وأخرى " المستشفى ". وقد أدهش هيلي الناس بمعلوماته التفصيلية حتى عن صواميل المصعد وأجزائه الصغيرة حين تحدث عن حادث سقوطه في الفندق. كما تحدث في مكان آخر عن المطبخ وأنواع الزيت وقدرتها على تحمل الحرارة والتحولات الكيميائية التي يتعرض لها بلغة طباخ عالي التأهيل وعن الجوانب إضافة إلى حديثة عن الجوانب الإجرائية والقانونية للحوادث التي تواجهها إدارات الفنادق، وكان الفصل الخاص الذي تحدث فيه بالتفصيل عن قمامة الفندق وكيفية تصنيفها واستخراج المفقودات منها..الخ فيه الكثير من الحرفية والمتعة.

حققت روايات هيلي أعلى المبيعات وبلغ توزيعها حوالي 200 مليون نسخة، والمهم بالنسبة لنا إنه اعتمد في نجاحه كليا على تفاصيل تقنية مدهشة وحوادث تجعل القارئ يشعر كما لو أنه يشاهد فلما. كما أن هذا الطراز الفريد من الرواية يعطي القارئ كمية كبيرة من المعلومات الطريفة الموسوعية بأسلوب روائي مشوق.

و كانت الكاتبة قد ألزمت نفسها بالتوفيق بين لغتها ولغة أبطالها الشعرية التي تعكس طرق التعبير الشرقي والبصري العاطفي الدافئ من جهة وبين اللغة المهنية لامرأة هي أولا دينماركية وثانيا باحثة اجتماعية ذات تأهيل علمي، وهذه لا شك مفارقة وتحد تقني مهم.

أبطال الرواية الرئيسيون : مروى البصري وهي رسامة ونهلة صباح والتي غيرت اسمها عند إقامتها في الدنيمارك الى هيلينا سابا ورضا المولاني زوج الأخيرة والذي انفصل عنها مؤخرا كانوا يعرفون بعضهم في البصرة قبل هجرتهم إلى الدنيمارك ويشتركون بتعرضهم لحوادث تعرضت لها البصرة كما تعرضوا لها بشكل مشترك أحيانا : فقدان أعزة بسبب الحرب والأعدام لأسباب سياسية وتسفير بعض أصدقائهم وأعزتهم بسبب ما يدعى من أصولهم غير العراقية وقصف مدفعي اثناء الحرب العراقية الإيرانية طال أناسا أبرياء..الخ. هذه الحوادث ألقت بظلها على حياتهم الجديدة في المهجر. فرضا المولاني غير قادر على الاندماج في المجتمع الجديد وراغب في العودة الى العراق في حين كانت زوجته وطليقته لاحقا نهلة قد اندمجت بالمجتمع الجديد الى الحد الذي ترغب فيه بنسيان الماضي تماما الى الحد الذي تغيير فيه اسمها إلى هيلينا سابا، ومروى البصري التي يسرقها الماضي منتزعا ايها من وجودها في المهجر ومن انغمارها بفنها الى ذكريات تلقي بظلها، بأفراحها وأتراحها، على حياتها الحالية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com