دراسات نقدية

 

الحكمة في شعر المتنبي

صبيحة شبر / اديبة عراقية / المغرب

sabiha_kadhum@hotmail.com

أبو الطيب المتنبي،، الشاعر الظاهرة،، شاغل الناس،،، وماليء الدنيا،،بعظيم القصائد،، ورائع الأشعار،، ذلك الإنسان،، كبير  النفس،، عالي الهمة،، العفيف العزوف عن الدنايا،، وعن الانغماس في اللذات،، المشغول بطموحه الى المجد،، المحب لقومه،، والذي تميز بالذكاء الحاد، وقوة الملاحظة، والتضلع في اللغة ...

 تناول جميع الفنون الشعرية،، المعروفة في زمانه،، وصف، ورثى، وهجا، وافتخر، لكنه برع،، براعة لا مثيل لها،، في شعر الحكمة والأمثال،، بعض أبياته تسير مسرى المثل،، فتغنى بها الناس، وأنشدتها الأجيال،، واستشهد بها القائلون،،، للتدليل على صحة أقوالهم،، وتكاد الحكم والأمثال تطغى على أكثر ما أثر للمتنبي من شعر، واستطاع الشاعر،، بمهارته المعروفة،، ان يعرض هذه الأمثال عرضا أدبيا،، رائعا،، بحيث دارت على ألسنة الناس في كل زمن،، وكل مناسبة،، وانه استطاع ان ينظم الأبيات الرائعة،، معبرا  أصدق تعبير،، عن أدق الطبائع البشرية،، ومتحدثا عن آلام الناس، وأحلامهم،، ومشاغلهم،، وعن مشاعر القلوب،، وأوجاعها،، بأسلوب جميل ندر  نظيره

أبيات الحكمة كثيرة، اخترت منها هذه الأبيات الرائعة :

ذريني أنل ما لا ينال من العلى ××× فصعب العلى في الصعب والسهل في السهل

تريدين لقيان المعالي رخيصة ×××  و لا بد  دون  الشهد  من  ابر  النحل

دعيني أيتها اللائمة،، أنل من المعالي، ما لم ينله احد قبلي،، فان العلى الصعبة العسيرة المنال، في الطرق الوعرة التي لا يسلكها الا القادرون،، دعيني أتكلف من المشاق، ما أنا أهل لتكلفه،، هل تتوقعين ان تصلي الى المعالي، دون ان تبذلي الجهود الكبيرة،، وتتعرضي للمشاق العظيمة ؟؟ المعالي لا تدرك بالهين من الأعمال،، فان من يريد التمتع بلذة الشهد، عليه أن يتحمل لسعات النحل 

××××××

وقد يتزيا بالهوى غير أهله ××× ويستصحب الإنسان من لا يلائمه

قد يجبر الإنسان على صداقة شخص،، بعيد عنه في الخلق والاهتمامات، وليس أهلا لصداقته،، كما يوجد من يدعي الهوى، في وقت لا يكابد أوجاعه

         ××××××

واذا كانت النفوس كبارا ××× تعبت في مرادها الأجسام

اذا كبرت همة الإنسان، وعظمت نفسه، أتعبت تلك الهمة العالية الجسم، في الوصول الى غايتها، لان الإنسان يتعب جسمه ان كانت همته عالية وطموحه كبيرا،، وأحلامه من العظمة يستهين معها بالأهوال، ويعرض جسمه الى التعب والضمور

×××××

كل عيش ما لم تطبه حمام ××× كل شمس ما لم تكنها ظلام

أي نوع من العيش لم تكن تحبه، ولم تطب به نفسك، وتؤنس روحك بقربه،، هو والموت سيان،، وكل شمس مظلمة ان لم تكن أنت هي الشمس أيها الحبيب

××××××

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ××× إذا استوت عنده الأنوار والظلم

اذا لم يكن الإنسان قادرا،،على التمييز بين النور والظلام،، فأي نفع يعود عليه من عينه المبصرة ؟؟ شتان بين النور والظلمة، وعلى الإنسان العاقل الرشيد،، ان يميز بينهما ....

