|
دراسات نقدية حكاية في مثلث الموت
عبد الكريم هداد
فاجئنا الناقد الموسيقي حسين السكاف ، بعد نشاطه الملحوظ في عالم الصحافة ، من خلال متابعاته المثابرة في مجالات الموسيقى والنقد الفني ، بأصداره روايته الأولى تحت عنوان " كوبنهاجن ، مثلث الموت " ، زيّن غلافها لوحة للفنان التشكيلي العراقي"عباس الكاظم" التي تحمل عنوان " بين عينيك وبيني ". بهذه الرواية سجل السكاف خطوته الأولى في عالم كتابة الرواية متلمسا ابعاد الجراح العراقية، التي مازالت تنزف ، نهراً ثالثاً من الدم والعذابات التي لا تغتفر أسبابها السياسية الماضية واللاحقة. الرواية ، وبجرأة يشهد لها ، سلطت الضوء على لغز الموت اليومي في العراق ، الذي مورس تحت عنوان "المقاومة "، وهو مصلح ملتبس ، وتسمية فضفاضة للتغطية على من قاد ـ ويقود ـ القتل البشع الذي اصبح ممارسة شبه يومية للنيل من حياة وتطلعات الفقراء البسطاء من العراقيين العزل . بعد أن تفردت بقايا قوى حزب البعث العفلقي وسلطتة الفاشية المقبورة ، في الدفاع عن نفسها تحت تسمية "المقاومة "، وطمس استحقاقات الضحية المغيبة ، والأستحواذ على ساحة فعالة فارغة لم تمليها أي قوى وطنية حقيقية تستحق تمثيل الضحايا ، التي يغترف من جثثهم الموت يومياً، وحاولوا تصفية الشاهد الوحيد من الضحايا الأحياء ألا وهو الشعب العراقي ، الذي لم يدافع عن سقوط السلطة العفلقية الشنيع أمام قوى الإحتلال الأمريكي ومخططه الطويل. وبذلك توفر لبقايا جلادي الشعب فرصة الانفراد بالتحرك ، وتحت مسميات كثيرة ، مستثمرين ما لديهم من قدرات لا يمكن الإستهانة بها، بما يمتلكون من مصادر مالية منهوبة من خزينة اموال الشعب العراقي ، إضافة الى ذكاء تجربة مكتسبة من فعالياتهم الطويلة في طرائق إستبدادية الحكم الذي مورس على ما يقارب الأربع عقود من تاريخ العراق الحديث ، وهي تعطيهم السهولة في التحرك بين مفاصل المجتمع العراقي وتكويناته الأساسية ، عبر الخلايا النائمة من الأجهزة البوليسية القمعية التي نشأت وتطورت في زمن التسلط البشع ، وظلت متسترة طويلا ، وإن إتضح بعضها تحت مسميات مختلفة ، إسلامية أو رجالات إسلامية او قومية ، يساعدها في ذلك تحالفها الشيطاني مع العصابات التي تشكلت من المجرمين الذين شملهم عفو النظام الديكتاتوري قبيل سقوطه ، وايضا مع المجموعات التكفيرية الوافدة . ان ثقافة النظام الديكتاتوري السابق تسترت ـ ولا تزال ـ بشكل فاعل وذكي تحت مانشيت "المقاومة الوطنية العراقية" التي كان يفترض ان تتبناه قوى حقيقية بوطنيتها ، اتجاه الإحتلال وأتجاه التسلط الجديد والمتخلف من قبل رجال الدين والعشيرة معاً ، فزرعت الالتباس في ذهن المتابع للشأن العراقي . ان جرأة الروائي حسين السكاف ، كشفت لنا بقوة ووضوح ، أساسيات ما كان يجري بعد دخول الجيش الأمريكي وحلفاءه الى ارض العراق ، ضمن جغرافية كثيراً ما تداولها الأعلام بإسم " مثلث الموث " الذي حصد الكثير من الأبرياء ، حيث مدينة المحمودية ، التي تعج بالحياة ، والتي أنجبت العديد من الأسماء المؤثرة في المشهد الثقافي العراقي العام ، وهي مدينة تتلقى بسرعة أصداء ما يجري من أحداث في بغداد العاصمة. ومن الذكاء أن يكون الكاتب ، قد إختار المحمودية ، التي يعرفها جيدا ، كساحة ومركزاً مكانياً لروايته، التي منحته السيطرة على أحداثها المتتالية والمتسارعة ، والتي تصلح أن تكون مادة لمسلسل درامي تلفزيوني ناجح ، إن تناوله سيناريست قادر على لملمت المشاهد الحياتية التي تعج بها الرواية ، عبر شخصياتها الرئيسية والمهمة في تسيير أحداث العراق السياسي ، وحتى تلك الشخصيات ، التي لم تأخذ حقها في مساحة الرواية بشكل كاف ، والتي هي بإعتقادي ، بذرة صدق وحقيقة الشعب العراقي ، الذي ارتكن الظل و مابرح محتفظاً بذاكرته الخصبة ، وخير من مثلها في الرواية - سعدي جبار المضمد - . لقد تم نسج الرواية على مفاصل أساسية عديدة ، أولها تحولات الفئات التي كانت عماد دولة الأرهاب والتي تحولت ضمن آلية مخابراتية حزبية مدروسة لسلطة الرعب والحروب ، حيث تحول معظم أعمدة دولة الطغيان الى تشكيلات لها فعاليتاتها اليومية المعرقلة لطموحات الشعب العراقي في التغيير الحقيقي، لا التغيير الأمريكي ، تشكيلات حملت الكثير من فصائله السلاح ضد كل ما هو عراقي وهو إستمرار طبيعي وحقيقي لما تعودوا عليه من تخريب وقتل وتنكيل بالشعب العراقي وتطلعاته الحقيقية ، و تعسف وارهاب سلطوي سابق ، تبرقع في مانشيت "المقاومة" في ممارساته القمعية ذاتها من القتل وتصفية أصحاب الرأي الآخر . إن النسيج الأجتماعي الذي بقيّ شفافاً في حركته اليومية ومحافظا على اصالته الشعبية ، ضمن الرواية تحديداً ، ظل مشدوداً في إمتدادٍاته الطبيعية لمن إختار المنفى كموقف وطني، ومن بقيّ بلواعجه الإنسانية بعيداً عن اضواء مهرجانات الرقص والردح وروائح الكافور والبارود. ان " مثلث الموت " رواية تصطخب فيها امواج الغدر والكره والحب والخيانة ، نجح في كتابتها السكاف بإسلوب الرواية الشعبية السلسة في محاورة القارئ والاخذ بيده نحو تلمس تضاريس التفاصيل البشعة في تكوينات شخصيات الرواية التي تقاطعت أحلامها وغاياتها خلال احداث القص الادبي في سرد مشوق وجميل. كوبنهاغن ـ مثلث الموت الطبعة الاولى ـ 2007 دار ميريت ـ القاهرة
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |