دراسات نقدية

رؤية في رواية (درب الحطابات) للكاتب حسين الهلالي

 

موسى غافل الشطري

منذ فترة طويلة وأناأتابع عن كثب هذا المبدع في دأبه  المتعدد الأوجه في فن التشكيل والمسرح والكتابات التراثية كالفولكلور والنشاط ألأدبي.وبعد عودته من ألأسر لم يتوقف عن متابعة نشاطه بين هذا وذاك.

ولعل ما أغراني باللقاء المتواصل معه ـ عند ترددي على مدينة الشطرة هوالتقارب في وجهات النظر بيننا حول ألإسطورة العراقية، والسومريات وإقتراب العادات السومرية مع ما هومعاش حتى هذا اليوم في بلادنا ، في ألأمثال الشعبية والعادات وحتى المفردات المتداولة. وما توصلنا إليه: هوأن ما حدث آنذاك لم ينقطع نبعه في الحياة العراقية الماضية والحاضرة عبر آلاف السنين وحتى يومنا هذا.

ولعل هذا ما جرى إكتنازه في ألإثراء الذي إزدادفي ذهن الفنان التشكيلي وألأديب حسين الهلالي. حيث جعله هذا ألإكتناز يُكوّن مقدرة يستطيع أن يطل بها في تعدد هذه ألأرهاصات ، وتداعيات إغناء الخبرة ومن ثم المجازفة بالدخول الى عالم الرواية وتعقيداتها ومعابرها العميقة.وقد عوّل  إعتماده على ما إمتلك من تجربة في كتابة المسرحيات ، التي تلوح وتتلألأ ملامحها بشكل واضح أثناءتصفح رواية (درب الحطابات).ومن المحتمل أن تكون عادة ألأحتطاب وجمعه على شكل مجموعات الذي لم يعطه العناية لإثرائه. وكانت تلك المجموعات التي تغبش منذ باكورة إطلالة الفجر، لها  ما يبررها للإطمئنان وكسب ألأمان في طرق  تسودها جولات اللصوص وقطاع الطرق والفتيان الذين تحفزهما طبيعة ألإختلاء البرّي الحيوانية، الى التخلي عن ألإلتزامات التي ــ ربما ــ تقيد تهورهم. كما تتجول الحيوانات المفترسة في تلك البراري. وهذه ممارسة بلغت من القدم ، ما يتندر البعض بما يحدث من ممارسات لأسراب الحطابات. ويبدولي أن الهلالي يتحسس ذلك ولكنه يعرض عنه إما سهواً ولأعتبارات لا أعرف أسبابها. غير أن المتبحر فيما يكتب هذا الرجل المرتبط حتى يومنا هذا بإلتزاماته تلك ، يلوح له أنه يخفق في أحيان كثيرة لوحاول ذلك.إن رواية ( درب الحطابات) إنما هي محطة وعلى ألأقل روضة لأستنباط البعد الأنثربولوجي لمسيرة طويلة المدى سارتها حياة العراقيات مشياً على القدمين طيلة أجيال ضاربة في القدم. تجدر ألأشارة الى طريقة أخري لحاويات ( السرجين ) فضلات الماشية و(تمطيل) بعضة وجعله على شكل أقراص يحرزعلى نحوقبب، يُطلى بنفس الفضلات.ويستخدم على نطاق يكون منافس لكمية الحطب المخزون. 

 وقد تابعته بإهتمام لإنتقالاته المعتدة بالنفس التي جعلته يدخل هذا البرزخ،ضمن روايته الوحيدة هذه. وإنشددت أليها لمبررات عديدة.منها ألإقتحام بشجاعة لابواب لم تطرق  من قبل. وربما أنا لم أطلع على شيء جرى بهذا ألإتجاه ولم أتصفحه. ولكونها محاولة جريئة تُقتحم  ــ أكاد أن أقول ــ أول مرة يُستضاء بها عالم التراث والفن العراقي بنقاء منقطع النظير لتجربة عراقية ذات بعد ريفي وعمق ريفي، تكاد أن تسمع من خلالها زحف ألأفاعي بين سيقان السنابل والجِل، ورفيف جناحي ( ابوألزعر) وصوصوة القبرة. وتحليق طير (الشِوِر)وترك بيضه تحت أكداس الزرع المحصود. وتهوّر فحل الدراج يردد نداءه والذي طالما يستدرج الصياد ليستدل علي تواجده عبر صوته فيوقع به. وضربات فؤوس الحطابات وتكديس الشوك بعضه فوق بعض وحزمه بقوة بالحبال وحمله  ــ بعد وضع الوقاء ــ فوق الرؤوس.. هذا الغنى في ألإيحاء الواسع الضفاف.والذي ترك متسعاً لم يُستغل ة يوظفه الهلالي بكل أسف ،فتنفرط العديد من خرزات قلادة هذة الظاهرة داخل الرواية ،  وتهمل العديد من القدرات. ولكانت قدأنشأت تلاحماً ومشاهد ساحرة.

