دراسات نقدية

قراءة في المجموعة القصصية ( الكرسي الأزرق ) للكاتب المغربي عبد الله المتقي

 حسن برطال / المغرب

hassanbertal@maktoob.com

تفاعل الأمكنة ( الكرسي ) ..مع حركية اللون ( الزرقة ) في نصوص المجموعة..

عبد الله المتقي مع اختياره لزرقة الخشب يتحول إلى كائن ( هوائي / مائي ) لإحياء جماده ( الكرسي )

لينقلب من أداة فاخرة تستقطب( الكروش ) المُتخمة إلى مقعد بعجلات يساعد على الإعاقة الفكرية و

الروحية و هذا ليس بغريب عن فارس ( أسردون ) الذي و مند صرخته الأولى و مضخة قلبه تصارع الشلال القوي.. و يموت ليحيا في تياره المتساقط ( و جعلنا من الماء كل شيء حي ).. إنه الصمود القوي

و الكون الغير القابل للتزحزح ( بزُرقة ماءه و فضائه ).. إنه عالم الواقع و الغير المتخيل الذي نفخ فيه الكاتب من روحه.. و حركه بعد تشكيله ( الكرسي / الأزرق )..

هذا المرتع يتحول في غالب الأحيان بزرقته إلى مركبة ( فضائية / مائية ) حيت غشاوة اللون الأزرق لتناشد العلو و ليس التعالي و الاستعلاء على القارئ، تهتز مع حركات الموج.. تتقدم و تتراجع مع

المد و الجزر.. ( مبارزة القارئ ).. تقارع صخور القاع لتحريك البنية التحتية و المستحثات الرسوبية

المترسبة.. و منها إلى قمة الهرم حيث( المنقار) و السهم الدامي حينما يزمجر مع الرعد وسط ( زرقة )

الفضاء مرتكزا على سرد ( خطي ) يجعل التراكمات اللغوية عبارة عن بساط و جسد إبداعي خالي من

النتوءات التضاريسية تمكنه من فرض توازنه( وجعلنا الجبال رواسي ) بل الأهم من ذلك هو أن التضاريس ( الكلامية ) تُعَجل بتنظيم مُحْكم لنزال ضروس بين المتلقي و النص ينتهي بالنتيجة المرغوب فيها.. ألا و هي فوز من كانت هزيمته منتظرة..

إنها قمة الإبداع حينما يتمكن الكاتب من الخروج من جلده الآدمي ليصبح ( وحيا ) يربط السماء بالأرض

و إلى ( بُراق ) يعرج بنا من الأسفل إلى الأعلى في رمشة عين و ذلك بفضل آلته الذكية الكاشفة للألغام

و حسن اختياره لقوة ( زُرقة ) اللون.. و هنا يكون من المفروض أن نقول أن هذا الإعجاز المجازي

لم يأت من فراغ و لكنه نابت وسط موروث سليم و زاد بمتاع أنطولوجي حديث تجرها قاطرة ثراته

يهرب به بعيدا عن المنزلقات ( الزنقاوية ) التي تجرد اللون من مصدر قوته و إيحاءاته التي خُلِق من

أجلها رافضا الاعتراف بالمقولات التي تقول: -- فلان ( أزرق ) يعني أنه لا يفقه في الأمور شيئا..

و لو لمست شيئا من هذا لقلتُ لكاتبنا.. يا أخي المتقي.. اتقي الله في خلق الله و سمي الأشياء بأسمائها

و في عالم التشكيل أيضا يكون اكتساح لون معَين للوحة راجع إلى ميكانيزمات لاشعورية تجعل المكان

يلبس لونه بعد مخاض عسير وسط تفاعلين اثنين ( ظاهر / باطن ) ينتج عنه ثنائية ( تأكيد الذات / اختباء

و هزيمة ).. ( العنصرية / السواد ).. ( السلام / لبياض ).. ( الزرقة / اتساع المكان ) و هذا أعتبره تأكيدا

لذات مُعَينة.. أما الألوان ( الحر بائية ) فهي انصهار الذات في المكان قصد الاختباء و الاحتماء فيه...

