دراسات نقدية

 


قوافل بلا هوادج .. دراسة نقدية في إبداعات الشاعر الكبير يحيى السماوي

 

د. صدام فهد الاسدي

أنها لمحات خاطفة تنبض من قلبي قبل قلمي، وأتوقف معتذرا من القراء معترفا باني لا انصف الشاعر أبدا مهما طويت السطور ورتبت الأفكار فما عساي أن
افعل مع قوافل مشحونة بالرؤى وربما بسبب ذوقي العاجز عن حمل الأفكار سقطت في ذائقة مخرفة وربما لم استأهل أنا بالتحديد الكتابة عن فنه الرفيع فأجد نفسي ضالا في قوافله فلعلي أصيد من غزلانه الجامحة واحدة ومن طيوره المحلقة ريشة ومن سحابات أمطاره دفقة

أنها حيرة أن يبحر البحار مع السماوي فكم شاعرا مر في حياتي منذ الخمسينيات من القرن المنصرم وكم موضوع نقدي كتبت في حياتي وكم من رؤى استبدلت حتى ضعت في غيابة الجب مرارا فلم أجد مثل السماوي شاعرا ينقلك من ضجيج العمر إلى هدأة العمر، انه طبيب ينام على متن الوطن وتشرب من قصائده كأس العافية وتشم في رحيقها سعف النخيل فهو لا يقدم لك الوخز مؤلما بل شهيا ولا يشاكسك متعصبا بل ضاحكا انه شاعر شفاف وصوفي يلعق بجراح الموت راضيا وأيوب يقدم للدود بقايا جسد متمرد على المرض، انه يقدم غربة روحية بدون وجع فكأنك لا تشعر بغربته هو بل بغربتك أنت،انه شاعر يخيط من صبره سفينة يبحر بها إلى عوالم الناس كالضوء لا يتجسد في الأشياء بل يتلاءلا فيها بصوفية عذبة يغامر في كلماته ليقنع الأحبة ويهدا من غضبهم بضرب من دخان الفجيعة وأنات الحياة اليومية

مع هذا الشاعر كيف بي أن أجد عنوانا ومستهلا لقصائده وقد يكفيك أن تقول يحيى السماوي وتسكت؟

وكأني استنفد الشاعر لو حصرته في أوراق وصفحات وهو يحتاج إلى دراسة مستفيضة وأقولها مبتهجا أني قرأت مجموعته (قليلك لاكثيرهن في ساعة واحدة وقد وضعت لافتات كتابتي ونقلت مشاعري دون قلم وسيجت جسرا ذهبيا يربط بين قصائده المرفرفة كالطيور لفضاء بعيد كالبجع يسير نسقا وصنعت قنطرة واحدة أسميتها القوافل كي تعبر من بين ضفتيها أمواج الشعر ضمن مهيمنات وأنساق كثيرة منها:

اولا /// الق الحبيبة الخالدة في بوارق عينيه

لحبيبة زانت بتبر عفافها جيد الهيام8

وهو يرسم قصائده نميرا ورغيفا للجائعين، فنعم الرغيف الشهي

اهدي نمير قصائدي

ورغيف تنور المحبة والسلام9

وهو يقف واثقا بان محبته الصافية قلادة يعلقها على جيد امراته الدم واللحم او بغداد الام

حتى اذا جست يداك يدي

اعود فتى بهيا

ثانيا //الق الغربة والعمر الخرافي السحيق المخرب بعذابات الوطن المحتل والمباع للطغاة، فقد هرمت نخلة العمر كما هرم المغني السياب :

لاتعجبي ان هرمت نخلة عمري

قبل ان يبتدأ الميلاد2

0- فلماذا هرمت النخلة انه تفرد وقابلية خلاقة في رصف انعكاسات الذاكرة فقد ظل الحنين طاغيا على مضامين شعره،انه يعيش غربات وليس غربة واحدة لتحملها (غربة الوطن –السماوة /الأحبة الشعر الحقيقة الحرية العدالة وقد تنتهي الصفحات ولا تنتهي غربات السماوي أبدا

سابقى ضاربا في الغربتين

افر من نفق

لأدخل في نفق 48 \

فما جدوى الغربة وصباح دجلة يستغيث وزنبقته مقيدة بسلاسل الحرمان ورحيقها في اكف أعدائه

فليس سوى الحلم

لابد من حلم

لا اعرف إنني قد نمت ليلي في غيابك

الآن يكتمل انتصاري

باندحار غرور أشجاري

أمام ظلال غابك 23

بهذا الأمد الجياش من الحزن والاحتراق الوجداني تتفجر ينابيع الذات السماوية مطلقة لغة رائدة وهو يقلع بسفين امرأته ليبحر كيف يشاء

أني ليغنيني قليلك عن كثير الأخريات

فلا تلومي ظامئا هجر النمير

وجاء يستجديك كأسا من سرابك25

هذه محاجته وحجته وعذره فلا يخفي سرا بل يبوح بحقيقة أمره وفعله معترفا بخرافة العمر وعدم جدواه

