دراسات نقدية

 


عن الحرب والخريف .. وأشياء أخرى

 فائز الحداد

 تبقى دالة الخريف الأكثر  تعبيرا عن معنى الكهولة المفضية إلى الأفول والعجز ..

 فالخريف مخيف كذئب، وغادر كحطاب تتري، فمن للأغصان المرتجفة من هول الريح، وبطش الثلج  وهي العاشقة للشمس والندى ؟  ومن لها غير معطف المعصية والاحتكام إلى مايقي   كتقوى .. ؟ فالحياة بيضة فوق عبوة ناسفة .. الضراوة إزاءها اشد مضاء من الارتكان الى مسلمات هالكة أو التسليم لطواحينها " المستبدة  .

اجل  : الخسائر فادحة لكنها كصلاة،لابد منها للنجاة .. وما نحسبه كمحرمات من أفعال !!، ربما هي أقدس شانا من "محللات "  سجينة كعصافير .. وهذا ما سأشي به عن اسرار النص عبر هذه الكتابة .

يستأنف النص إنطلاقته عادة في بوح أثير بأوجه متعددة، معبرا عن ذاته وعن عوالمه المتجلية بحس إنساني رفيع، وربما يتمظهر هذا البوح بحدين متقاطعين أو متعاكستين وبرؤية غائرة ومعبرة، تستنطق الحرية كروح، وتركل الآسر كطير، حيث الحلم المكلوم والمحكوم برواسب العلاقات القبلية ومفاصل العيب، ونظام الأمر والائتمار والنهي، وما يتصل بذلك من "فضائل"  وفضلات!!

يوقد النص شرارته احتمالا  فوق رأس كائن كريه اسمه "الخريف"، وبوعي مقصود لما فات كضريح .. وما سيأتي كحلم، وذلك إيعاز  لإيقاد هواجس المهملات المقموعة بنزعة ماضوية بائسة، وتثوير ما تبقى إنسانيا  لبلوغ الجذوة في الحلم، وبمواسم أكثر إيناعا وقطوفا، وقد أحسب " الخريف " موصوفا هنا بالأفول والتساقط أو الرياح الغاربة المقرونة بالسنوات . لكنه استدرك  ظرفي لاستغلال الزمن بأقصى عنفوانات الاتقاد والإيقاظ . فأين  يكمن الإذكاء لحقيقة الروح المتشبثة بالحياة، والباعثة للقلب بدماء جديدة .. ؟ ألم يكن في وخز الماضي بمعانية القصية ..  لا في البكاء عليه .. ؟ فهو كخفايا الحروب وما تحمله من أسرار، تنقر على خوذة " الغازي " برمح ثاقب، يستهدف ما في الرأس من حجر ؟ فلصالح من تتوقد مسرات الجسارة في  النص .. أما بالإقدام والتحدي والتضحية .. ؟  ومتى ..  في خريف  "مزعوم "  كاستيفاء لدين مغتصب وضائع ؟.

إذا عدنا للزمن في النص كثيمة وفي تفجير  كوامن الروح .. فانه تجسيد للميل الذاتي، وتجريد له، لصالح مشروع الذات القادمة، وبرؤية تبحث عن الحقيقة الهادفة،  واستكناه لها . بشكل تعاضدي للتعبير عنها وعن جوهر الذات معا .. أي بمعنى التواصل المفصح عن روح الحياة كمضاد للفروض المصطنعة، التي تريد منه تابعا بالوراثة أو كعبد تملي عليه ما تريد، فعند من يظل الخريف هاجسا للخوف .. وهو شرارة المطر  القادحة لما بعده ؟ .

 هل عند المأخوذ بالسرقة عنوة .. أم عند الذي يقع أسير بئرين، الأول ناضب والثاني غزير، وفي شروق أنفاسه تجليات الغمام .. ؟ ثم إن الخريف كدلالة هو : إغلاق  لباب، وطرق أخرى ( الصيف _ الشتاء ) ولو إن الثلج من يفضض  الشأفات بجمان الهوى ..!!

