دراسات نقدية

 

إطلالة على كتاب: " مسبحة من خرز الكلمات" لـ "يحيى السماوي" ( 2 ـ 2 )

 

كريم الثوري/ استراليا

حينما تكون المُفاضلة بين:           

نيوتن والتفاحة

ألحقل والشجرة

 

إن العقل العائم ، اللائذ بيافطة المسلمات  العريضة يستجيب لنيوتن والحقل على حساب التفاحة والشجرة خلافهُ القلب فمنطقهُ في التحليل يختلف فهو أكثر ميلاً للمناغاة ونصرة الضعيف المهمش ، وتبعا لذالك فالصراع هنا يبدو بين إتجاهين مختلفين في المنشأ والاعتبارات .

إنحياز العقل هذا يبدو غريبا بعض الشيء  لحذوه الانسياق وراء المتون على حساب ما يعتبره هوامش ، فالعرض غيرهُ الجوهر، ونيوتن تبعاً لذلك هوخصوبة العقل الذي تفتقت منه الفكرة ..أما سقوط التفاحة فإنها حادث عرضي وكفى يقابله  في الاتجاه الاخرصدود واعتراض القلب ليُُربك من يقين المسلمات فالأسئلة الذكية التي يطرحها تُحاكي الأنسنة بعيداً عن الأجوبة الجاهزة(واحدةً بواحدة ) فأين يقف الشعر من مجرى الصراع هذا؟:

 أعرف تماماً

أين يرقد نيوتن

وأين كان الحقل

لكن:

في أي تنور

انتهت الشجرة ؟

وفي أية ِمعدة

إستقرت التفاحة ؟

 ترى من يلتفت  لتفاحة سقطت على رأس العظيم نيوتن غير عين واحدة من بين ملايين العيون تلك العين هي الشاهد الوحيد  المغيب قسراُ في معادلة غير منصفة. ترى لماذا يدفع بنا الشاعر هنا لمجاراة هامش عرضي ويعطيه قدراً سلبتهُ منه القوانين الوضعية وفق معادلة القوة والضعف ؟؟

 الخرزة السادسة عشر تنظر الى المشهد من زاوية اخرى وان كانت تدور في ذات الاتجاه :

 أعرفُ أن العبيدَ

هم الذين شيدوا

الأهرام َ....

سورَ الصين...

وجنائنَ بابل...

ولكن

أين ذهب عرق جباههم؟

وصراخهم تحت لسع السياط

أين استقر؟

 الخرزتان بٌنيتا على افتتاحية المعرفة البديهية (أعرف ) وبالتقابل نكون أمام المعادلتين  التاليتين :

 أعرف تماماً                          أعرف أن العبيد

أين يرقد نيوتن     _    يقابلها  _  هم الذين شيدوا

 وأين كان الحقل        _  يقابلها  _           الأهرام.. سور الصين ، جنائن

......                                                بابل

ولكن : في أي تنور إنتهت الشجرة   _ يقابلها ولكن أين ذهب عرق جباههم

. ......                                        وصراخهم تحت لسع السياط أين

....                                            أستقر

وفي اي معدة أستقرت التفاحة  ـ يقابلها وصراخهم تحت السياط اين استقر؟

 فها هو السماوي يدعونا الى محاكاة الجانب المعطل والذي يعتقده ذات أهمية لا تقل عن بقية الجوانب فنيوتن عظمته مرهونة بسقوط التفاحة والتفاحة بنت الشجرة وشقائها بوجه الطقوس وكذالك هو سور الصين وجنائن بابل فهل العجب العجاب في كينونتيهما الناطحتين للسحاب على حساب جهد العبيد وتصبب العرق من أجسادهم والسياط التي تحثهم على الإسراع في العطاء ما اشد لسعتها وقد أستقرت في مخيلة الأحفاد يتوارثونها ابا عن جد .

 منذ دهور

وهو يصرخ ..  لم يسمعه أحد

ليس لانه يصفق بيد واحدة

ولا لأنهُ مثقوب الحنجرة

أنما لأنهم اعتقلوا الهواء

في قاعة الوطن .

و:

 ألفارغون يظنون الكأس فارغا

مع انه مملوء بالهواء

الدهور   ........... ألفارغون

يصرخ...............ألوطن

 علاقات  تتلازم فيما بينها بفعل عوامل السمو(العقلي ) والضعة(القلبية )

خلاصة ومحصلة تاريخية لصراخ الوطن ولأنهم اعتقلوا الهواء في قاعة الوطن (الكأس) لكن قيمته الفعلية ليست في وزنه المُستهان به بغير وجه حق وإنما في حضوره فهو ديمومة الحياة ودعامة الوجود .

  التفاؤل في الخرزتين مردهُ أجواء التسبيح بانتصار مشيئة الخالق الذي جعل قوتهُ في أضعف خلقه ، وجوابه ليس مثالياً محضا يبينه لنا السماوي قائلاً:

 أثقل من صخرة سيزيف

أخفُّ من ثوب الأفعى

أضيق من قبر

أوسع من صحراء

أخشن من شظية قـنبلة

......

.......

فكيف لا تكون أبواب جراحاته

على سـعـتها

كآنية الشحاذين

 ونوافذ أفراحه

مطبقة كقبضات الجلادين ؟

 هذا ما يولمهٌ حقاً فكل المقدمات أعلاه ـ وإن كانت غير مرئية ـ يراها هو وهي مصدر لأبواب جراحاته الطبقية(كآنية الشحاذين)

 ولأنه كذلك فهم يسخرون من رؤيته البكائية التي هي في حقيقـتها ترفع يتسامى بها بمعية (ثكالى الوطن) :

مالنا ولهم ياحبيبتي ؟

إنهم يضحكون على بكائنا

دون أن يدركوا

أننا نبكي على ضحكهم

في وطن

يشخب فيه

حتى التراب !

 ماذا يختزن البكاء غير أنهار الدموع  والهبة الجماهيرية التي لم ينضج بعد شرطها الموضوعي!

سخرية جُبلنا عليها لا يجد السماوي غير كلماته التي أجاد وأحسن في  تهكمها:

 قتل الأبرار اليوم عشرين محتلا ..

ياللخيبة !

أمِنْ وَهَـن ٍ في السواعد

أم قلة ٍ في الرصاص ؟

________

جُرحت نخلة عراقية ..

ياللخسارة

هذا كثير !

 وأحسب حكاية الناسك المُنهك قد ساقته خرزاته الى مواجع أبعد وذاكرة لم تصدأ لذلك هي وإن كانت تدور في تناول أنامله إلآ  أنها قد انساقت في ردحها بعيدا لتوظف طاقاته الجياشة :

كذالك هي الخرزة الثالثة والثمانون التي أقرأها مسك الختام وإن كانت تسبيحاته انتهت عند التسعة والتسعين :

 أكثر الناس ابتعادا عن الله

هم :

الأكثر قربا ً

من الـ "  c. I. a"

 هنا نكون قد  خرجنا من دور النسك الاجتماعي المحض الى بوابة الحياتي المنفتح في محراب الله :

أكثر الناس أبتعاداً عن الله

 حكاياتنا مع خرزات السماوي تطول وتمتد فهي تتنقل بريشة الخبير العارف صاحب التجربة الشعرية الممتدة الى( سـتة عشر ديوانا ) ومازال ينبض

قد تتمرد عليه الخرزات ساعة مهادنة أو استرخاء حيناً لكن مسبحته محصلتها النهائية تتقلب بين راحتيه وأصابعه لتنام طيعة في محراب جيبه شاهد زور أو حقيقة على أوجاعه ومسراته .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com