أليس هذا تحريك لجغرافية معقدة لا يتحقق إلا بالتزام صادق مع الألوان.. ؟؟

 

[ ( الكرسي الذي يقف على رجليه، يبدو الآن مستلقيا على قفاه قرب الباب ) ( حركة في المكان ) ]

[ ( الكرسي الأزرق يقطب جبينه الآن )..( حركة في المكان و الزمان ) ( الجسد / الروح ) ] نص

( الكرسي الأزرق ) ص (67).. كما أن غرفة صغيرة تتحول إلى قضاء واسع بومضة ( زرقاء )

سريعة تتبنى عدة ارتدادات مستعجلة و متلاحقة يعجز عن رصدها سُلم ( ريشتر ) الزمني...

( تملصتْ منه برفق ، و انسحبتْ إلى مرآتها مُخلفة خلفها ما يُشبه الإ شتعالات.. صففتْ شعرها.. رشتْ

إبطيها برائحة الجنة..) نص ( علبة زرقاء ) ص (50) ويصل ألحكي ذروته في عزف سيمفونية اللون

وعلاقته بمساحات المكان ( جغرافيا / زمنيا ) حينما يتحول فرد آدمي إلى ذاكرة تاريخ يُعنى بتسجيل

الأحداث و التطورات عاشها شعب أو أمة بكاملها.. ( التاريخ / صانعه ) .. حركة ( زمان / مكان )

 

[ قال الأب :

-- هذه صومعة حسان

-- وبناها يعقوب المنصور

و بعد لحظة، استدار الطفل فوقعتْ عيناه على شيخ منهك في بذلة ( زرقاء ) يلمع باب الصومعة تم عاد

الطفل ليسأل أباه :

--  هذا الرجل ( الأزرق ) هو خالي منصور.. ؟؟ ] نص ( منصور ) ص (45) و حينما يولج الكاتب

( البستاني) في( البستان )..و العكس صحيح و يربط حياة شخص بمكن وبذلة ( زرقاء ) تشير إلى عمل

معين فإنه يؤرخ لتمدد حركة ( زمكمانية ) تُحَول متر واحد من خطوة عامل بسيط إلى آلاف الكيلومترات

في حقل برمزية مضبوطة يحتفظ اللون ( الأزرق ) بسريتها .. [ البستاني يشذب الطفيليات بمقص صدئ

يتصبب العرق من أساريره ،يمسحه بكُم قميصه ( الأزرق ) ] نص ( غضب ) (28).. [ أمي تسرح شعرها بالزيت ا لبلدي.. أبي يرتق بْلوزَتَهُ ( الزرقاء ) بخيوط بيضاء ] نص ( دادة ) ص  (15)

ومن المفارقات المحمودة هو اكتشاف لتمرد على العرقية ة القومية داخل عوالم هذه المجموعة و لانفتاح على ثقافة الآخر لو كانت بالمرموز تحت جلباب عيون الشقراوات.. وهذا المطياف اللوني الذي يعتصر

دبدبات ضوئية مصدرها عين الكاتب ا لثاقبة التي تجعل قوس قزح يُعاني من استنزاف لونه من قبل الذات الجامدة كذلك.. لكنني أشعر و كأن هذا التمازج ( العصيدة ) و المأكولات المحلية التي يطبخها الكاتب

مع كمية زائدة من زيت الزيتون بقدر ما تزيد في لذة مذاقها على مستوى اللسان بقدر ما تتسبب في بعض

الإنزلاقات فوق مائدة الأكل لأن مطبخ  (الآخر) بمجال ضيق لا يتسع لصحون و أطباق مختلفة دسمة

تفوق دهنياتها الحد المطلوب يجعل معدة الأجنبي الغير الملقحة تعجز عن مسايرة هذه الوصفات الغريبة

فمثلا.. ثنائية ( العانة / الفراشة ) تختزل جمال الجناح السماوي المزركش للفراشة في حُلكة شعيرات

