لغة الشعر
وتشظياتها في وصف البصرة
|
|
د. صدام
فهد الاسدي
|
|
تعرف
لغة الشعر بأنها "لغة
فنية ينبغي لها أن
تصل الى معان خاصة
بشيء من الرمز أما
الإيماءة أو الإشارة
أو اللمحة"(1). وهي
مرحلة من مراحل الخلق
الشعري وأساسه
ودعامته الكبرى التي
يستخدمها الشاعر ليصل
الى إبداعه المطلوب،
ومن خلالها يوضح
تجربته وينقل صدق
مشاعره ويؤثر في
قارئه، ولابد للشاعر
ان يسلك طريقاً ولا
يبلغ ذلك إلا "بلغة
خاصة بالبحث والتأني
والاختيار، وهي
بالنسبة له الهدف
والوسيلة"(2).
وفي
الخطاب
الشعري تتبوأ
اللغة مكانة
مهمة ما دام
الشعر "
تنظيماً
جمالياً
واعياً
للغة"(3)،
ولا نريد ان
ننظر تنظيراً
نقدياً للغة،
وقد سبقنا
الكثير من
الدراسات
التي افاضت
فيها، وخاصة
ان الدراسات
الأدبية لابد
ان تدرس
الخصائص عند
تحليل النصوص
الأدبية،
ولذا رأينا
من الأفضل ان
نكتفي بهذه
المقدمة، وأن
نصب جهدنا
بالبحث عن
المعجم
الشعري، وتلك
الألفاظ التي
استخدمت في
القصيدة
الخاصة
بالبصرة، وهل
كانت تلك
الألفاظ
تقليدية
متوارثة قدمت
معاني محددة،
وما لذي
قدمته تلك
الألفاظ من
إيحاء شعري؟
باحثين عن
الملامح
المميزة لذلك
التعبير
اللغوي، ونحن
لا نتوقع ان
معجماً
شعرياً
موحداً سنخرج
به عند جميع
الشعراء حتى
إذا استخدموا
مفردات
ورموزاً خاصة
بالبصرة
وتكررت تلك
الرموز في
قصائدهم، فقد
تختلف
المفردة ضمن
السياق الذي
تكون فيه عن
سياق آخر،
وستكون
دراستنا
للمعجم الفني
بأنه "ذلك
التميز لنص
إبداعي عن
غيره من
النصوص
بمجموعة
خصائص فنية
ينفرد بها،
أو يجب ان
ينفرد بها كل
مبدع"(4).
والمعجم
الذي
نود
الكشف
عنه
نجده
في
قصائد
مجموعة
من
الشعراء
جمعهم
عصر
واحد،
وموضوع
واحد،
وهو
الكتابة
عن
البصرة،
حتى
أصبحت
عندهم
نغمة
شعرية،
ونستطيع
ان
نقسم
هذا
المعجم
الى
ما
يأتي:
1- معجم الطبيعة، 2- معجم الفخر والاعتزاز بالبصرة، 3- معجم الديانات ورجال الدين، 4-معجم الحب والجمال، ويعد معجم الطبيعة من اكبر المعاجم التي جاءت فيها القصائد الخاصة بالبصرة، وقد احتفى الشعراء بمظاهر الطبيعة كالنخلة التي احتلت مساحة واسعة في لغة الشاعر، وقد جاءت اسماً مفرداً في قول الشاعر هادي عودة شاوردي "قلت سآوي الى نخلة"(5) وكذلك في قصيدة محمد راضي جعفر "ربما يا نخلة المرسى"(6) وجاءت جمعاً في قول إبراهيم الوائلي " كانت بحيث النخل يمسح ظله"(1) وفي قول عاتكة الخزرجي "يا بهجة النخلات الحسان"(2) وفي قول نازك الملائكة "ثم استطعت بين نخل البصرة"(3) وقد جاءت النخلة مضافة وخاصة في حالة الجمع كقول مصطفى جمال الدين "وظلال النخيل"(4)، وقول انور خليل "وعزت اسأل غابات النخيل"(5)، وقد أضيفت الى اسم العراق وفي قول سعدي يوسف "يا نخل العراق"(6) وفي وقل خالد علي مصطفى عرفت البصرة بالنخل "انها البصرة النخل"(7)، وفي الغالب وجدنا النخلة قد تكررت في القصائد لتعبر عن معناها باعتبار ذلك الاقتران بالمدينة، وان تكرار اللفظة قد فرضته بيئة المدينة التي اشتهرت بالنخل ومن هنا فان استخدام كلمات عامية تتصل بالنخلة كالسايرات والبريمات في قول عبد العزيز عسير(8) كان استخداماً واقعياً نقله الشاعر من معجمه البيئي دون ان يجري تغييراً فيه، ومن تلك المفردات التي تمثلت بالطبيعة شط العرب، فالشاعر الجواهري خص الشط قائلاً:
يــا شـط أنـت اعـزّ منقلبـاً فــي الناطقيــن بمـا تخلـده(9)
والسياب خاطب الشط في قصيدته التقليدية قائلاً:
الشط رواحه الأصيل فمضى على رود يسيل(10)
وقد جاءت تلك المفردة في قصائد الشعراء بأسلوب خطابي تقريري مباشر، كقول الشاعر ابراهيم الوائلي:
يا شـط ما نسي الملاعب شاعر غنـىّ علـى افيائـك الخضلات(11)
وفي قول لميعة عباس عمارة..