وقد بذل الكاتب جهداً تمنيت أن يكون إستثنائيّاً، لإتاحة الفرصة للمتلقي بقدرة الوصول الى ضفاف كان يلم بها ، ويتمنى أن يلم بها.

وبالتأكيد فإن المتلقي المتبصروالممتلك للتجربة بالكتابة عن  السومريات وعن دراية بحياة الريف، وبألأخص الروائية ، سيخرج بنتائج قد تقترب مع أي متلق آخر وقد يبتعد.

والرواية بحد ذاتها التي أكملت(248)  صفحة من الحجم الكبيروبحجم (14) للحرف ،هذه الرواية الضخمة الى حد ما ، حتماً أجهدت ذهنية الكاتب. ولكنها بالتاكيد ازادته خبرة  لقدرة الولوج الى عالم الرواية ، ووضعته على درب الشعور بالمسؤولية ألأخلاقية والفنية المراد توفرها للمتلقي.بالتأكيد وفرت له خبرة للولوج الى عالم الرواية وسط كم هائل من الحصيلة التراثية المكتنزة. والمحاولات المسرحية ، ونشاطه في فن التشكيل. ولكن هذا لا يكفي لكي يجعلنا نتعايش مع تجربة روائية جريئة تكون طفرة نوعية في التجربة العراقية.

إن رواية (درب الحطابات)التي لا أُبالغ إذا قلت : ــ إنني إنشددت إليها بقوة وإستلبت عواطفي وذهولي من هذا الكنز العراقي المغمور والمهمل والجاري المزهود به ــ مع ألأسف ــ وجعلتني (أنا الريفي ألأصل) تتناغم مع  مشاعري التي قمعتها حياةالمدينةالهجينة. مع تمنياتي لها أن تلم بجوانب فاتها أن تعطيها حقها من ألإهتمام. هذه الرواية كان..  يفترض على كاتبها ، وحتى على الدار المصدرة (بنت الرفدين) أن تهتم جدّيا وبمسؤولية عالية، وهي(الدار) المتحمسة الى تشجيع الناشطين بإقتحام درب الريف الملييء بألأشواك والعاقول والصريم وإستلقاءالخلاء العذري أمام طارقيه. وبما أن( دار بنت الرافدين) ماضية في تحمل هذه المسؤولية ، فلا ريب : عليها أن تكون أكثر حماسة للحرص على الوصول الى إنجاز الرواية دون وهن وورود بعض الإسقاطات اللغوية وألإملائية التي حدثت هنا وهناك.

كم تمنيت من الكاتب، أن يبدي إهتماماً أكثر بجمالية السرد. غير ان الكاتب لم يتخلص بعد من سياق الجملة المسرحية ، والمشهد المسرحي. وإقتراب اللغة  الى حد ألإلتصاق باللهجة الشعبية.

ثم يأتي دور الجهد الذي بذله ألكاتب حسين الهلالي في إغناء صفحات الرواية بألأبوذية والميمر...ألخ

إن رواية( درب الحطابات) التي قدمها لنا الهلالي،إنما أردنا لها مسيرة إبداعية ، يعرج بها  ، عبر العديد من دروب النص. وهولا يألوجهداًأن يدخل هذا الباب من دروبه الضيقة  ثم يدخل هذا الباب بإجهاد نفسه بعناء السفرالى (نور) بنت (ضامر) ـ (خضير)في هذه ألأيام ــ للأستزادة بمعلومات من منبع مصبها عن هذه الشخصية ( بطل الرواية)التي لم يعطها ألإعلام العراقي والفني حقها. بل إن التعامل مع ما أنجزه هذا الفنان الموهوب جاء ضئيل الغنى ضئيل القدرة على تعريف الناس بإمكانياته.

وفي مجرى ما نتكلم عنه  ــ الغناء ــ التي كان لأمكانياته أن تأخذ مساحاتها المناسبة في تاريخ الفن بمختلف مشاربه ، عبر النص الروائي،أ وعبر الشخصيات العراقية المبدعة  ، وذات القدرة التي لا تضاهى ، سواء على نطاق البلدان العربية وغير العربية المجاورة ، التي يتداخل الفن الموسيقي والغنائي معها بحكم ألإلتصاق وعبر ألإندماج ألإجتماعي لمختلف القوميات وألأعراق. هذه السياقات هُمّشت وجرى تجاهل مبدعيها الى حد يجرح المشاعر.

ورغم طمس وتشويه ألأبداع العراقي ، فالعراق في حقيقة ألأمر هواحد المنابع الرئيسة ألأساسية لكل هذه البلدان منذ عهد نشوء التاريخ. وعبر ألأحداث التي تلاحقت على أرض الوطن.