×××××××

شر البلاد مكان لا صديق به ××× وشر  ما يكسب الإنسان ما يصم

شر البلدان مكان  يخلو من مخلوق، نرتاح له، ونجد في صحبته لنا نعيما واطمئنانا حين تسكن نفوسنا المرهقة، الى ذلك الصديق، وتجد فيه توأم الروح وضالة الفؤاد،، وشر ما يكسبه المرء، ذلك الذي يكون سببا في عيبه وذله

××××××

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ×××× وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها ×××× وتصغر في عين العظيم العظائم

ان العزيمة تكون على قدر أهلها، ان كان الأشخاص كبارا طموحين قادرين على تحقيق أحلامهم،، كانت عزيمتهم قوية مثلهم،، وكذلك المكارم تكون دائما على قدر أصحابها، فمن كان أكرم المخلوقات،، أتى من الأعمال أكرمها خصالا

وصغائر الأمور عظيمة،، في عيون صغار الناس فيستهويهم أمرها،، ويصفقون لها استحسانا وطربا، اما عظائم الأمور فهي صغيرة في عيون الكبار،، القادرين على تحقيق الأحلام وتحويلها الى حقائق جميلة

××××××

إذا كان الشباب السكر والشيب هما فالحياة هي الحمام

وما كل بمعذور ببخل ××× ولا كل على بخل يلام

ان كان الإنسان في فترة الشباب يتصرف كالسكران،، لهوا وغفلة،، وفي فترة الشيب، يغرق في الأحزان أسفا على ما فاته من نفع،وعلى ما اعترى حياته، من مرض وضعف وتراجع،، نادما لما فات من عمره،، دون ان يستغله في المفيد،،  فان حياته حينذاك تعني الموت، وهي منغصة عليه في كل مراحل عمره ...

   وليس كل أمريء بخيل يعذر على بخله،، الفقير معذور، لأنه لا يجد لديه ما ينفقه على الآخرين كرما وجودا، مهما اجتهد، الرزق عنده محدود، لا يستطيع معه الإكرام، اما الغني البخيل، فلا عذر له في بخله، لان الله قد منحه الغنى، الذي يمكنه من أكرام الآخرين

××××××

ذل من يغبط الذليل بعيش ××× رب عيش أخف منه الحمام

كل  حلم  أتى بغير اقتدار ×××× حجة لا جيء إليها اللئام

من يهن يسهل الهوان عليه ××× × ما لجرح بميت إيلام

من يتمنى عيشة الذليل،، فهو ذليل مثله، للحياة أنواع بغيضة، اشد وطأة على الإنسان الكريم من الموت،، والحلم،، ان كان من غير قدرة يكون عجزا، يأتي بغير محله،، وهو حجة يلجا إليها اللئام، العاجزون عن التصدي للإساءة،، فيطلقون على عجزهم صفة ( الحلم ) وهم بعيدون كل البعد عن هذه الخصلة الجميلة، التي لاتتاتى الا لذوي  المباديء من الناس، والشخص الذي لا يحترم نفسه، ولا يقدر ذاته، يسهل عليه، احتمال الأذى من الآخرين، وهو كالميت، مهما جرحته، لا يستنكر، ولا يظهر التألم من الأذى، وذلك أضعف الإيمان

××××××

اذا غامرت في شرف مروم ××× فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر صغير ××× كطعم الموت في أمر عظيم

ان حاولت أيها الإنسان،، ان تكتسب منزلة رفيعة بين بني البشر وان تصل الى مستوى الشرف العظيم، والسامي،، وناضلت من اجل الحصول على بغيتك،، فلا تقنع بما هو دونها علوا ورفعة،، ولا ترض باليسير من الأحلام، ولا تخش من الموت، فان الموت واحد، وطعمه في الأمر الهين،، البسيط كطعمه في الشيء  الشديد،،فلا مناص، أيها الإنسان الطموح أن تجتاز الصعاب، لتصل الى القمم العالية ...

×××××

يرى الجبناء ان العجز عقل ××× وتلك خديعة الطبع اللئيم

وكل شجاعة في المرء تغني ××× ولا مثل الشجاعة في الحكيم

وكم من عائب قولا صحيحا ××× وافته من الفهم السقيم

ولكن  تأخذ الأذان  منه ×××××× على قدر القرائح والعلوم

الجبان لئيم، ويعرف انه جبان، وليس بامكانه ان يكون شجاعا، لكنه من الخبث واللؤم يحاول ان يبرر جبنه، انه اتصاف بالعقل، والاتزان،، والتفكير قبل اقتحام الأهوال، والتعرض الى المخاطر، وجبنه ذاك طبع فيه،، وصغر همة ..