سليِـه الشــط كـم ذكـر سكبــت عليــه كـم حسـرة(12)
وقول انور خليل مخاطباً البصرة..
(يا جارة الشط)(1) ويتجسد الشط عند الشاعر عبد المنعم الجادر رمزاً للسعة والامتداد والرزق.
حدثتني موجة بيضاء ترنو
فوق صدر الشط قصة(2)
وقد جاءت مفردة الشط جمعاً في قول راضي السيفي..
وشواطيك اغنياتي، وشواطيك يا حبيبة(3)
ويرتبط بالمعجم الشعري هذا الزورق وقد تختلف تسمياته عند الشعراء، فمرة البلم وأخرى المشحوف والسفينة، وقد جاء مفرداً في قول السياب ،زورق الحب، زورق زفة(4)، وفي قول زكي الجابر أستخدم استخداماً مجازياً "في زورق من نعاس"(5).
وقد جاء الزورق جمعاً في قول مسلم الجابري.. "يازوارقي الوسنى"(6) وارتبطت بالزورق توابع لا تغيب عن معجم الشعراء كالمجذاف والشراع كما نرى ذلك في قول محمد علي الخفاجي
بان منك الشراع منهدل الجنح
سفيناً مروعاً في اضطرابه"(7)
وفي قول رشدي العامل.. "ان شراعاً مرّ بالبصرة"(8)، واستخدم ابراهيم الوائلي لفظة المجذاف "والليل والمجذاف ينقر خلسة"(9).
أما المراكب فهي بصيغة الجمع جاءت في قول مسلم الجابري "في المساء تجئ المراكب مغسولة بمياه الخليج"(10).
والنورس من بين مفردات المعجم الشعري وقد أستخدمها السياب (غاقة) مأخوذة من الصوت (غاق) في قوله: "غريق في عباب الموج تنحب عنده الغاقة"(11).
وفي قول سعدي يوسف جاءت النورس.. "ويأكل النورس والبط الشريدان اغانيها"(12).
وتبدو لفظة النورس من الالفاظ التي أغرم بها الشعراء لوقعها الموسيقى الحاد في جاذبيته اللفظية الخاصة، أضف الى ما يضيفه من دلالات ومعان، فقد جمعها مسلم الجابري "أيها النوارس والوحشة القاتمة"(1) وفي قول عبد الحسن الشذر.."رأيت طيور النورس"(2)، وقد وصف الشاعر خالد علي مصطفى حركتها قائلاً: "وتطير النوارس نورسة أثر نورسة"(3)
ومن مفردات المعجم الشناشيل تلك العلامة المميزة للبصرة فهي دالة على المدينة، ولعل أثرها كان واضحاً في السياب عندما سمى أحد دواوينه بها، وقد أشار الشاعر مجيد الموسوي الى لونها وشبابيكها المميزة..
الشناشيل وهي تنتصب وتكسي بلونها الابنوسي
وزجـاج شبابيكهـا ذي الالـوان السبعـة(4)
وجاءت في قول غزاي درع الطائي
ستبقـى الشبابيـك محروقـة مثلنـا
وتبقـى الشناشيـل مسكونـة بالضنـون(5)
وفي قول حسين جليل وهو يرثي السياب..
وعلى شناشيل ابنة الجلبي قد القت رداها(6)
ويراها الشاعر عبد المنعم الجادر موّالا خاصاً عند البصريين..
والشناشيل تغني معه(7)
ومن مفردات الاماكن جيكور التي افتتن بها الشعراء كما افتتن بها السياب، وقد رآها الشعراء ذات دلالة تعني الخصب والعطاء، وهي الارض التي ربت ورعت شاعراً عملاقاً هو السياب، ومن هنا جاءت اشاراتهم واحدة لا تعني غير جيكور فالشاعر محمد علي الخفاجي قال..
نخل جيكور غاب بدرك بدرا(8)
وفي قول زهور دكسن وهي تشير الى ذكرياتها وحنينها الى جيكور
يا رقية كف جيكور كف طفولية سندسية(9)
وفي قول عبد الامير الموسوي وهو يرثي السياب..
مشت جيكور في الصحراء بالنخل الذي فيها(1)
وفي اغلب القصائد التي جمعناها عن البصرة بما يقارب مئة وثلاثين قصيدة كان لجيكور حضور فيها كلما ذكر السياب(2).