وعبر المآسي التي طالما تدخل في صلب العمل ألأبداعي ، إذا علمنا ( أن الحاجة هي أُم ألإبداع والتطور).

       إنها ليست متجردة من خصوصيتها ، ومعالمها التي هي لا تخلومن التلاقح مع الفن وألأدب والفلكلور والتراث العالمي.

أن الكاتب الهلالي ، بكل تواضع، يضع اللبنات ألأولى ، في داخل هذا البناء, يضع في حرز أمين تاريخ البدء بالتعامل مع التجربة العراقية.

وإن ألأدب الشفاهي الذي يحاول الهلالي بمثابرة أن يحوّله الى أدب مقروء. وأن يضعه ، كما جرى في ألمؤلفات العالمية، التي إقتبست من أدبنا الشفاهي في العديد من المؤلفات.من مؤلفات شكسبير وليوتولستوي والى (كبرى الحكايات العالمية)وغيرها.

إننا نناشداولئك الذين يغمضون عيونهم بتعمد، سواء في محافظة الناصرية ،وغيرها. إننا لنجد أنفسنا مضطرون لمناشدة ألأقلام الشريفة أن لا تمر على ما يكتب مر الكرام ، سواء إرتضوه ورفضوه. سواء أكان هناك خلل أم أثبت جدارته.إن على أولئك الذين أخذوا على أنفسهم وإرتضوا صعوبة ما إتخذوه من مهمة النقد أن يتحملوه بجدارة وشرف ومسؤولية أخلاقية،ورعاية ما ينتج مهما كان مستواه أن يكونوا عند حد المسؤولية وأن يضعوا أقلامهم على الورقة البيضاء لكتابة الرأي الناصع بكل ما يتحمل من أرث. وأن لا يقف النقد من هكذا مواضيع موقف المترفع. فالترفع هوحالة ضعف لا مقدرة. حالة إشارة : على أن النقد ألآدبي لم يبلغ بعد المستوى الجدير به.وعندما نركز بإلحاح على ناقدنا العراقي ، لإنه الوحيد الذي يتحسس ويدرك ، وعلى بيّنة أكثر وضوحاًبالخصوصية العراقية،بكل ما تحمل من ثقل. وما دام السير الحثيث نحوبنية قصصية وروائية وحتى نقدية متميزة ومتبصرة  وتفهم لغة ولهجات المشكلة العراقية ، فالمطالبة بألإصطفاف مع كل وسائل معركة البناءضرورية، وإنه سيتوضح ماقصد بالمطالبة للمتواصلين مع طرح الدراسات النقدية لفهم : أين تكمن العلة في النص العراقي ؟ وهل إرتقى الى مستوى الجدارة أن يُطرح عربياً وعالمياً بقصد المنافسة وأخذ مكانته الجديرة به ؟ سيما ونحن ماضون ألآن لتكوين بنية سردية ، قصصية وروائية ملتزمة بهذا المشروع البنائي لنص عراقي، يجري فيه التفهم لمعنى خفاياالمفردة العراقية والجملة العراقية. وله إطلاع على مستوى رفيع لما يمكن أن يتداول. وسنظل نلح على ذلك ونستنهض المتحلقين الكتلويين الذين يعتمدون على أن : أعطيك بقدر ما أحظى به منك.وأرجوأن يتفهموا نقادنا الملتزمون بأننا أمام تجربة ثقافية كبيرة لا تنقطع عن المسيرة الوطنية النهضوية. وأمامنا فيض من الثراء لبناء النص الروائي والقصصي.

إنه الشروع بمسيرة دون الحاجة الى ألإستغناء عن خصوصيتنا وعن كل ما خلفته الحروب وعن حزننا الذي لم نات به بطراً.لم يات إعتباطاً.وإنما له ما يمكن أن نشدد على مبرراته. وأن لا نعوّل على تطور النص لأمتطاء ظهر العالمية التي لها قضاياها وخصوصيتها وآفاقها التي لا تتطابق ولا تقدم إغراءاً  لفهم متلقينا المتذوق والمؤل مع حاجتنا الى أدب يهتم بقضيتنا. إضافة الى اننا لا نؤمن بألأكتفاء الذاتي ولا نرفض ما هوضروري لبناء نص عراقي يرتقي الى العالمية. ولعلنانتبنى مشروع تأسيس قيم ترفض القيم العنيفة والمرتدة الى الماضي السحيق. التي أتعبتناجميعاً وإبتلعت منا الوقت والذخيرة وغطت على الملامح المضيئة عبر الحقبات الزمنية.

مرة أُخرى، وعبر هذه المناسبة.. ندعوالى مراجعة جادة لتراثنا وفولكلورناوكل كتاباتناعبر تاريخها الحافل بألإشراق. وأن يحضى هذا بما يستحق. وأن ندعوللروائي والكاتب والتشكيلي حسين الهلالي، عملاً على مستوى من النضوج والمقدرة ألأبداعية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com