دراسات نقدية

 لماذا لم اكتب الرواية ؟!

 

خالص عزمي

دعونا نقف امام احدى الروايات ذات السمعة العالمية ولنأخذ مثلا (قصة الأم ) لمكسيم جوركـي، ونتملاها بامعان ودقة، سنجدها تحتوي على اجناس ادبية متعددة الابداع،ركيزتهاالقصة التي لو اردت ان تلخص جوهرها فانك لن تخرج عن ايجازها بحكاية لها بداية وصراع درامي، ثم نهاية، ولو تفحصت جوانبها الفنية فستلتقي وجها لوجه مع الخيال الشعري، والصورة القلمية لشخصياتها ودورهم الاساس في دنياها ، ووصف المواقع الجغرافية او التاريخية التي سارت في سبلها، اضافة الى الحوار بمختلف انماطه، والغوص في اعماق النفس الانسانية واستخراج عوامل الشموخ او الانحدار فيها .

ان هذه وغيرها كثير تشكل أدوات الروائي عند لملمته لا طرافها وصبها في بوتقة عمله الأدبي .

ولو اردت ان تفكك اية رواية على ذاك المستوى الرفيع، فستجد تلك الانماط والاجناس متناسقة في نسيجها بشكل لاتعجز عن تلمس ملامحه، وتعقب اثاره

وحيث ان هناك مواهبا لدى بعض الادباء تتوزع على اجناس مختلفة، كالشعر والقصة والمسرحية والصور القلمية والتراث الشعبي والوصف الأخاذ للمواقع الجغرافية والتاريخية، فتكون المحصلة، خزينا مكثفا لمجموعة من الجذور الاساسية للبناء الروائي

وعلى هذا فقد عملت طيلة مسيرتي الادبية على توزيع كل تلك الاجزاء المتشابكة من الوان الابداع  على تفرعات لاحدود لها من تلك الصيغ، فلو اخذت صوري القلمية الكثرلاشخاص توزعوا على خرائط زمنية ومكانية مختلفة ثم  جمعتها الى بعضها البعض  بحسب نمط أ واعمال الشخصيات التي كتبت عنها، لاستطعت بكل يسر ان تنشأ منها عملا روائيا يتحدث عن هذا الشخص او ذاك  من خلال منهجية التماسك بينها  و ضمن اطار واحد وبيئة متجانسة  . كما ان نماذج من نتاجي ك ( أدب القضاة ) ، او ( يحكى أن )، او ( نوابغ الفكر )،او( حقوق المرأة )؛  بل وحتى قصائد ذات موضوع متقارب مثل مآسي  ( شارع المتنبي، المكتبة الوطنية، المتحف العراقي )  ... الخ، هي بحد ذاتها أسس متينة او عناصر جوهرية  لاعمال روائية  .

في احيان كثيرة، تشكل القصة القصيرة رواية بتكويناتها وعمق صياغتها وهدفها ف( القتلة )وهي قصة قصيرة  لهمنجوي، تضارع في حبكتها وصراعها الدرامي وتحليل شخصياتها  وخاتمتها، كثيرا من رواياته ألأخرى، وتأسيسا على هذا فيحق لنا ان نتسآءل، كم من قصة قصيرة كانت رواية  بتماسكها وسلاسة اسلوبها وحبكتها وخيالها الشعري المحلق، وكم من رواية لو ازحت عن كاهلها الترهل العبثي، والثرثرة المطولة المصطنعة، لنحولت الى قصة قصيرة جديرة بالامتاع والابداع . ان هذا الميزان ينطبق على تلك الاعمال الادبية التي حولت الى الشاشة كأفلام، فلم يستطع الكثيرون من  ان يميزوا فيما اذا كانت اصولها روايات ام قصصا قصيرة ؟!!

لكل هذا اجدني قد مارست العمل الروائي غير المباشرعن طريق عناصره الأساس ، حينما كتبت في كل تلك الاجناس المتنوعة التي تعتمدها الرواية الحقيقية كأسانيد فنية ترتكز عليها، ايمانا مني بالقاعدة التـي

اشرت اليها اكثر من مرة، وهي اننا لايمكن ان نطالب بالحرية العامة، ونمنع بذات الوقت الاديب  من اختيارما يراه مناسبا من   الاجناس الادبية المختلفة  التي يراها هي الاصلح للتعبير  عن مكنوناته و بالصيغة التي يجدها جديرة بايصال مفاهيمه الى المتلقي دونما  اية قيود او حواجز .

ـــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الروائي 21/6/2008

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com