ومن المفردات التي تلازمت مع ذكر البصرة المربد، التي نجدها مسمى لكثير من القصائد التي قيلت في البصرة(3)، كما انها احتلت القافية في قصائد الجواهري وصالح مهدي عماش وكان الشاعر قصد ان يأتي باللفظة (المربد) نظير قول الجواهري:
بالكرخ بغداد تتيه وكوفة بالمسجدين وبصرة بالمربد(4)
وقول صالح مهدي عماش..
تعاليت من شامخ في السماء ايا سالف المجد في المربد(5)
لذا جاء المربد خصباً مباركاً مهجوراً نابعا في قصائد الكثير من الشعراء الذين اعتزوا بالبصرة ومدى هذا الاعتزاز قدم في مناسبة هي المربد(6).
ومن معجم الفخر والاعتزاز والمجد وردت مفردات كثيرة أكدت على المعاني ونحن ندرس اللغة، وكانت تلك المفردات طافحة بمعاني الاعتزاز بالبصرة والإشادة بما فيها من خلال المواقف الكثيرة التي عرفت بها، مع الافتخار بالشخصيات البصرية(7) ومعاركها(8)، حتى اطلق عليها الشعراء تسميات كثيرة(9). ومن معجم الديانات ورجال الدين استلهم الشعراء مفردات ترتبط بذلك الرفد الديني الاسلامي الذي قدمته البصرة طوال تلك الحقب فترد مفردات مساجد، شيخ الإسلام، وغيرها(10). ومن معجم الحب والجمال جاءت الكثير من المفردات ومنها الحب، الهوى، الصبا، الشوق، اللاعج، المحبوبة، وترد تلك المفردات إعجاباً بالبيئة البصرية واهلها(11).
مصادر المعجم الشعري
وبعد هذه الخلاصة التي تعرفنا بها على أهم مفردات معجمهم الشعري، لابد ان نتعرف على مصادر ذلك المعجم، ومن بين تلك المصادر ما يمكن ان نسميه المادة الادبية التاريخية التي "تمثلت في الشعر اساساً ثم في سائر صنوف فن القول العربي الاسلامي من قرآن وحديث وخطب واقوال مأثورة واشارات تاريخية"(1)، لذا وجدنا عدداً غير قليل من الالفاظ والاشارات القرآنية قد ترددت في أثناء هذا الشعر الخاص بالبصرة مثل القارعة التي وردت في قول الشاعر علي الياسري.
فد أتاك حديث اشتعال الذرى القارعةْ
فاشهـدن واشهدن انها القارعة (2)
والمفردة هذه تحيلنا الى قوله تعالى "القارعة، ما القارعة"(3) ومثلها لفظة سدرة المنتهى في قول مصطفى جمال الدين وهو يصف المربد في البصرة شجرة كسدرة المنتهى..
سدرة المنتهى بغير جذور حطبٌ ما لفيحه أفياء(4)
ونجد هذه اللفظة في قوله تعالى "عند سدرة المنتهى"(5)ومثلها لفظة (ماء فرات) التي أستخدمها الشاعر عبد الكريم راضي جعفر وهو فرح بقرار تأميم النفط عام 1972..
تفتح الشوق في أول الخطو
يحيى انتظارا جريحاً وحُباً يضوع انتصاراً
وماءً فراتا(6)
ونجد هذه اللفظة في قوله تعالى"وسقيناكم ماءً فراتا" وقد أجرى الشعراء على الصيغ القرآنية تغييراً داخل قصائدهم(7) وبشيء من التحوير بيد أن صلتها بأصلها القرآني ظلت باقية(8) كقول حميد سعيد في وصف البصرة
أقف الساعة بين الشام وبين البصرة
رشت مدن الثورة ماء الحب على عربات الاطفال
سيأمن من خاف ويشبع من جاع(1)
ونجد هذه الصيغة في قوله تعالى "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"(2). وأقتبس الشعراء من القرآن اقتباسات حرفية أو شبه حرفية تقوم جملاً أو أنصاف جمل ترد عن قصة تطرق لها القرآن ومن نظير هذا قول عامر السعد في البصرة..
شفتاه تسمعني الحقيقة والصواب
يعقوب يوسف لن يموت ولن تمزقه الذئاب(3)
وكما نرى أن الشاعر يأخذ من سورة يوسف براءة الذئب وأتهام الاخوة برميه في الجب(4) وفي قصيدة هادي عودة شاوردي أشارة الى قصة نوح وأبنه حين حصل الطوفان فآوى الابن الى الجبل كي يعصمه ولكنه غرق..
قلت سآوي الى نخلة من نخيل الفرات(5)
ونجد الفكرة نفسها في قول عبد الحسن الشذر..
يا محبوبي لا عاصم في هذا الليل
|