دراسات نقدية

مسرحية الباب والجدار

(طقس عاشورائي على خشبة المسرح)

قاسم ماضي / ديترويت

عرضت على مسرح دار الحكمة ولمدة (3)أيام في ديربورن هايس مسرحية (الباب والجدار) وهي من تأليف واخراج الفنان الشاب ماجد احمد المقيم في كندا وتمثيل مجموعة من أبناء الجالية العراقية المقيمة في ديترويت.وسبق للمخرج ان قدم العديد من الأعمال نذكر منها مسرحية (الشهية) ومسرحية (سور الصين) ومسرحية (مساء السلامة ايها الزنوج البيض) وجميع هذه الاعمال عمل فيها ممثلا ً متميزا ً عندما كان طالبا ً في معهد الفنون الجميلة –قسم الفنون المسرحية –بغداد.

وقبل الخوض في فضاء العرض المسرحي ينبغي ان نستطرد الواقع السياسي والديني الذي تعيشه الجالية العراقية الذي القى بظلاله على التجارب المسرحية التي قدمت في منفانا الامريكي.هذا الواقع يعاني من تدني الانتاج وغياب الطاقات الفنية المتمرسة في الفنون المسرحية مما ولد استسهالا ً لهذا الفن من قبل البعض بحجج واهية وغير مقنعة والى الاستخفاف في هذه الخشبة المقدسة.