فالمقطع الشعري في الدال والدلالة عادة  يكمن إفصاحا في مرئية المحسوس أكثر من فهمه الذهني المجرد .. وعليه " الاستيفاء " هنا ذهب القصد باستغلال كل لحظة .. بأن يعيشها الأنسان بحرية  كلعنة الإظهار لرغبة مؤددة تلخص الحلم " المشتهى " الجامح والرافض للمقيدات، كتأكيد للذات المقموعة في تبني تجاوزات عشرة يعاني منها الشاعر دائما وتلخص تداعياته في :

1)         اللازمن

2)         اللامكان

3)         الوهم، الحلم

4)         الجوى

5)         التحدي

6)         اللذة

7)         الحرية

8)         التواصل

9)         البقاء

10)       الانبعاث

فهل هذه التجاوزات مبعثها الإيمان بالشعر كشرط مثالي في التعبير عن الحرية، وما يلخص " تراجيديا " الحياة في الزوال والخلود، والفناء والبقاء.. وإزاء ذلك يكون التجاوز مشروعا على مقدسات مزقتها آسرات خاسرة، والثورة عليها هنا هي أجندة حياة لتحقيق الذات الدارئة للخوف بلا ضائعات ..؟  وهل سيبقى للخريف من صدى يذكر، والجسارة صوب المسرات لها لذة البوح بحاسة الشعرالمتجاوزة... وهي تأكيد لدالته الراسخة ولدلاللات  الشاعر الكتابية المتيقنة، ولو بحرف مجرد كطائر ضال وأدرك تماما تجلي القصيدة في تنامي روح النص لدفعه بأقصى درجات الإيماء والتأويل، بل والشك أيضا بجرسه الإيقاعي الداخلي الذي يتعمده الشاعر، لتحقق ذات الحلم المؤدد ولاصطياده ولو بطعم صنارة .. فالأمنيات العصية، تلك التي لا تؤخذ في خريف العمر إلا  " غلابا " والظافر فيها الحائز على استقدامها .. ويبقى الأشهى في العناقيد ذلك " العصي " المنتظر في البعيد .. !!

ولان " المعاصي " جميلة .. فالمغامرة إزاءها كصلاة أجدى للنجاة . ولابد من وقفة هنا .. نسترجع فيها شان اللغة الكبير ودورها الخطير في استدراج الجمال القادم ومن خلال المحرمات ذاتها فسنجد : بان خلفيات الترتيب اللغوي للمفردات قد تساق بهيئة رموز، مدلولاتها عبر دالاتها .. وحتى في تناسقها الهندسي، فإنها تؤدي إلى معنى يصب في التجاوزات العشرة، حيث الحلم المشتهى للشاعر في ربيع تحقيق الرغبة والذات، وما الخريف أحيانا إلا استخدام ( خيالي _شعري ) كصدى داخلي لدفع القاريء إلى الإمعان في تقصي إيهامات الذهن والبصر لصالح المحسوس القصي دائما . وان لم يأت في سياق النص كجملة واحدة، لكنه بالضرورة يشير إلى الوشائج والروابط المفرداتية العميقة مابين جمله، كذلك الجرس المعبر كبناء رصين ومعنى بدلالة موحية، أوسع بكثير من دالة  البيت الشعري القائل (فاز باللذات .. من كان جسورا ) لسبب يفيد الى إن اللذة تتجاوزالمعنى الساذج في الجسارة كلعبة نجاة أسمى وأرفع، وعلى شاكلة السفائن حين تصارع الريح وتكابد الأمواج لتبلغ فنار الحياة . أما الاستدراج الشعري فهو ترغيب مبيت يلخص " الصراع " . لاستئناف البقاء والتجدد .

لذلك ومن خلال النص  أيضا ..فإن " المعاصي " هي من توقد شرارة المعارك .. كإصرار طفولي بهدف إسترداد ضائعات  مضين في الخروج على الممنوع، وشق عصا الطاعة دون الاكتراث بالنتائج  .. والتاريخ فيها لايكون مجرد كاتب وقائع يجدول الأسماء والكنى ..

