دراسات نقدية

 

احمد الصافي النجفي .. شاعر متمرد كتب نصف الادب العربي في بيتين

 

الدكتور صدام فهد الاسدي / البصرة

saddam_alasadi@yahoo.com

ليست حكاية من الخيال ابدا,انها من روائع المواقف التي عاشها الشاعر النجفي الكبير احمد الصافي في الستينيات عندما كان مغتربا يطوف البلدان باحثا عن مكان ,فكيف كتب نصف الادب العربي ,انها قولة لاحد الغربيين قالها بعد قراءة البيتين اللذين خطهما النجفي احمد على واجهة السفارة الامريكية,والحادثة تتكلم عن جون كندي وهو يحضر الى حفل فقال له المذيع لماذا تاخرت ياسيدي؟قال تاخرت لغسل فمي من دنس قهوة عربية؟؟؟فباع الصافي سترته التي لايمتلك غيرها واشترى علبة من الصبغ وكتب بيتيه الخالدين :

لئن تغسل الفم من قهوة      وبعدها غسلت في دمك

فاعلم بانك قذر اللسان    وقهوتنا غسلت من فمك

هكذا الشاعر الملتزم بقضايا وطنه وامته ,والا يكون بوقا يغني للمحتلين والغزاة,وهذا ليس غريبا على شعراء القرن المنصرم وهم يسطرون المواقف الكبرى في سجل الخلود

كان الصافي واحدا من المتمردين على الحياة وتناقضاتها مثل الحصيري ومردان ورشدي العامل والناصري

والصافي طراز خاص من التمرد والعزلة والغربة وهو المصرح بعظمة لسانه(فطرت منذ الصغر على الانحراف من الجادة العامة التي لاارى فيها جديدا)ولايعني الانحراف الخروج عن القانون ولكن عدم السير على جادة الظلام وقد مثل نفسه بالمتنبي:

الى الشعر ياتي كل الف مجدد           فبعد نبي الشعر احمد احمد

وقد اعلن للناس ان يسيروا على هديه:

اسير كما توحي الي سريرتي       فان شئتم ان تهتدوا بي فاهتدوا

وقد بدأ تمرده على الشعر:

بربك مايقول الناس يوما    اذا السخف استحال اليه شعرا

فيا من ينقد الاشعار جهلا    ويهوى دون لب القول قشرا

واعلن تمرده على الفنانين:

جلبواصباغ الغرب ثم طلوا به      فنا قبيحا خدهم وجسوما

واكتشف الصافي سر خيبتهوهو يجوب المسالك والوظائف ولم يفلح بشيء قد فشل فيها فقال:

فادركت من بعد العنا سر خيبتي      وايقنت بعد البحث اني شاعر

فراى الناس كلهمخارجين عن الطباع البشريةحتى غدا كارها جاره:

لي جارة قد حرت في امرها           ودلها الممقوت او كبرها

اقول اذ اسمع اقدامها                 قد قامت الحية من وكرها

وكره الدار والجار معا واعترض على من يؤمن الدار قبل الجار :

قال قوم الدار قبل الجار    ولذا قد الفت سكني القفار

طفت في الارض ماظفرت بجار     فمن الياس ما اقمت بدار

وهكذا ظل الشاعر رهين عزلته وبات شعره سجينا مثله:

حظك يا شعر مثل حظي          جئنا سجينين للوجود

ام انت مثلي تعيش ملقى         فمن مهود الى لحود

وعاش الصافي بعيدا عن مرابع صباه ومغاني انسه ومجمع اترابه في قرية الجعارة في النجف,عاش ماتبقى من عمره غريبا وحيدا منعزلا لااسرة تؤويه ولاصاحب يشاركه  فماذا نتوقع ردود فعله ؟وهو معدوم من مكونات الحياة ينظر اليها بمنظار اسود,حتى سئم الحياة نجاحها وفشلها معا":