الشجاعة من الصفات الايجابية الجميلة، وهي تعين صاحبها يبتعد  من حياة الذل والهوان، وخير أنواعها تلك التي تكون في شخص حكيم، امتاز بالدراية ومعرفة الحياة، والحكمة، بالإضافة الى الشجاعة،، وكم من شخص نراه بيننا يعيب علينا الكلام الصحيح، وليس العيب فيما نقوله،، وإنما العيب كامن في ذلك المخلوق الذي حرمه الله من نعمة الفهم، ولم يمنحه العقل، ليستطيع به إدراك الأمور،،او فهمها، بالطريقة الصائبة التي يتميز بها،، ذوي العقول المفكرة، كل إنسان يأخذ من الكلام ما يتناسب وميوله، والأذن ميالة الى سماع الحديث الذي يتلاءم مع قريحة صاحبها،، ومدى فهمه للأمور

××××××

والهم يخترم الجسيم نحافة ×××× ويشيب ناصية الصبي ويهرم

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ×× وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

الحزن ان استبد بالإنسان، اذهب صحة جسمه، وجاء له بالهزال، فيشيب الصبي،، قبل الأوان،، من هول ما يتعرض له من مصاعب وأهوال،، حتى يغدو هرما عجوزا،، ضعفا وعجزا،،والعاقل يشقى وان كان في نعيم كبير،، لأنه دائم التفكير في عاقبة الأمور،، يدرك ان الحال في تبدل مستمر، وانه من المحال ثبات الأحوال،، اما الجاهل فهو سعيد في شقاوته،،لغفلته وقلة تفكيره في عواقب الأمور

××××××

لا يخدعنك من عدو دمعه ×××× وارحم شبابك من عدو ترحم

لا تنخدع ايها الإنسان الطيب،، ان رأيت دموع عدوك سائلة على خده، إنها خدعة،، يلجا إليها لتنطلي عليك، وينفث سمه لاستدرار عطفك، ومسامحته على ما بدر منه،، نحوك من ذنوب كبيرة،، ارحم شبابك، ولا تسمح بخدع العدو تنطلي عليك،، تعش في مأمن ...

×××××

ومن البلية عذل من لايرعوي ×××× عن غيه وخطاب من لا يفهم

من أعظم المصائب ان تعاتب من لا يفهم أسباب عتابك، ويظن انه لم يفعل شيئا يستوجب الغضب والعتاب، عتبك هذا سوف يتعبك،لأن من تعتب عليه،، لا يفهم دواعيه،ولا يجعله بالتالي يكف عن أخطائه بحقك،، ومن المصيبة ان تخاطب من لا يستطيع ان يفهم معاني كلامك، ولا يفقه العبرة منه...

××××

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ×××× وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى محبيه بقول عداته ××× وأصبح في ليل من الشك مظلم

واحلم عن خل واعلم انه ××× متى أجزه حلما على الجهل يندم

ان ساء فعل الإنسان،، ساءت ظنونه بالناس، واعتقد ان كلهم يرتكبون الأخطاء، والهفوات بحق الآخرين، يظل خائفا ان يسيء اليه الآخرون كما أساء هو إليهم، وينقلب على أصدقائه، لأنه أضحى يصدق الوشايات،، التي تأتيه ضدهم، لم يعد قادرا على التمييز،، بين تصرفات الأصدقاء،وتصرفات الأعداء، لانه سبق له شخصيا ان أساء لأحد أصدقائه، والسيئ لا يعرف ان يحسن الظن، وهو يعادي من يحبه حقيقة،، والأفضل ان يميز الشخص،، بين عمل مقصود يأتي به الأعداء للنيل من المرء والإساءة له، وبين عمل آخر سهل، لا قصد بالإساءة فيه، ويخبرنا  انه يميز جيدا بين الأعداء والأصدقاء، يعامل الأصدقاء بمودة غافرا لهم الأخطاء التي ارتكبوها من غير قصد،، وبذلك يكسب قلوبهم الى جانبه

أبيات كثيرة،، في شعر المتنبي، تتضمن الحكمة الصالحة لكل زمان ومكان، نستضيء بها، لنتعلم منها أصول الحياة،، ومعاملة الناس بالطريقة، التي يستحقونها، البعض منهم تجذبه الكلمة الحانية الدافئة،، والبعض الآخر، ان أبديت له حبا ومودة، انقلب عليك وكشر عن أنيابه،، يريد افتراسك، وأنت غافل لاتدري ان الناس معادن.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com