فهل كان للتاريخ في الشعر أي مغزى دلالي آخر، وللمعارك من حوارات غير التي نعرفها اصطلاحا مجردا ..؟ أجل .. فللاستبداد في الحروب تأويل قبيح مؤداه الاستهتار والوغول في تأكيد سفالة شيء فردي وأستثنائي بدافع من الأنانية والغطرسة واللصوصية، لذلك غالبا ما يفصح النص بالإعلان عن مسببات تلك المعارك كأعتراف وكدالة تحمل العطف  والتوضيح وتنطوي على تسبيب مشفر إن لم يكن فيه الزمن محددا وقاطعا، ولو كان كذلك لألغى الإطلاق لصالح النسبي وأفقد المعنى تعددية التحليل، لذلك سيظل تأويله الشعري مفتوحا ..كيف ..؟ بالاستبداد الواغل والمستمر .

 إن الخسائر في إسفار الحروب تحمل صور" المخلفات " المقرونة بضحايا بعيدة وقريبة ومواقع " جمع الخسائر " من تبنيء بوجود صراع حاد بين خصمين، وخسائرهما مترادفة الإيقاع بوتائر متلاحقة .

إذن هي ( مسرات الحروب ) والتي تتضمن أكثر من تأويل إذا ما وضعنا في الاعتبار .. إن الاستبداد يفصح عن فردية ودكتاتورية مقيتة  نازعة لإرادة أخرى وضحاياها كبيرة ( الأفراد – الجماعات ) وهائلة كانعكاس لغرور السادي السادر في التسلط والبطش وفي توظيف كل ممكنات الاستبداد لصالح مشروعه الأناني الباخس لحرية سواه .

وهنا أشير إلى معاناة ( الكل في الجزء_ الجزء في الكل ) وماله من صلة بحركة الحياة عبر اجتراحها لهول المأساة وما يعكس من  صور الأفعال الهمجية . ولنا أن نتخيل حجم الخسرانات في وصف هول الحروب و تأكيد الخوف كجزية للروح الخاسرة، لذلك يكون الهجوم في النص خير وسيلة للدفاع في إسترداد حق مغيب، كي تستمر الحياة وتعلو بايناعات الأغصان الطالعة إلى الشمس .. فإزاء  " الذئب " مثلا والموصوف بالخيانة والدهاء والجرأة سيكون للوقت قيمة كبيرة باستغلال شوارده حتى في الثانيات، لإيقاظ المهملات المقموعة وإشباع غرور الكوامن بالتمرد ..  كذلك أن أبلغ إشارة  للتعبير عن عوامل الهدم التي يعبر عنها النص هي :

 في أفعى عمياء أو حطاب ممسوس لايرى سبيلا غير جنون (الفأس ) وما يتصل بها لاحقا من نار وحرائق .. فتلك المسنونة الحافلة بهوس الهدم والقتل ماتعبر عن الموت واليباب لتجريد الأرض وما عليها من حلتها الندية .. فهل ستأتي ذات الفأس على رأس الحطاب ليبقى الجسد الغض دونما خوف ..؟  هذا لن يكون أبدا .. لاتصال عنصري التخريب بشروط القتل الاخرى وهذا المرادف أحسبه الحاسم بين عناصر الهدم الأخرى ف (الرجل _الذئب ) واستئثاره و( الفأس _الزمن ) في خريفه و( العبوة الناسفة _ الفناء ) التي تأتي على كل شيء وأولها الحلم .. ولا أدري ما الذي دفعني إلى استعادة ذاكرة أفلام (الكاوبوي) حين يستأسد الغزاة المدججون بالسلاح على قبائل عزّل ويذبحون الأطفال نصب أعين الأمهات وينتهكون النساء أمام الرجال الأسرى، والهدف بائن دون الحاجة إلى شرح خفايا تلك السادية كاستفراد قطيع من الذئاب بلبوة جريحة .

إذن : هو المحو للهوية .. وهذا ما أريد ايصاله بأغلب نصوصي كثيمة تشير الى الذي يحدث في العراق وفلسطين وفي كل بقاع الارض ومن خلال قناة ذاتية تشير إلى ما يجري من انتهاكات جسيمة ضد ذرية بهيئة دكتاتوريات مستفحلة وهمجيات تتوالد لصالح قلة " قوية " على حساب كثرة مأكولة خساراتها الحيوات قبل السنوات .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com