اني سئمت معيشتي     افلا اموت على الاقل

لذا طلب القبر سبيلا لخلاصه من الحياة:

ايا قبرا له جسمي يؤول     تعبت من المسير متى الوصول

وهكذا كره الشعر ملاذه وعماده لما راى كساد سوقه:

تخليت عن نظم القصائد جانبا    وحطمت اقلامي ومزقت قرطاسي

كيف تحول الشاعر المحب الى الطبيعة كارها الابتسامةحتى من الوردوغدت الندامة تطوي رحالهواماله ولايطيق حتى ان يحمل رجله:

وما العيش عندي غير مستنقع     وقعت ومالي منه منجى سوى القبر

اذا رمت منه رفع رجلي جاهدا    ارى رجلي الاخرى تغور الى القعر

وبعد ماسر هذه السوداوية المقيتة ؟القاتلة لصاحبها ولعل دمامة الشاعر اول اسبابها فهو الذي يعترف بذلك:

وجهي دميم وقلبي            عدو كل دميم

وكذلك اعتلال جسمه ومرضه الدائم حتى طحنت اضلاعه من الالم:

تقطع كل عضو من اخيه      فلم يقبل باي الموصلات

واشعر بالعظام مكسرات      جميعا قد طحن بمطحنات 

ولعل الكآبة هذه يذكرها في اخريات عمره:

استقبل الستين مستوحشا       لااهل لامال ولاولد

لامسكن اوي اليه ولا         لاسكن لاهند لادعد

وكانت النس كلها سر هزيمتهوهو المتمرد على الجميع لايثق باحد والشك من اسراره ولايصدق بالعلاقات بين الناس :

لو يلبس الناس ماتخفي سرائرهم    غطت على الناس ادناس وارجاس

وقد طفح الكيل عند الصافي ونجد موضوعيته في قول السياب(الصافي موضوعي الى ابعد الحدود؟,انه ظاهرة ضخمة في الشعر)وقال آخر(شاعر يانف ان ياوي الى قصر بناه سواه)الشاعر الذي حاربته الايام وتزوجته الاسقام وصحبته الوحدة والعزلة ,ولد يتيما وعاش يتيما وغريبا ودعته الشام جريحا واستقبلته بغداد ضريرا:

بغداد حار المادحون بوصفها     زين البلاد كثيرة الاوصاف

كانت تحن لقطعة من كبدها      واليوم عادت حين عاد الصافي

انه متنبي عصره متمرد مثله على الذنوب ,غريب السلوك والمزاج في كل شيء الملبس والمآكل والنوم وله حساسية مفرطة امام الناس وهو يابى العطف والمساعدةواذا جلس في المقهى يرفض من يدفع عنه ثمن شايه وهو القائل:

فعش ما حييت بانف اشم     ولاترض يوما لشي خضوعا

عاش في بيت فارغ الا من اللهالذي لاينسى عبده الذي خلقه فهو الكفيل برزقه ومعيشته:

ياحائر الفكر في معيشته      لاتظطرب فالله خالقكا

وبعد هل انتهيت من شاعر مثل مدرسة مستقلة لوحده في دواوين كثيرة منها حصاد السجن واشعة ملونة

ويبقى صوت الصافي النجفي مدويا في قاموس الكبرياء وعزة النفس ابدا واذا امتدت الايدي من الناس امام الاخرين فحاشا الصافي ان يكون كذلك؟ولكن اين النهاية؟لقد كتب قبل رحيله بعشرة اعوام واوصى بان يكتب هذا البيت على المنطقة التي فيها قبره القريب من ضريح الامام علي عليه السلام:

ان قبري سوف يهدم يوما      وتدوس الكلاب فوق الرفاة

نعم لقد هدم الجلادون قبره في احداث 1990م ولم يبق شيء لهذا الشاعر سوى شعره المحفور في ذاكرة التاريخ وفي ضمائر المحبين للتراث  العراقي الاصيل.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com