سوداء ترتبط بهامشية الأمكنة الجسدية المسكوت عنها و عن معاناتها التي لا حول لها و لا قوة على الطيران و لو عبر عبارات مثناترة بواسطة شفاه يعلوها لون ( احمرار) الخجل،الحشمة و الحرج وسط

جلسات حميمية أسرية.. ( حكى الرجل عن عانته، فراشته ، و طفولته المشاغبة ، ضنت المرأة أن الرجل

احتساه النبيذ.. ) نص ( زغب الشيطان ) ص (13)... فالتواطؤ هنا على التستر و ابتلاع مجموعة من الحقائق بواسطة قفزة ( طولية ) تربط بين القطبين ( العانة / الفراشة ).. كتحويل جناح الفراشة إلى مسحوق في رحاب مختبر الصبا للتعجيل بظهور شعر ( العانة ) أعتبره انزواءا مردوما قهرا غالبا ما يجعل الذاكرة تُسائل نفسها و يزداد ( السؤال / جواب ) حدة في غياب تجارب طفولية ذات نطاق أوسع 

أو فضاء أسري ذو مجال ضيق مكبل بتقاليد و عادات معكوسة تسكتُ عن ( المعلوم ) و تنطق بالمسكوت

عنه لكن الدخول القوي للكاتب باستعماله كلمة ( الكرسي ) كمكان ثابت هذه القبضة التي تتحكم في العالم

بجميع مكوناته.. من مجلس للراحة.. إلى مجلس القرار و الحكم.. و مجالس الإدارات حيث مصير العمال

مجالس الأمن الدولي و مصير الشعوب.. مجالس الاعترافات.. الكرسي المتحرك.. الكرسي الكهربائي

و تعذيب.. الكرسي الخلفي الذي يحطكَ دائما وراء الظهر كل هده الصوَر الكابوسية التي يحملها الشريط

بالأبيض و الأسود و بالتصوير البطيء لتؤدي بالقارئ إلى الموت البطيء أيضا يكون( مقص ) عبد الله

المتقي هو الأسرع في ممارسة رقابته بتلوين كرسيه ب ( زرقة ) الحلم متمسكا بقوة خالق الكون ملتمسا

الرحمة لسائر العباد( آية الكرسي ) الكريمة..[ وسع كرسيه السماوات ] و كأن الآية تأتي لتفك لغزا و تقضي في نزاع ( مدني ) يكون الحُكم فيه يرضي الطرفين ( الكاتب / القارئ ) و هكذا تكون ثنائية

( الكرسي / السماء ) ثتلج القلوب بالغيث و تحيي الأرض بعد موتها.. و تعود الأحلام الوردية كلما وجدنا

أنفسنا أمام ( الكرسي / الأزرق ) مكان مُتحرك يسعى لجلسة مريحة و مطمئنة..

فإذا وضعنا جل النصوص تحت المجهر فإن الرؤية المدققة ترصد حركات ( الكرسي ) بالرغم من ذوبانه

في نار تكون بردا و سلاما على القارئ بفعل برودة الزجاج الواقي ل ( الصفيحة ) نص ( غـــرقى )

ص (23) [ التلاميذ يكتبون على الدفتر] نلاحظ هنا بأن ( التلاميذ / الكتابة / الدفتر ) كل هذه الأشياء

ماهي إلا اعترافات و تبليغات من طرف ( النص / الشاهد ) عن ضمير مستتر لا يمكن الاستغناء عنه

و من الواجب مكاشفته الا وهي ثنائية ( الطاولة / القسم ) مع التأكيد على زرقته مرة ثانية .. ذلك اللون

الثابت على رمزيته البعيدة المداهنات المجانية.. [ يخرج الطفل أقلامه الملونة،يرسم ( بحرا ) و قاربا ]

نص ( غــــرقى ) ص (23) ( الكرسي / زرقة البحر ) و تأتي الومضات قصيرة جدا في( التوقيت )

وليس في( الهيئة) لتسافر بالمتلقي سريعا في ( الزمن ) و ليس في ( المكان ) لأن ما يتحقق في الحلم يعجز عنه الواقع و هذه ي لعصا السحرية التي شقت البحر لتسلك المجموعة مسلك النجاة.. و تُصنف

من بين أجود ما كُتب في مجال ( القصة الومضة )..