وأنني نهر خرافي

إذا مر على القفار قامت واحته

وأعشبت الصخور 41

معترفا بانهزام القبيلة حاملة السيف على ابنها متناصا مع الشاعر القديم(قومي هم قتلوا أخي)

ومع نزار (يتقاتلون على بقايا تمرة)

ورأيت أسياد القبيلة

يتناطحون على ثياب أبي

وأرغفة الطفولة 46

قالبا الموازين (ولا تصعر خدك) من لمسات قرآنية إلى فيض من التناقضات البشرية

من حق صدرك أن يصعر دفئه

إن جئت التمس الملاد

اذاعوى ذئب الشتاء

مكشرا عن برده 53

ولم يحاجج الا التي وقفت حجرة عثرة في طريقه متحاورا معها

لست الذي يمكن أن ينتهر النهر

وان يغضب من تشبث الجبال

وهذا التكرار المرسوم بالتوقعات ينهال كالمطر في رصف الصور

تحت مهيمنة :

يحدث ان اجعل من يديك سورا يقيني من ذئاب وحشة الليالي 57

ثم يعتذر بإحداثياته عن تقصير :

يحدث إن اكتب في خيالي قصيدة تعجز أوراقي وأبجديتي عن نقلها من مرجل اشتعالي 59

والذي يريد قوله اكثر من هذا:

يحدث في خيالي

أن اهزم الطغاة والعتاة والأباطرة60

وكل مافي الارض من جبابرة

وهذا يعرفه الشاعر المستحيل المحال أبدا فحتى مصباح علاء الدين يخفق في التنفيذ فالأباطرة مازالوا لكنه يستطيع ان يسرج الخضرة في القفار ويقيم جسر الود بين الصقر والعصفور

3- ثالثا / الفجائع الدائمة التي لاتنتهي

فجائعنا ولودات واما مسرتنا فغانية عقيم

هذه مفاتيح الشاعر من هذا البيت يبدا الحزن السماوي 70 فاشواهد كثيرة تنضح من فواجع القصيدة الميمية وهي تحمل التساؤلات بعد التساؤلات:

أخاف علي مني ان قلبي غريمي في السكينة والخصوم 70

وقوله الرائع وصوررته المغرية:

اقيلوا عثرة الامواج القت بنا عنكم فمجذافي هشيم 72

فمالذي يفعله لينقذهم السماوي وهو يرتدي قناع نوح المنقذ بمجذاف هشيم، وهو يعلم ان كل الدروب تؤدي الى روما وقلبه ما تفضي اليه الدروب، انه جسد يتشظى حطاما ويسقط وينهض قائلا:

جف في حنجرتي النبض

فلملمت بقايا جسدي وقمت 82

وبالرغم من البعد والغربة والجراح يبقةى الشاعر سحابة تغدق المطر:

وأنني سحابة

تزخ في برية الوحشة

أمطارا من الظلال97

رابعا / الق الشعر في رحيل آخر

اكاد اجزم بان هذه القصيدة ديوان شعر لوحدها وهو يهيا من زمنه الوقود

عجبا علي بردت في

جمري واحرقني جليدي 108

وقد وصفت همي انا الفقير الاسدي قائلا متناصا معه

الجمر ياكل من حريق كتابتي وأصابعي يبست من الاسهاب

وقوله الرائع :

عريان إلا من ثياب الشوك بستان الشريد

هنا ينطلق الشاعر ويستقي من التراث اصالة الدلالة الرئوية في قوله

وحزمت امتعة الطريق حطام مغترب وقيد

مانفع سيف ابن الوليد بغير حزم ابن الوليد

اجدني منبهرا بهذه الصورة الترتاثية الرائعة والاعتراف بفكرة النص

قلبي انا وطن الهوى ووجوه احبابي حدودي 111

هذا شعر يخلق شعرا وهو ينقلنا لصورة عباسية رائعة يسرب من صور البحتري مثيلا

انا والهوى ضفتان من نهر يضاحك رمل بيد 113

فكم وصف الشعراء قبله ضحكات النهر في تعانق الضفتين ولكن ليس بهذا الوصف دلالة على شاعريته الفذة وووفي قصيدة رثاء مبكر أجد نفسي عاجزا عن الاقتراب لتلك الدلالات

يثمل النعناع في ثغر تلوذ به زهور الجلنار120

أي تشبيه يرتقي لهذه الصورة،وحين يصف ثغره المتعب

ثغري اذا ضحكت مواويلي القديمة

بالصداح

تحيلني طفلا تدثره رياش الياسمين

وأية صورة نزارية فاقت صورته هذه :

قالت ستعرف حين يخذلك الحنين الى الديار

فدعك من الحديث عن الملاذ المستعار121

هذه قدحات من السمو الشعري الخلاق أقول أروع من الأروع وأنقى من النقاء، وفي قصائد خدج بالرغم من قصرها انها فيض وجداني خالص

ينثر للبحر درا وللسحاب غيثا :

الوطن استراح مني وانا استرحت

لأنني منذ تمردت عليه مت100

لو كنت مكان السماوي لوضعت هذا المستهل اهداءا في المجموعة فأنها لافتة عذ

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com