ولو رجعنا الى الوراء لوجدنا المسرح ترجع نشأئه الى السحرأي الى محاولة التأثير على الطبيعة بقوة ارادة الانسان واحالة الافكار الى أشياء مثله مثل كل الفنون الاخرى.فينبغي على العاملين في هذا المجال في منفانا أن يتعلموا طرق تدريس هذا الفن ويحاولوا ولو بقليل ان يستعينوا بالعديد من الفنانين المتواجدين في الولايات المتحدة الامريكية او كندا وخاصة مدينة(ونزر). وأذكر منهم الفنان صالح المهدي والفنان محمد الجوراني والفنانة استبرق العزاوي والفنان رضا ذياب والفنان عادل عباس وغيرهم.فقد استحضر ا لمؤلف والمخرج شخصية الامام الكاظم (ع) رابطا ً تلك الشخصية المقدسة بواقعة جسر الأئمة تلك الواقعة الأليمة على جميع العراقيين منطلقا ً من واقع الإرهاب الذي دمر حياة العديد من ابناء وطننا العراقي متخذا ً شخصية هارون الرشيد مثلاً في ربط الحاضر بالماضي وكما هو معروف ان الرشيد هو الذي قتل الامام ودس له السم وهو رمز من رموز الشر. ومهما بلغت الدراما من امكانات فليس في استطاعتها تمثل ذلك حيث تبقى قاصرة عن بلوغ اهدافها ومراميها في تحقيق القصدية.ويبدو ماجد احمد فقد صوابه وهو الرافض أن يقال عنه فنان ولا أدري هل اصبحت كلمة فنان في منفانا كلمة معيبة وكما يقال من عاشرالقوم أربعين يوماً صار منهم. ولهذا جاء عمله ركيكا ً من حيث النص والاخراج وتعامل مع مجموعة ليس لها باع في هذا المجال الا البعض منهم.وان الانجرار وراء مايسمى مسرح (التشابيه) أو التعازي وهو طقس درامي عراقي ومن تراث مسرح الحياة.ويُجمع كل المشتغلين والباحثين ان فن المسرح نشأ من رحم الطقوس الدينية والانشاد الإلهي في المعابد.فيبدو المخرج نزع جلده القديم وروحه الابداعية ليدخل في عالم الركاكة والسطحية ويتعامل وفق المقايس التي يريدونها هم لا نحن وهنا أستذكر المبدعةازادوهي صاموئيل المرأة التي غٌيرت صورة المرأة الممثلة حينما تقول(أنا شخصيا لم يستطع احد ان يفرض علي دوراً وان بقيت خمس سنوات بلا عمل، فهذا امر لا يعنيني، اما ان اشارك في مشهد او مشهدين او امر مرورا عابرا.. فما الداعي الى اشتراكي ان لم يكن مجديا ومعبرا ومؤثرا.. انا اقرأ واقتنع بالدور فأمثله اما الاخرون.. فلا اعرف فكل واحد يعرف تصريف اعماله)وان الانسان كائن متدين الى القدر الذي توجهه العقيدة كبوصلة في محيط الحياة.وان الانتصار والخلود والتجارب التي مر بها الانبياء والقديسين والأولياء من (آل) البيت (ع) أنهم قلائل اصطفاهم الله وأهلهم التاريخ وهم بشر اتصلوا بالغيب اتصالاً روحيا ً نابعا ً عن إيمان مطلق وفناء كلي في الروح الأعلى.وكما يقال في جميع المصادر الأسلامية انه الثورة لدى آل البيت (ع) تجد ذاتها في قمة عالية من قمم الثراء الروحي الصوفي التي تجمع بين علو اليقين ووضوح الأداء والفعل.ونحن نسترجع مراسيم التعزية هو تخليد لهم ولماضيهم المشرف ورموزه العظام من صناع التاريخ. وهم اليوم بمثابة تنشيط الذاكرة لدى اي مجتمع وأستجلاء لبواطن عقله ومخيلته.لكن الذي شاهدناه على الخشبة هلوسة (لطمية) فجاءت الجمل الحوارية غير مترابطة الأمر الذي حدى بالمخرج إلى إستخدام (الملاية) التي تستعمل النواح والعويل في روي القصة لإبراز عناصر الصراع المتمثلة بين قيم الخير والشر، وبعيدا ً عن جانب الأدلجة التي اشتملها العرض نأتي إلى البعد الأدائي لمنظومة العرض بمكوناتها المرئية المختلفة والتي يفترض أن تُستنطق وفق نظام دلالي يصب في تعزيز الطرح الفكري أو ما يسمى (الثيمه) فنجد أن لغة العرض عبارة طقس ديني بحت وجاء عنصر الـتأكيد على (الفكرة) من خلال الحوارات المدججة أحيانا ً بنبرة مذهبية طائفية ويمكن القول أن هذه الآلية طغت على الجانب (السيميائي) في منظومة البث الكلية للعرض الأمر الذي أفرغ مفردات الشكل من طاقتها التعبيرية والتأويلية فالسجن ظل سجنا ً، وكرسي الحاكم ظل كرسيا ً وهكذا بالنسبة لبقية مفردات الديكور والاكسسوار التي ساهمت في بناء شكل العرض، لذلك ظلت شفرات الأداء تتأرجح في إطارها التقليدي، ولم يرتق ِ الشغل المسرحي إلى درجة يمكن أن تضاف إلى العملية الإخراجية لا سيما أن الشغل المسرحي ينطلق من كونه يؤسس للحركة وجمالياتها وللإيماءة ومدلولاتها الفلسفية، بل شهدنا أن الشغل المسرحي ذاب في جو عاشورائي عام فحتى المجموعة أو الجوقة أشتثمرت لصالح الطقسية المذكورة، والمتأمل للعرض من زاوية علمية يمكن أن يستنتج أسباب إخفاق هذا العرض ويأتي ضعف النص من الناحية الدرامية في مقدمة أسباب الإخفاق، فالنص تناول مأساة الإمام موسى الكاظم (ع) بطريقة وثائقية فجة لم يطلق فيها العنان لرمزية هذه المأساة عبر رؤية إخراجية ناضجة بل إنجر لطقوس التشابيه،، كما يمكن القول أن عامل الجمع بين الإخراج والتأليف الذي تبناه الفنان ماجد أحمد ربما يكون سببا ً آخر في تدهور العرض فكما هو معروف أن النص الدرامي المسرحي يبقى أرضا ً خصبة لأي مخرج بعيدا ً عن يد المؤلف الذي إذا ما أقدم على إخراجه فسوف لن يضيف له شيئا ً بقدر ما يقوم بتجسيده دون البحث عن مستويات تأويل جديدة يمكن أن تبنى من خلالها رؤيا إخراجية ناضجة من هنا عانى العرض من مشكلات جمة إبتدأت بترهل الإيقاع وأنتهت بإنعدام بؤر التشفير التي ترتكز عليها ديناميكية العرض المسرحي الفكرية والجمالية، ويبقى هذا العمل المسرحي حصيلة جهود جماعية شبابية يشكرون عليها ولابد من الإشارة هنا إننا شاهدنا بعض الموهوبين من الممثلين الذين إذا ماتوفر لهم المران والدربة فضلا ً عن الثقافة المسرحية فإنهم سوف يثبتون حضورهم المؤثر في الساحة المسرحية المهجرية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com