[ هاهي....هاهو...] نص ( غشت ) ص (49) إنه دخل يلتهم المكان في وقت وجيز.. كعداء المسافات

القصيرة جدا...

هو..

كان مستلقيا فوق السرير

هي..

كانت في المطبخ تغسل

هو..

يتنصل من ملابسه و..

هي

توغلت الكحة فيها... نص (مدونة ) ص (48)

فكل هذه الهمسات تستمد شعائرها من المرجع الرباني ( القرآن الكريم ) [ يذكرون الله قياما و ( قعودا ) ]

وهكذا نسافر رفقة الكرسي عبر تشكيلات عنقودية [ ( هي ) وضعت حقيبتها فوق ( الكرسي ) المقابل ..)

( استيقظت ( هي ) فزعة ،التفتت يمينا و شمالا لم يكن هناك ) نص ( نافذة القطار ) ص (42) نلاحظ

نهاية النص مع استمرارية الجلوس ( الكرسي )..

إن كلمة (الكرسي) كعتبة موازية لنصوص المجموعة تم اختيارها مع سبق الإسرار لأن القارئ يشعر

و كأن الأداة عبارة عن قطعة مغناطيسية سالبة من هذا الطرف.. و موجبة من الآخرلتجتدب لها ما هو ضروري لتأتيت المكان و الدفع بالزائدات إلى الخلف وهكذا يأتي الحدث بالصورة في مكانه المناسب

و آثاته المناسبة [ ( القطار / السفر قعودا ) نص ( نافذة القطار ) ص (42) ].. ( وقفتْ سيارة أجرة بيضاء،وصعد الرجل.. )  نص ( جنون ) ص (58) ( السيارة / الكرسي ) دائما في تأتيت المكان بما يناسبه و التزام النصوص و استسلامها لهيمنة العنوان..كما يتكرر ذلك في نص ( خنز ) ص (60)

[ لم يجمع وقفته..لم يتفقد فم المرحاض ]..( عدم الوقوف / المرحاض / جلوس ) وهكذا نلاحظ بأن الكرسي يظهر و يختفي... وتسير الأمور على نفس المنوال في نص ( طوق الحمامة ) [ يضع الرسالة

فوق المكتب الحائل ]

لكن بالرغم من هذه السهولة المفتعلة فهناك امتناع دفين لايعرف سره سوى صاحبه و لهذا يجب علينا

التأكيد بأن هذا الاتحاد بين أغلب النصوص و التفافها حول التمرد يجعل القارئ العادي تصعب عليه ملامسة القضية الأم.. لأن عدد القضايا يأتي بعدد نصوص المجموعة مع طرح عنصر التفرد كواجب

و استقلالية الخطاب في أهدافه و مراميه.. وهنا تكن صعلكة النصوص لقصيرة جدا لأن المجموعة

ككل أعتبرها ( سورا ) يبدو من الظاهر بملامح واحدة.. لكنه من الداخل يقف على أحجار لكل واحدة

لها خصائصها ومميزاتها و أن الكتابة ب ( الإيجاز ) كالغطس في مسبح ضيق يعتد على العقل و سرعة البديهة.. عكس مقارعة الأمواج و تيارالبحرحيت تكون قوة العضلات حاضرة ...

 

وفي الختام يمكنني أن أقول بأن المجموعة تقف أمامي كمغارة علي بابا بألغازها لاتستسلم إلا لصاحبها

و مفاتيحه السحرية ..لأنني كلما حاولتُ التمكن منها ، تتملص.. و كلما حاولت أن أجد( نهاية) لهذا أعود

إلى (0) .. لأن المجموعة بزرقة فضائها و بحرها يشكل ( اللا نهائي ) () و وقوفي بمفردي عليه يُحولني إلى المعادلة التالية [ ( الا نهائي )/(1)]  ()  التي تكون نهايتها هو(0) الصفر.../

هوامش:

( الكرسي الأزرق ) مجموعة قصص / عبد الله المتقي

منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب / حسن برطال

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com