دراسات نقدية

 

قراءة انطباعية في شعر نوفل أبو رغيف

(طرق و أنهار ومغازات في هذه الذاكرة ؟!)

 

عبد الإله الفهد

أحث الخطى في قصائد الشاعر نوفل ابو رغيف التي حملتها مجموعته الاولى (ضيوف في ذاكرة الجفاف) وكفوف تدفعني تارة نحو لجة ظلام دامس من الحزن الكثيف وتارة أخرى نحو ضوء نجم مستعر يتوهج الشعر الشفيف والعذب .. عينان مغرورقتان بالدمع .. قصائد بمثابة الصلاة على أرواح الراحلين ، اضطراب بعض الشيء وأنحني لألتقط أغصاناً يابسة ألقيها جانباً وأعاود السير في طرق أليفة عبدها الشاعر نوفل أبو رغيف برهافة الحس و صدق الكلم ، فهو يتساءل قائلا :

كيف ستحتشم الدنيا ؟

من زمن لا يخجل ؟

يتبعثر صوت الليل على صبح الأوراق ..

والهم القاحل سيقضّ مضاجع هذا الصمت الأقحل

{من قصيدة لغة الأحجار}

سماوات صفر تغص بالدخان .. وهدأة ترهف الأعصاب وحمامات خجلى تشتعل أجنحتها باتجاه الوجوه فتحرق غابات الذكريات وتهب رياح القصائد حارة جافة تندفع بقوة وتتمكن من الجلد مثل أبر الصنوبر الصدئة ونبصر أثآر مرور السنين واختلاف الفصول .. فتهب الرمال وهي تسوقني إلى السطور وحولي يتناثر ريش الطيور المسالمة و رائحة الراحلين فأسمع دوي الرحى وحفيف المناجل وهو يتطاير من رماده ، يقول ابو رغيف :

ونعلم أن بدايتنا مفترقْ

وكنا مضينا

ونصف خطانا قلق ..

ونصفٌ .. حمام جريح

وهذا الفضاء نفق

واسماؤنا كبخور قديم

نعلقه في زمان غسق

{من قصيدة رماد الحب}

قصائد ترشح بالألم وحركات الأقدام المتشققة ـــ بفعل السير المتواصل ـــ بطينة واهنة ، يسرف الرجال فيها بالهم بينما النساء يسرفن في هدهدة الأطفال .. كل هذا ترسمه لنا أنامل الشاعر(أبو رغيف) من دون تكلف ، فهي تطل علينا بوجه متورد كوجه طفل بريء وتارة أخرى بشحوب يشبه شحوب خشب التوابيت ، نشم رائحة الأجل و نسرح في سخرية الأقدار ..

و كأني بالشاعر وهو على أهبة سفر يقلب الحقائب والمواجع والصور ويعد العدة للرحيل وهو يخيط مئزر الاحتجاج ولكنه مفعم بالخشوع والصبر ويرتفع لديه الإحساس بالضياع .. يحدق بوجوه الرجال الرمادية الشاحبة من أثر الأنيميا والعبوس فتسمع وقع النشيج وننظر إلى السماء الغاصة بالدخان بأعين ضارعة متوسلة إلى الشمس العارية المكدرة اللون .. وبمحاذاة قصائد (أبورغيف) نشاهد أشخاصا نعرفهم في السماء يرغبون في الاستماع إلى صلواتنا ، يواصل قائلاً :

وكيف نعود ؟

وهذا التحدي ألقْ

وحين بكى

ولملم أسرابه وانطلق ..

تأخّر طير يتيم

وسالت على صمتنا دمعةٌ

فاحترقْ ...

{من رماد الحب}

بيوت مظفورة بعيدان القصب إنه قصب العمر ينكفئ السكون حولها فيحرق المرح و زقزقة الأطفال و مزاح الصبية .. تحيلني إلى هذا القصب مجموعة الشاعر فألبس قميصا من السطور المخملية التي اختارها نوفل بعناية بوجهه القرنفلي و بعينيه الرشيقتين ليشرق في الطرب ، الطرب بمعناه الأصيل ، طرب للوجع و أجلس على حافة مقعد خشبي من خشب البساتين التي تيبست وأنقر على قيثارة التداعيات التي حركها الشاعر بأصابع قائمة ذات عقد وجذور ، لسماع مثل هذا الشعر أحتاج إلى أذن حكيمة وكمية ضوء تتيح لي رؤية الزيزفون والزهور البنفسجية وهي تهبط على القلب برائحة القصائد العذبة الموشحة بالإيقاع يقول :

.. ودعاء صعبٌ

وصدى لنخيل مذبوح

وتعمّر اشلاء الرغبة

في صحراء الروح

{من صحراء الروح}

Text Box: *

 ينثر نوفل أبو رغيف في مجموعته الشعرية هذه، مفردات دافئة تعبق بالشعر وتترنم بالهمس وخفق أجنحة الحمام الذي يحلق عالياً .. عاليا و لا يعود .

(ضيوف في ذاكرة الجفاف) مجموعة شعرية (( نوفل أبو رغيف )) بغداد 1999 دار اليمامة للطباعة .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com